عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 10-31-2015, 05:20 AM
الصورة الرمزية مصطفى طالب مصطفى
مصطفى طالب مصطفى مصطفى طالب مصطفى غير متواجد حالياً
الإدارة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 1,072
مصطفى طالب مصطفى is on a distinguished road
Post كيف يخلق الله الكافر وهو يعلم أنه سيدخل النار؟!! للشيخ سلطان العميري

بسم الله الرحمن الرحيم


كيف يخلق الله الكافر وهو يعلم أنه سيدخل النار؟!!


يطرح هذا الاعتراض بصياغات مختلفة , ولكن حقيقته ترجع إلى أنه إذا كان الله عالما بكل شيء قبل حدوثه , فإنه خلق للكافر مع علمه بدخوله النار يستلزم نسبة النقص والعيب إليه ؛ لأن خلقه لمن يعلم قبل وجوده بأنه سيدخل النار منافٍ للرحمة الكلية , فلو كان الله كلي الرحمة ؛ لامتنع عن خلق من سيعلم أنه داخل النار بعد موته .
فنحن في مثل هذه الحالة إما أن نقول : إن الله غير عالم بحال الكافر قبل وجوده , وهذا نقص في العلم وإما أن نقول : إنه كان عالما به قبل وجوده , وهذا نقص في الرحمة , ففي كلا الحالين لا بد من نسبة النقص والعيب إلى الله .
وفضلا عن ذلك , فإن خلق الله للكافر منافيا للعدل أيضا , لكون الله سيعذب إنسانا لا يمكنه أن يخرج عما قدره الله وعلمه قبل وجوده , وليس له قدرة ولا إرادة يستطيع بها تغيير علم الله السابق( ).
وهذا الاعتراض من أكثر الاعتراضات التي يرددها الناقدون للأديان من الربوبيين والملاحدة , ومن أشهر ما يوردنه على مناظريهم من المسلمين وغيرهم , والمعتمدون عليه جمعوا بين خطئين كبيرين : الأول : سوء الفهم لطبيعة الكمال الإلهي كما يعتقده المسلمون , والثاني : أنهم حددوا لأنفسهم ضوابط معينة للكمال في صفة الرحمة والعدل , ثم طفقوا يحاكمون أفعال الله إليها , فحين وجدوها غير متفقة معها , انتهى بهم الأمر إلى القدح في وجود الله وكماله .
والجواب المنضبط على هذا الاعتراض لا بد فيه من الكشف عن أن خلق الله للكافر لا ينافي الكمال في الرحمة ولا الكمال في العدل ولا الحكمة , وإنما هو مستق مع تلك المعاني اتساقا تاما ومستقيم مع مقتضياتها استقامة كاملة , ولا بد لنا من إثبات صحة هذه الدعوى , وإقامة براهينها , وتجلية تفاصيلها , لأن ذلك سيـؤدي بالضـرورة إلى نسف ذلك الاعتراض من جذوره , وتهشم بنيانه على قواعده .
1- أما بيان عدم مناقضة ذلك للكمال في الرحمة الإلهية , فإن الرحمة صفة من صفات الأفعال , كالعفو والكرم والمعفرة وغيرها , وصفات الأفعال لا تكون كمالا إلا إذا كانت مقرونة بالحكمة التي تعني وضع كل شيء في موضعه الصحيح , وبالعدل الذي يعني إعطاء كل ذي حق حقه وما يستحقه .
والنظر في صفات الأفعال الإلهية لا بد فيه من اعتبار اقترانها بهذين المعنيين , فالعفو لا يكون كمالا إذا كان مستقا مع الحكمة والعدل ؛ ولأجل هذا فالعفو عن المعاند والمتكبر والتساهل والمستخف في حقوق الآخرين ليس كمالا , ولا يكون كمالا إلا إذا نزل في محله المناسب له , كالعفو عن المخطئ والنادم والجاهل والناسي , ونحو ذلك , فإذا لم يعفُ الله عن أحد لكونه لا يستحق العفو , فذلك ليس نقصا , بل هو الكمال بعينه .
وكذلك الكرم لا يكون صفة كمال في كل الأحوال , فإن التكرم على المعاند , أو على من يعلم بأنه سيتمادى في ظلمه وغيه وضلاله ليس كمالا , ولا يكون كمالا إلا إذا نزل في محله المناسب كله , فإذا لم يتكرم الله على أحد لكونه لا يستحق إنزال الكرم فيه , فذلك ليس نقصا بل هو الكمال بعينه .
وكذلك الحال في صفة الرحمة , فإنها من صفات الأفعال , فهي محكومة إذن بالحكمة والعدل , فلا تكون صفة كمال في كل الأحوال , فإن رحمة المتكبر الذي ظلم الناس وقهر الآخرين وتمادى في الطغيان والعفو عنه منافٍ للعدل والحكمة , ولا تكون صفة الرحمة كمالا إلا إذا أنزلت في المحل المناسب لها , كرحمة النادم والناسي والجاهل , ونحو ذلك .
ولكن المعترضين على خلق الله للكافر أعرضوا عن هذه الحقيقة , وتعاملوا مع صفة الرحمة بقطعها عن علاقتها بالحكمة والعدل , فاعتقدوا أن كمال رحمة الله يقتضي أن تكون شاملة لكل أحد بلا استثناء , ومن غير تفريق بين الناس , وبين من يستحق أن يرحم وبين من لا يستحق , فحين وجدوا أن الله لم يرحم الكافر بإدخاله النار , توهموا أن ذلك مخالفا لكمال الرحمة .
والحقيقة أن الأمر ليس كذلك ؛ لأن صفة الرحمة لا تكون كمالا إلا إذا أنزلت في محلها المناسب لها , فكان الواجب عليهم أن يثبتوا أن الكافر مستحق للرحمة , ثم يعترضوا على عدم رحمة الله له , ولكنهم لم يفعلوا ذلك وقفزوا مبـاشرة إلى النـظر في بناء تصور محدد لكمال الرحمة ثم طفقوا يحاكمون أفعال الله إليها .
2- أما بيان عدم مناقضة خلق الله للكفار لصفة العدل , فهذه راجعة إلى العلاقة بين التقدير السابق وبين أفعال العباد , وقد سبق في مناقشة الاعتراض السابق الجواب المفصل على ذلك , وحاصله: أن الله تعالى أخفى علمه السابق عن كل الناس , فلا يمكن لأحد أن يعلم ما قدره الله وما شاءه , ثم هو سبحانه في الوقت نفسه خلق الإنسان خلقة يستطيع معها أن يختار أفعاله ويحدد سلوكه بإرادته وقدرته , فكل إنسان يملك قوة يستطيع بها أن يؤثر في أفعاله وسلوكه , وعلمه بذلك ضروري فطري لا شك فيه , فاختيار الكافر لأفعاله إذن ليس خارجا عن تلك الحقيقة , فهو يملك قدرة وإرادة مثل غيره من المؤمنين , والله تعالى لم يفرق بين المؤمن والكافر في إعطاء كل منهما أدوات الفعل والاختيار , فخلق الله الكافر كخلقه للمؤمن , سواء بسواء , فقد خلق الله كلا منهما وهو يملك قدرة وإرادة يستطيع بها أن يؤثر في أفعاله ويحدد تصرفاته , وأخفى علمه عن كل منهما , وأمر كلا منهما بالطاعة ونهاه عن المعصية , وساوى بينهما في البيان والإرشاد , ولكن الكافر اختار بما يجده في نفسه من إرادة وقدرة الكفر بالله تعالى والمؤمن اختيار بما يجده في نفسه من إرادة وقدرة الإيمان بالله .
فمن الأسباب المؤثرة في افتراق حال الكافر عن حال المؤمن ما يرجع إلى اختلاف اختيار كل واحد منهما , وليس إلى علم الله فقط , فعلم الله سابق لا سائق , ثم إن كل واحد منهما في حال فعله لا يدري عن علم الله شيئا , وإنما كانا يفـعلان الفعل بناءً على ما يجـده كل واحد منهما في نفسه من الإرادة والقصد .
إن حال المؤمن والكافر مع قدر الله السابق يشبه حال رجلين أرسلهما أبوهما إلى مدينة بعيدة , وذكر لهما الطريق السالم من الآفات والطرق المهلكة , وترك لهما حرية الاختيار , فاختار أحدهما الطـريق السالمة فوصل ونجى , واختار الآخر الطريق المهلكة , فهلك وخسر , فلا يقول أحد من العقلاء : إن الأب كان ظالما لأحدهما .

ويشبه كذلك حال رجل كريم قدم الطعام إلى رجلين جائعين , وترك لهما حرية الاختيار , فأقدم أحدهما على الطعام وأكل منه , فنجى من الموت , وأعرض الآخر عنه وبقي على جوعه , حتى أدركه الموت , ولا يقول أحد من العقلاء : إن ذلك الرجل كان ظالما لأحدهما .
ويزيد من وضوح هذه القضية أن الله تعالى لم يخلق الكافر كافرا منذ أول ولادته , و إنما خلقه على الفطرة التي تقتضي في حال استقامته وسلامته من المفسدات الإقرار بالخالق , والإيمان بوجوده وكماله والخضوع له , وهو لا يختلف في ذلك عن المؤمن , ولكن الكافر انحرف عن الفطرة , واختار سبيل الكفر بالله , وبلغه الله البيان والإرشاد الدلالي على ضرورة الإيمان به , ولكنه أعرض عن ذلك كله , فالكافر في حقيقته متساوٍ مع المؤمن في الخلق على الفطرة , وفي خلق أدوات الاختيار والقدرة والتأثير , وفي حصول البيان والإرشاد الدليلي لكل منهما , وكفى بذلك عدلا ورحمة .
ولكنْ المعترضون غفلوا عن هذه المعاني كلها , فتوهموا أن الله خص المؤمن من الأدوات والمؤهلات ما يجعله يختار الأعمال الموجبة لدخول الجنة , وحرم الكافر منها , وأعطاه من الأدوات والمؤهلات ما يجعله يختار الأعمال الموجبة لدخول النار .
والحقـيقة أن الأمر ليس كذلك , فالمؤمن والكافر كل منهما أعطي مثلما أعطي الآخر من الأدوات والمؤهلات .
3- وأما بيان عدم مناقضة خلق الله للكافر للكمال في صفة الحكمة , فلا بد من التذكير أولا بأن حكمة الله تعالى واسعة لا يمكن أن يحيط بها الناس , وقد سبق في أول البحث إقامة الأدلة الدالة على ذلك , وحال الناس مع حكمة الله دائرة بين الجهل المطلق وبين العلم ببعض ما يمكن أن ينكشف للعقل الإنساني منها , وبين ما يتفضل الله بإظهاره لعباده .
فإذا لم يظهر للإنسان وجه الحكمة من خلق الله للكافر , فإنه يجب عليه الإقرار بعجزه , ولا يصح له في العقل إن يبادر إلى إنكار الحكمة مطلقا أو أن يقدح في وجود الله وكماله , فإن معنى ذلك أن الإنسان يحاكم الله إلى مقـدار علمه ويصـدر أحكـامه على تدبير الله وأفعاله , بناءً على ما لديه من علم ناقض وإدراك قاصر , وكل ذلك انحراف عن الطريقة المستقيمة في النظر إلى العظمة الإلهية التي دلت عليها دلائل كثيرة , من أقربها عظمة الكون واتساعه .
ومع ذلك , فإننا إذا أوسعنا النظر والتأمل في تنوع مخلوقات الله , فإنه يمكننا أن نتعرف على عدد من الحكم الإلهية المتعلقة بخلق الله للكافر , فمن تلك الحكم( ) :
أ- أن تظهر للعباد قدرة الرب تعالى على خلق المتضادات المتقابلات , فخلق هذه الذوات المضادة : المهتدية والضالة , والنعيم والعذاب من أقوى ما يظهر كمال الله في القدرة , كما ظهرت قدرته في خلق الليل والنهار، والدواء والداء، والحياة والموت، والحسن والقبيح، والخير والشر. وذلك من أدل دليل على كمال قدرته وعزته وملكه وسلطانه ، فإنه خلق هذه المتضادات، وقابل بعضها ببعض، وجعلها مجال تصـرفه وتدبيره، , فخلو الوجود عن بعضـها بالكلية تعطيل لحكمته وكمال تصرفه وتدبير مملكته .
ب- ظهور آثار أسمائه القهرية، مثل: القهار، والمنتقم، والعدل، والضار، والشديد العقاب، والسريع العقاب ، وذي البطش الشديد، والخافض، والمذل ، فإن هذه الأسماء والأفعال كمال ، لا بد من وجود متعلقها ، ولو كان الجن والإنس على طبيعة الملائكة لم يظهر أثر هذه الأسماء .

ج- ظهور آثار أسمائه المتضمنة لحلمه وعفوه ومغفرته وستره وتجاوزه عن حقه , وعتقه لمن شاء من عبيده ، فلولا خلق ما يكرهه من الأسباب المفضية إلى ظهور آثار هذه الأسماء لتعطلت هذه الحكم والفوائد، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا بقوله : "لو لم تذنبوا , لذهب الله بكم , ولجاء بقوم يذنبون ويستغفرون , فيغفر لهم"( ).
ولو أعمل الناظر عقله في التأمل , لاستطاع أن يقف على حكم عديدة غير ما ذُكر , ولكنْ المعترضون على وجود الله لا يريدون البحث في الحكمة , ولا يرغبون في ربط أفعال الله بها , بل تراهم كثيرا ما يتهربون من ذلك , وينفرون منها نفرة الغزال من الأسد ؛ لأنهم يدركون أن ربط أفعال الله بالحكمة يغلق عليهم كل الأبواب التي يسعون إلى دخولها للتشكيك في وجود الله وكماله , ويفسد عليهم كل التصورات التي بنوها عن معاني الرحمة والعدل .
فثبت من خلال التوضيح السابق أن خلق الله للكافر ليس منافيا للكمال في صفة الحكمة , ولا في صفة الرحمة , ولا في صفة العدل , وبهذا يثبت أن ذلك الاعتراض باطل , قائم على تصورات خاطئة ومسلمات زائفة , ليس لها أساس من الصحة , ولا مستند من العقل .

لمناقشة الشيخ عبر الفيس بوك: هنا
__________________
[align=center]

[/align]
رد مع اقتباس