مصطفى طالب مصطفى
07-20-2016, 07:30 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فتنة القول بخلق القرآن من أشد الفتن التي طرأت على أمة الإسلام ولا تزال تبعاتها ومآلاتها السيئة حاضرة حتى يومنا هذا.
وقد أدرك السلف رحمهم الله عمق خطر هذه القضية على أمة الإسلام وعظم مآلاتها حتى أطلقوا القول بكفر قائلها وشَنَّعوا عليهم ورموهم بالزندقة.
فمن مآلات ذلك القول أن القرآن غير معجز في نظمه لأنه ليس كلام الله حقيقة، ومن مآلاته التهوين من قدسيته، ومن أخطر مآلاته الاعتقاد بأن الله أو صفاته مخلوق.
وقد دافع السلف عن القرآن الكريم وبذلوا جهدهم في الذَّب عن كتاب الله حتى أمتُحن إمام أهل السُنَّة أحمد بن حنبل بهذه الفتنة فخرج منتصراً بقدرة الله سبحانه وتعالى وتوفيقه لأمة الإسلام وتثبيته لقلب ذلك الإمام رحمة الله عليه ورضي عنه وأدخله الجنة بجوار الحبيب صلى الله عليه وسلم.
وقد استدل السلف بأدلة قرآنية كثيرة وكذا بأدلة من السُنَّة المطهَّرة على نفي هذه البدعة الضلالة !
ومن تلك الاستدلالات قوله تعالى: قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء : 88]
قال الإمام الدارمي[1]: فَفِي هَذَا بَيَانٌ بَيِّنٌ أَنَّ الْقُرْآنَ خَرَجَ مِنَ الْخَالِقِ لَا مِنَ الْمَخْلُوقِينَ، وَأَنَّهُ كَلَامُ الْخَالِقِ لَا كَلَامَ الْمَخْلُوقِينَ، وَلَوْ كَانَ كَلَامَ الْمَخْلُوقِينَ مِنْهُمْ لَقَدِرَ الْمَخْلُوقُ الْآخَرُ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهِ أَوْ بِأَحْسَنَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ مَخْلُوقٌ بِحَقٍّ وَبَاطِلٍ مِنَ الشِّعْرِ أَوِ الْخُطَبِ أَوِ الْمَوَاعِظِ أَوْ مِنْ كَلَامِ الْحِكْمَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ إِلَّا وَقَدْ أَتَى بِمِثْلِهِ أَوْ بِأَحْسَنَ مِنْهُ نُظَرَاؤُهُ مِمَّنْ هُمْ فِي عَصْرِهِ أَوْ مِنْ بَعْدِهِ، فَهَذَا قَدْ ثَبَّتَ اللَّهُ عَلَيْهِ الشَّهَادَةَ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِمِثْلِهِ جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْهُ، وَصَدَقَ اللَّهُ وَبَلَّغَ رَسُولُهُ، لَمْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ مُنْذُ مِائَتَيْ وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَلَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ إِلَى خَمْسِينَ أَلْفِ سَنَةٍ، فَكَيْفَ يَفْعَلُونَهُ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَنْ تَفْعَلُوا} [البقرة: 24] ، وَ {لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88] . فَفِي هَذَا بَيَانٌ بَيِّنٌ أَنَّهُ كَلَامُ الْخَالِقِ نَفْسِهِ، وَأَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ.
وعندما تفطن اسحاق بن إبراهيم النظَّام - أحد أئمة الاعتزال - وهو من رؤوس المعتزلة لهذا الذي نزل على معتقدهم كالعاصفة اخترع نظرية جديدة في سبب عدم قدرة الخلق على الإتيان بمثله وهي بدعة "الصِّرْفَة" والتي معناها أن كفار قريش والعرب والجن والناس إلى يوم الدين قد صرفهم الله عن الإتيان بمثله ولولا هذا لأتوا بمثله لأنه عنده مخلوق، فسبب عدم الإتيان بمثله هو صرف الله الكفار عن ذلك وليس لمعجزة في نظمه !
حيث يقول[2]: الآية والأعجوبة في القرآن ما فيه من الأخبار عن الغيوب، فأما التأليف والنظم فقد كان يجوز أن يقدر عليه العباد، لولا أن الله منعهم بمنع وعجز أحدثهما فيهم.
---------------------
1 الرد على الجهمية: أبو سعيد عثمان بن سعيد بن خالد بن سعيد الدارمي السجستاني (المتوفى: 280هـ)، المحقق: بدر بن عبد الله البدر، الناشر: دار ابن الأثير - الكويت, الطبعة: الثانية، 1416هـ - 1995م، صـ 184
2 مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين: أبو الحسن علي بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري (المتوفى: 324هـ) عنى بتصحيحه: هلموت ريتر, الناشر: دار فرانز شتايز، بمدينة فيسبادن (ألمانيا)، الطبعة: الثالثة، 1400 هـ - 1980 م، صـ 225
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فتنة القول بخلق القرآن من أشد الفتن التي طرأت على أمة الإسلام ولا تزال تبعاتها ومآلاتها السيئة حاضرة حتى يومنا هذا.
وقد أدرك السلف رحمهم الله عمق خطر هذه القضية على أمة الإسلام وعظم مآلاتها حتى أطلقوا القول بكفر قائلها وشَنَّعوا عليهم ورموهم بالزندقة.
فمن مآلات ذلك القول أن القرآن غير معجز في نظمه لأنه ليس كلام الله حقيقة، ومن مآلاته التهوين من قدسيته، ومن أخطر مآلاته الاعتقاد بأن الله أو صفاته مخلوق.
وقد دافع السلف عن القرآن الكريم وبذلوا جهدهم في الذَّب عن كتاب الله حتى أمتُحن إمام أهل السُنَّة أحمد بن حنبل بهذه الفتنة فخرج منتصراً بقدرة الله سبحانه وتعالى وتوفيقه لأمة الإسلام وتثبيته لقلب ذلك الإمام رحمة الله عليه ورضي عنه وأدخله الجنة بجوار الحبيب صلى الله عليه وسلم.
وقد استدل السلف بأدلة قرآنية كثيرة وكذا بأدلة من السُنَّة المطهَّرة على نفي هذه البدعة الضلالة !
ومن تلك الاستدلالات قوله تعالى: قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء : 88]
قال الإمام الدارمي[1]: فَفِي هَذَا بَيَانٌ بَيِّنٌ أَنَّ الْقُرْآنَ خَرَجَ مِنَ الْخَالِقِ لَا مِنَ الْمَخْلُوقِينَ، وَأَنَّهُ كَلَامُ الْخَالِقِ لَا كَلَامَ الْمَخْلُوقِينَ، وَلَوْ كَانَ كَلَامَ الْمَخْلُوقِينَ مِنْهُمْ لَقَدِرَ الْمَخْلُوقُ الْآخَرُ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهِ أَوْ بِأَحْسَنَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ مَخْلُوقٌ بِحَقٍّ وَبَاطِلٍ مِنَ الشِّعْرِ أَوِ الْخُطَبِ أَوِ الْمَوَاعِظِ أَوْ مِنْ كَلَامِ الْحِكْمَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ إِلَّا وَقَدْ أَتَى بِمِثْلِهِ أَوْ بِأَحْسَنَ مِنْهُ نُظَرَاؤُهُ مِمَّنْ هُمْ فِي عَصْرِهِ أَوْ مِنْ بَعْدِهِ، فَهَذَا قَدْ ثَبَّتَ اللَّهُ عَلَيْهِ الشَّهَادَةَ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِمِثْلِهِ جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْهُ، وَصَدَقَ اللَّهُ وَبَلَّغَ رَسُولُهُ، لَمْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ مُنْذُ مِائَتَيْ وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَلَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ إِلَى خَمْسِينَ أَلْفِ سَنَةٍ، فَكَيْفَ يَفْعَلُونَهُ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَنْ تَفْعَلُوا} [البقرة: 24] ، وَ {لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88] . فَفِي هَذَا بَيَانٌ بَيِّنٌ أَنَّهُ كَلَامُ الْخَالِقِ نَفْسِهِ، وَأَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ.
وعندما تفطن اسحاق بن إبراهيم النظَّام - أحد أئمة الاعتزال - وهو من رؤوس المعتزلة لهذا الذي نزل على معتقدهم كالعاصفة اخترع نظرية جديدة في سبب عدم قدرة الخلق على الإتيان بمثله وهي بدعة "الصِّرْفَة" والتي معناها أن كفار قريش والعرب والجن والناس إلى يوم الدين قد صرفهم الله عن الإتيان بمثله ولولا هذا لأتوا بمثله لأنه عنده مخلوق، فسبب عدم الإتيان بمثله هو صرف الله الكفار عن ذلك وليس لمعجزة في نظمه !
حيث يقول[2]: الآية والأعجوبة في القرآن ما فيه من الأخبار عن الغيوب، فأما التأليف والنظم فقد كان يجوز أن يقدر عليه العباد، لولا أن الله منعهم بمنع وعجز أحدثهما فيهم.
---------------------
1 الرد على الجهمية: أبو سعيد عثمان بن سعيد بن خالد بن سعيد الدارمي السجستاني (المتوفى: 280هـ)، المحقق: بدر بن عبد الله البدر، الناشر: دار ابن الأثير - الكويت, الطبعة: الثانية، 1416هـ - 1995م، صـ 184
2 مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين: أبو الحسن علي بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري (المتوفى: 324هـ) عنى بتصحيحه: هلموت ريتر, الناشر: دار فرانز شتايز، بمدينة فيسبادن (ألمانيا)، الطبعة: الثالثة، 1400 هـ - 1980 م، صـ 225