عرض مشاركة واحدة
  #14  
قديم 09-27-2016, 08:46 PM
الصورة الرمزية مصطفى طالب مصطفى
مصطفى طالب مصطفى مصطفى طالب مصطفى غير متواجد حالياً
الإدارة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 1,072
مصطفى طالب مصطفى is on a distinguished road
Post رد: تسهيل دورة البناء العلمي

بسم الله الرحمن الرحيم






‫#‏الدرس‬ [13]




بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.




أيها الإخوة والأخوات، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.




وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم بمنِّه وكرمه أن يجعلنا وإيَّاكم ممن إذا أُعطِيَ شكر، وإذا ابتُلِيَ صبر، وإذا أذنب استغفر، فإنَّ هذه الثلاث عنوان السعادة . اللهم آمين .




لا زلنا نتحدث في هذه الدروس عن (البناء العلمي)، والذي من خلاله نريد أن نجمع بين أمرين:




- بين آدابٍ يجب على طالب العلم أن يُراعيها.

- وبين أسسٍ يجب على طالب العلم أن يسير عليها.




تحدَّثنا في الدرس الماضي عن مجموعةٍ من الآداب المُهمة التي يجب على طالب العلم أن يتحلَّى بها، وذكرنا لكم أنَّ طالب العلم يجب أن يكون مُتميزًا عن غيره، وهذا التَّميز ليس لأجل أمرٍ من أمور الدنيا لديه، ولكن صيانةً للعلم الذي شرَّفه الله -عز وجل- به، فيجب عليه أن يصون هذا العلمَ وأن يحفظه.




وكما ذكر ابنُ مسعودٍ -رضي الله عنه- حينما قال: "ينبغي لحامل القرآن أن يُعرَف بليله إذا الناسُ نِيام، وبنهاره إذا الناس مُفطِرون".




أمَّا إذا أصبحت بين الناس لا تُميز طالب العلم ولا العالم عن غيره، فإنَّ العلم لم يكن ولم يعد له أثرٌ في حياة طالب العلم.




ذكرنا لكم مجموعةً من الآداب، والآن نتواصل في بقية هذه الآداب:




• من هذه الآداب: ظهور أثر العلم:




فلابُدَّ أن يكون للعلم أثرٌ، فأنت حفظتَ القرآن؛ فأين خشوعك؟ وأين حضور قلبك؟ وأين خوفك من الله؟ وحينما تقرأ آيات الوعيد، أين بكاؤك؟ وأين رجاؤك؟




إذن لابُدَّ أن تختلف عن غيرك، يقولون أنَّ أم سفيان الثوري -رحمها الله، ورحم سفيان الثَّوري- قالت له: "يا بني، اذهب فتعلم العلم وأَعُولُك بمغزلي هذا، فإن وجدتَ في نفسك أثرًا فأكمل، وإلا فلا تتعنَّى". فإذا لم تجد فائدةً ولم تجد ثمرةً؛ فلا تتعنَّى في طلب العلم.




يقولون: أتى القاسمُ بن منيع إلى الإمام أحمد -رحمه الله- فقال: "يا إمام، أريد أن أطلب العلم على يد سُويد بن سعيد، فأُريدك أن تكتب لي كتابًا". وهذا مثل التَّزكية في زمننا، فكتب الإمامُ أحمد: "حاملها رجلٌ يكتب الحديث". فقال: "يا إمام، أُريدك أن تكتب: هو من أصحاب الحديث". فقال: "صاحب الحديث الذي يستعمله، وأنا لا أعرف هذا الأمر عنك".




إذن لابُدَّ أن يكون للعلم أثرٌ في حياة طالب العلم.




يقول الحسن -رحمه الله: "قد كان الرجلُ يطلب العلمَ فلا يلبث أن يُرى أثر العلم في سَمْته، وفي خشوعه، وفي لسانه، وفي هديه، وفي خوفه من الله -سبحانه وتعالى". وهذا معنى قولهم :"طلبنا العلمَ لغير الله فأبى العلمُ إلا أن يكون لله".




فالعلم الصحيح والعلم النافع هو الذي يدلُّ صاحبه على تقوى الله وطاعته.




• أيضًا من الآداب: أن يكون طالبُ العلم صادقًا:




والصدق أعني به هنا: الصِّدق في القول، فهو لابُدَّ أن يكون صادقًا في عمله، وفي حياته، وفي معاني الصِّدق المختلفة. لكن المراد بالصدق هنا: الصِّدق في القول؛ لأنَّه إذا طلب العلمَ يريد بعد هذا الطلب أن يُبلِّغه للناس، وحينما يُعرَف طالبُ العلم بالصدق؛ فإنَّ ذلك يكون له الأثر في القبول عند الناس.




والنبيُّ -عليه الصلاة والسلام- حينما دعا الناس؛ لم يكن لأحدٍ من المُشركين مَطْعَنٌ فيه؛ بل كانوا يقولون عنه: الصَّادق الأمين -عليه أفضل الصلاة وأتمُّ السلام.




• من الآداب أيضًا: التواضع:




يقول الله تعالى في كتابه: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ [الفرقان: 63]، فيجب على طالب العلم أن يكون من أكثر الناس تواضُعًا، وإلا فإنَّه يستجلب سخطَ الله، يقول -صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ قَدْ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا، وَلَا يَبْغِي أَحَدُكُمْ عَلَى أَحَدٍ».




وكما قال الأول:




تَوَاضَعْ تَكُنْ كَالنَّجْمِ لَاحَ لِنَاظِرٍ *** عَلَى طَبَقَاتِ المَاءِ وَهْوَ رَفِيعُ




وَلَا تَكُ كَالدُّخَانِ يَعْلُـو بِنَفْسِهِ *** عَلَى طَبَقَاتِ الجَـوِّ وَهْـوَ وَضِيعُ



فطالب العلم يجب أن يحمل هذا الخُلقَ العظيم، وهو خُلُق التَّواضُع.




فأولًا يجب على طالب العلم أن يتواضع لله، وأن يذلَّ وينكسِر بين يدي ربِّه ومولاه -سبحانه وتعالى- لأنَّه:




إِذَا لَمْ يَكُنْ عَوْنٌ مِنَ اللهِ لِلْفَتَى *** فَأَوَّلُ مَا يَقْضِي عَلَيْهِ اجْتِهَادُهُ



والإمام ابن تيمية -رحمه الله- كان يذهب في بعض القُرى فيُعَفِّر جبينه ووجهه في التُّراب؛ ليكسر الكبرَ والتَّعالي الذي قد يأتي إلى النفس، ويقول:




أَنَا المُكَدِّي وَابْنُ المُكَدِّي *** وَكَذَا كَانَ أَبِي وَجَدِّي



وكان يقول: "ما لي شيءٌ، ولا مني شيءٌ، ولا فيَّ شيءٌ"، وهذا التَّواضُع أكسبه الله -عز وجل- به رفعةً إلى يومنا هذا، فمَن منَّا لا يعرف ابن تيمية؟ ومَن منَّا ليس عيالًا على كتب ابن تيمية -رحمه الله تعالى؟ فما أجمل أن تتواضع لله، وأن تنكسر بين يدي ربك ومولاك.




فإذا استشعر طالبُ العلم هذا الذُّلَّ وهذا الفقرَ وهذه الحاجة في نفسه؛ فسيكون ذلك -بإذن الله عز وجل- عونًا له على وصوله لغايته وبغيته.




وابن القيم -رحمه الله- له كتابٌ نفيسٌ جدًّا اسمه "طريق الهِجرتين" تحدَّث فيه عن هذه المعاني العظيمة التي يجب على طالب العلم أن يسكبها في قلبه.




أيضًا من الآداب: التواضع للحقِّ: فإذا قلت قولًا وتبيَّن لك خطؤُه؛ فليس عيبًا أن تخرج للناس وتقول: إنَّ هذا خطأ. بل هذا من تفوق العالم، ومن خوفه من الله -سبحانه وتعالى.




والفُضَيل بن عِياض قيل له: ما هو التَّواضع؟ قال: "يخضع للحقِّ، وينقاد إليه، ويقبله ممن كان".




ترى بعض الناس يقول: أنا لا أقبل إلا من فلان. لا، أقبل الحقَّ ممن كان.




وإذا كان أبو هريرة -رضي الله عنه- استفاد الحقَّ من إبليس حينما أخبره بآية الكرسي، فكيف لا تستفيد الحقَّ من مسلمٍ قد يكون أقلّ شأنًا منك؟!




وابن شُبْرُمَة قال في مسألةٍ بقولٍ جانبٍ فيه الصواب، فقال له نوح بن درَّاجٍ: لقد جانبت الصواب، الحقُّ فيها كذا. فقال: صدقت. ثم قال:




كَادَتْ تَزِلّ بِنَا مِنْ حَالِقٍ قَدَمٌ *** لَولَا تَدَارَكَهَا نُوحُ بْنُ دَرَّاجِ



الحالق: هو الجبل الشامخ.






نكتفي بهذا القدر, وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى







__________________
[align=center]

[/align]
رد مع اقتباس