عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 06-14-2016, 02:22 PM
الصورة الرمزية مصطفى طالب مصطفى
مصطفى طالب مصطفى مصطفى طالب مصطفى غير متواجد حالياً
الإدارة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 1,072
مصطفى طالب مصطفى is on a distinguished road
افتراضي رد: تسهيل دورة البناء العلمي

بسم الله الرحمن الرحيم


‫#‏الدرس‬ [11]


بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم بمنِّه وكرمه أن يجعلنا وإيَّاكم ممن إذا أُعطِيَ شكر، وإذا ابتُلِيَ صبر، وإذا أذنب استغفر، فإنَّ هذه الثلاث عنوان السعادة. اللهم آمين.


في هذا اللقاء وهو الدرس الحادي عشر من دروس البناء العلمي، والتي تُقدَّم من خلال هذه الدورة العلمية نتحدث -بإذن الله عز وجل- عن موضوعٍ أعتقد أنَّ كلَّ مَن يروم طلب العلم الشرعي ويقصده لابُدَّ أن يقرأ في هذا الموضوع، ولابُدَّ أن يبني فيه نفسه بناءً علميًّا سليمًا صحيحًا.


الصِّفة التي تليها التي يجب على طالب العلم أن يتحلَّى بها هي: الدَّعوة إلى الله -عز وجل- فالدعوة إلى الله من أعظم القُربات التي يتقرَّب بها العبدُ إلى ربِّه -عز وجل- فالله -سبحانه وتعالى- قال: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ [فصلت: 33].
وبالمناسبة: حبذا لو جمع واحدٌ وصايا ونصائح وحِكَم الحسن البصري –رحمه الله- فقد كان ممن أُوتي الحكمةَ، وكانت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- إذا استمعت إليه تقول: "مَن هذا الذي له كلامٌ يُشبه كلام النُّبوة؟" وقيل: "ما زال الحسنُ يتحرَّى الحكمةَ حتى أُوتيها".
فهو -رحمه الله- لما تلا هذه الآية: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللهِ قال: "هذا حبيب الله، هذا وليُّ الله، هذا خيرة الله من خلقه، عمل صالحًا ودعا الناس إليه، وقال: إنني من المسلمين".
والنبي -عليه الصلاة والسلام- كذلك يقول: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَو آيَةً».
وهنا أيضًا كان من ضمن الأسئلة التي يكثر الحديث عنها: أيُّهما أُقدِّم العلم أم الدعوة إلى الله؟
لا شكَّ أنَّ الجواب أن تُقدِّم العلم، لكن ليس معنى أن تُقدِّم العلم ألا تدعو إلى الله -عز وجل- فأيُّ علمٍ تعلَّمته ادعُ الآخرين إليه، فالذي يُنهى عنه طالب العلم هو أن يُفتي بغير علمٍ كما سيأتي -بإذن الله سبحانه وتعالى.
بالمناسبة: الصِّفات السَّابقة المُتقدمة تحدَّث عنها الإمامُ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في مُقدِّمة "الأصول الثلاثة" فقال: "اعلم أنَّه يجب على كلِّ مسلمٍ ومسلمةٍ تعلم أربع مسائل: العلم، والعمل به، والدَّعوة إليه، والصبر على الأذى فيه". ثم تلا قول الله -عز وجل: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ[سورة العصر]، قال الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى: "لو ما أنزل الله حُجَّة على خلقه إلا هذه السُّورة لكفتهم".
وقال الإمامُ ابن القيم -رحمه الله- في كتابه العظيم "الرسالة التَّبوكيَّة": "إنَّ مدار الكمال البشري على هذه الأمور الأربعة: على العلم، والعمل، والدَّعوة، والصبر على الأذى فيه". فالصبر نحن وضعناه لكم من ضمن القواعد التي يجب على طالب العلم أن يُراعيها.
الصِّفة الخامسة: ترك الذُّنوب: فمن أسوأ الأمور أن يكون طالبُ العلم مُقترفًا للمعاصي والذُّنوب؛ لأنَّ الذنوب والمعاصي تُمِيت القلوبَ.
قال الشاعر:
خَلِّ الذُّنُوبَ صَغيرَها *** وَكَبيرَها ذَاكَ التُّقَى

وَاصْنَعْ كَمَاشٍ فَوقَ أَرضِ *** الشَّوكِ يَحذَرُ مَا يَرى

لا تَحْقِرَنَّ صَغِيرَةً *** إِنَّ الجِبالَ مِنَ الحَصى
فالذُّنوب تتراكم على قلب صاحبها كما قال الله -عز وجل: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين: 14]، ولا يزال الإنسانُ بالذُّنوب والمعاصي يُتابعها حتى تصده عن هذا العلم الشرعي.
يقول الإمامُ ابن تيمية -رحمه الله تعالى- وهو يتحدث عن هذا: "ومما يُعاقِب الله -عز وجل- عليه بالذُّنوب والمعاصي حِرمان العلم، كما قال -سبحانه وتعالى: ﴿قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ [النساء: 155]، وقوله -سبحانه وتعالى: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا [البقرة: 10]، فالذُّنوب والمعاصي يُحرَم بها صاحبها من العلم".
وكما قال الشافعي -رحمه الله:
شَكَوْتُ إِلَى وَكِيعٍ سُوءَ حِفْظِي *** فَأَرْشَدَنِي إِلَى تَرْكِ المَعَاصِي

وَقَالَ اعْلَمْ بِأَنَّ العِلـْمَ نُورٌ *** وَنُورُ اللهِ لا يُؤتَاهُ عاصِ
فإذا رأيت العالم ورأيت حافظ القرآن فاعلم أنَّ ذنوبه أقلُّ من غيره؛ لأنَّ الله -عز وجل- لن يستودع دينَه في قلبٍ مُظلمٍ بالذنوب والمعاصي، فمَن أظلم قلبُه بالذُّنوب والمعاصي فلن يُنير القرآنُ في قلبه، ولن يُنير في حياته، ولن يكون لكلامه أثرٌ، ولا لقوله أثرٌ، نسأل الله -عز وجل- بمنِّه وكرمه السَّلامة والعافية.


للمشاركة عبر الفيس بوك
__________________
[align=center]

[/align]
رد مع اقتباس