عرض مشاركة واحدة
  #15  
قديم 09-27-2016, 08:57 PM
الصورة الرمزية مصطفى طالب مصطفى
مصطفى طالب مصطفى مصطفى طالب مصطفى غير متواجد حالياً
الإدارة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 1,072
مصطفى طالب مصطفى is on a distinguished road
افتراضي رد: تسهيل دورة البناء العلمي

بسم الله الرحمن الرحيم



#الدرس 14




الحمد لله ربِّ العالمين، الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على عبده المُصطفى، وآله وأصحابه ومَن اقتفى، وسلَّم تسليمًا كثيرًا مزيدًا إلى يوم الدين.




أمَّا بعد:




أيُّها الإخوة والأخوات، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وأسأل الله -عز وجل- أن يملأ حياتنا بالإيمان، وأن يُسعد أرواحنا بالقرآن، وأن يجعلنا من أتباع المصطفى -عليه أفضل الصلاة وأتمُّ السلام.




لا زلنا نتحدث في هذه الدروس عن (البناء العلمي)، والذي من خلاله نريد أن نجمع بين أمرين:




- بين آدابٍ يجب على طالب العلم أن يُراعيها.




- وبين أسسٍ يجب على طالب العلم أن يسير عليها.




تحدَّثنا في الدروس الماضية عن مجموعةٍ من الآداب المُهمة التي يجب على طالب العلم أن يتحلَّى بها، وذكرنا لكم أنَّ طالب العلم يجب أن يكون مُتميزًا عن غيره، وهذا التَّميز ليس لأجل أمرٍ من أمور الدنيا لديه، ولكن صيانةً للعلم الذي شرَّفه الله -عز وجل- به، فيجب عليه أن يصون هذا العلمَ وأن يحفظه.




والآن سنستكمل هذه الآداب.




• نقاء السَّريرة:




أن يكون قلبُ العبد صافيًا، ليس فيه غلٌّ ولا حقدٌ ولا حسدٌ، فالقلب الذي يتآمر على الله، ويتآمر على رسوله، ويتآمر على المسلمين؛ لا يستحقُّ أن يكون طالبَ علمٍ.




ولهذا يقول أحد العلماء وهو سهل بن عبد الله -رحمه الله: "حرامٌ على قلبٍ أن يدخله النورُ وفيه شيءٌ مما يكرهه الله".




"وفيه شيءٌ مما يكرهه الله" أي فيه حسدٌ، أو فيه حقدٌ، أو فيه خَبِيئة سُوءٍ، وهي المعاصي التي تحدث في الخَلَوات، والتي يفضحها الله -عز وجل- على رؤوس الأشهاد.




وَمَهْمَا تَكُنْ عِنْدَ امْرِئٍ مِنْ خَلِيقَةٍ *** وَإِنْ خَالَها تَخْفَى عَلَى النَّاسِ تُعْلَمِ




إذن حرامٌ على قلبٍ أن يدخله النورُ؛ وفيه شيءٌ مما يكرهه الله.




وقديمًا قالوا: "إذا عَلِقَ القلبُ فهو كالرَّهْنِ إذا أُغْلِقَ". فإذا علِقَ القلبُ بالذُّنوب والمعاصي أُغْلِقَ، مثل الرَّهن الذي يُغلَق على صاحبه.




ومن أعظم الأشياء التي يجب على طالب العلم أن يتجنَّبها: الحسد.




أيُعْقَل أن نتحدث عن الحسد ونحن نتحدث عن طلب العلم؟!




نعم؛ لأنَّ التنافس أحيانًا إذا لم يكن لله -عز وجل- يُولِّد العداوة، ويُولِّد الحسد، وحينما يتنافس اثنان تجد أنَّ بينهما من العداوة والحسد ما لا يعلم به إلا الله، وسيأتي معنا -بإذن الله عز وجل- حديثٌ عن هذا الأمر.




إذن يجب على طالب أن يُجنِّب قلبَه الحسد، قال معاوية -رضي الله عنه: "كلُّ الناس أقدر على إرضائه؛ إلا صاحب حسدٍ لا يُرضيه إلا زوال النِّعمة".




وقديمًا قالوا:




كُلُّ الْعَدَاوَاتِ قَدْ تُرْجَى إِمَاتَتُهَا *** إِلا عَدَاوَةُ مَنْ عَادَاكَ بِالحَسَدِ




وابن تيمية -رحمه الله- يقول: "ما يخلو جسدٌ من حسدٍ، لكن الكريم يُخْفِيه، واللَّئِيم يُظهره".







• أيضًا من الآداب: تجنُّب مجالس السُّفهاء:




فاعلم يا طالب العلم أنَّ الناس ينظرون إليك وأنت تحمل القرآن والسُّنة، فيجب أن تترفع عن مجالس السُّفهاء، وألا تكون في مجالس السُّفهاء، ولهذا كان العلماءُ ينهون عن أن يكون طالبُ العلم في "الهُوشات"، وهي الأماكن التي يحدث فيها خلافٌ وقيل وقال.




ومن هذا ما وقع لنصر بن علي الجَهْضَمِي، فكان له جارٌ طُفيلي، فإذا دُعِيَ نصر بن علي الجهضمي إلى مناسبةٍ أو إلى وليمةٍ ركب لركوبه، فالناس تُكرمه لإكرام الجَهْضَمي، فيومًا دعاه والي البصرة جعفر بن سليمان، فقال الجَهْضَمي: والله لئن أتى معي لأفضحنَّه هذه المرة. فلما ركب ليذهب لجعفر بن سليمان؛ ركب الطُّفيلي، فدخل إلى دار الأمير، وأُكرِمَ لإكرام الجهضمي، فقال وهو يجلس مع الأمير على مائدة الطَّعام: أيُّها الأمير، حدَّثنا دُرُسْت بن زياد قال: أخبرنا أبان قال: أخبرنا نافع عن ابن عمر -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم: «مَنْ مَشَى إِلَى طَعَامٍ لَمْ يُدْعَ إِلَيهِ دَخَلَ سَارِقًا، وَخَرَجَ مُغِيرًا». هو يقصد مَنْ؟ يقصد الطُّفيلي، لكن الطُّفيلي -وهو طفيلي تجد لديه من العلم ما ليس لدى البعض الآن- نظر إلى الجهضمي وقال: والله لقد استحييتُ من كلامك يا أبا عمرو، والله ما في هذا المجلس أحدٌ إلا ويظنّك تعنيه بهذا الكلام -فأخرج نفسه من القضية.




قال: لا يوجد أحدٌ في هذا المجلس إلا ويظنّك تعنيه بهذا الكلام، ولكن أين أنت من هذا الحديث: حدَّثنا فلان عن فلان قال -صلى الله عليه وسلم: «طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الِاثْنَينِ، وَطَعَامُ الِاثْنَينِ يَكْفِي الأَرْبَعَةَ». قال: فطأطأتُ برأسي واستحييتُ، فلمَّا خرجنا التفتُّ إليه فقال: أوتظنني أتركها؟!




وَمَن ظَنَّ مِمَّن يُلَاقِي الحُرُوبَ *** بِأَلا يُصَابَ فَقَدْ ظَنَّ عَجْزًا




فنصر بن علي الجهضمي أوقع نفسَه في هذا المأزق مع هذا الطُّفيلي السَّفيه الذي أحرجه أمام الأمير وأمام الناس.




إذن يجب على طالب العلم أن يتجنَّب مجالسة السُّفهاء، وليبتعد عنهم قدر الإمكان، وأن يُصاحِب مَن يستزيد منه علمًا وأدبًا وخُلُقًا، وأن يكون في أخلاقه وفي حياته على وَفْقِ سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم.







• من الأدب كذلك: التَّوازُن:




والتَّوازن في حياة طالب العلم مُهمٌّ جدًّا، كالتَّوازن في تلقِّيك للعلم، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لِبَدَنِكَ عَلَيكَ حَقًّا، وَلِرَبِّكَ عَلَيكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ».




فتحتاج إلى التوازن في الطلب، وتحتاج إلى التوازن في التَّعامل، وتحتاج إلى التوازن في المشاعر. فهذه ثلاثة أشياء:




- توازن في طلب العلم، فلا تطلب العلمَ وتُهمِل نفسَك، أو تُهْمِل أهل بيتك، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- هو إمام الأوَّلين والآخرين، وكان مُتزوِّجًا، وله أسرةٌ، وله بناتٌ، وكان -عليه الصلاة والسلام- قادرًا على أن يجمع بين هذه الأمور جميعًا.




- والتَّوازن في التَّعامل مع الناس.




- وكذلك التَّوازن في المشاعر، وقد جاء في الأثر: "إذا أحببتَ حَبيبَك يومًا ما فأَحْببه هونًا ما؛ عسى أن يكون بَغِيضَك يومًا ما، وإذا أَبْغَضتَ بغيضَك يومًا ما فأبغِضْه هونًا ما؛ عسى أن يكون حبيبك يومًا ما".




والنبي -عليه الصلاة والسلام- كان يُحب في الزِّيارة أن تكون مُتفرقةً وليست مُتواصلةً؛ حتى يكون هناك توازنٌ في الناس، فالإقبال مشكلة، والإعراض مشكلة، وتذكرون أننا تحدَّثنا عن وصية الشافعي ليونس، حيث قال له: "يا يونس، لا تنقبض عن الناس فتكسب عداوتهم، ولا تنبسط فتجلب قُرناء السُّوء". فإذا انبسط الإنسانُ مع الناس وبدأ بالدُّعابة والمِزَاح؛ يجتمع قُرناء السُّوء، "ولكن كن بين الانقباض والانبساط".




نكتفي بهذا القدر, وإلى لقاء قادم إن شاء الله.

__________________
[align=center]

[/align]
رد مع اقتباس