عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 08-24-2015, 09:56 PM
الصورة الرمزية مصطفى طالب مصطفى
مصطفى طالب مصطفى مصطفى طالب مصطفى غير متواجد حالياً
الإدارة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 1,072
مصطفى طالب مصطفى is on a distinguished road
افتراضي

الركن الخامس : الإيمان باليوم الآخر

6 -
الجنة

الجنة هي دار النعيم التي أعدها الله تعالى في الآخرة للمؤمنين..
قال تعالى: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ}[آل عمران(185)].
وفي الجنة أنهار جارية، وغرف عالية، وأزواج حسان، وفيها ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين؛ مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وريحها يوجد من مسيرة أربعين عاما، وأعظم نعيمها رؤية المؤمنين لربهم عيانا..
وفي الجنة مائة درجة بين كل درجة وأخرى كما بين السماء والأرض، وأعلى الجنة الفردوس الأعلى، وسقفه عرش الرحمن، ولها ثمانية أبواب؛ ما بين جانبي كل باب كما بين مكة وهجر -الأحساء- وأدنى أهل الجنة منزلة له مثل الدنيا وعشرة أمثالها.
ونعيم الجنة لا ينفد ولا يزول، بل هو دائم بلا انقطاع، وأهلها خالدون فيها أبدا، قال تعالى: {جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}[البينة(8)].
وللجنة لها ثمانية أبواب منها: بَابِ الصَّلَاةِ وبَابِ الْجِهَادِ وبَابِ الرَّيَّانِ وبَابِ الصَّدَقَةِ.
ويدخلها أهلها مُتَمَاسِكِينَ آخِذٌ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلُهُمْ وَآخِرُهُمْ الْجَنَّةَ وَوُجُوهُهُمْ عَلَى ضَوْءِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ))[رواه البخاري].
لَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَمْتَخِطُونَ وَلَا يَتْفُلُونَ، أَمْشَاطُهُمْ الذَّهَبُ، وَرَشْحُهُمْ –أي عرقهم- الْمِسْكُ، وَأَزْوَاجُهُمْ الْحُورُ الْعِينُ، أَخْلَاقُهُمْ عَلَى خُلُقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي السَّمَاءِ))[رواه البخاري ومسلم].
وأقل أهل الجنة منزلة من له مِثْل مُلْكِ عشرة من مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا، كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة.
والجنة درجات متفاوتة، قال تعالى بعد أن ذكر بعض صفات المؤمنين: {أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال(4)].
والجنة ليست جنة واحدة، بل جنان عدة؛ كما أخبر بذلك القرآن في قوله تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}[الرحمن(46)].
وفي البخاري: أن أُمُّ حَارِثَةَ بْنِ سُرَاقَةَ رضي الله عنها أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَلَا تُحَدِّثُنِي عَنْ حَارِثَةَ وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ فَإِنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ صَبَرْتُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِي الْبُكَاءِ قَالَ يَا أُمَّ حَارِثَةَ إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الْجَنَّةِ وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الْأَعْلَى"[رواه البخاري ومسلم].
وأما بناءها فبناءها لبنة ذهب ولبنة فضة ، فيها غرف يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها للمؤمن فيها خيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلا، كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة.
وأنهارها خمسة: نهر الكوثر ونهر العسل ونهر اللبن ونهر الماء ونهر الخمر: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى}[محمد: 15].
وفي الجنة أشجار وظلال، قال تعالى: {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} [الرحمن: 48]. وقال: {وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ} [الواقعة: 30].
وطعام أهلها ما جاء في قول الملك العلام: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ}[سورة الواقعة 17-21].
ولباس أهلها الذهب والسُنْدُسٍ وَالإِسْتَبْرَقٍ.
وخدمهم غِلْمَانٌ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا} [الإنسان: 19] فإذا كان هذا هو حال الخدم في الحسن والجمال فما بالكم بحال أسياد الخدم؟!.
وأزواجهم الحور العين، قال تعالى: {كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ} [الدخان: 54]. {حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ}[الرحمن: 72]. {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ} [الرحمن: 56].
وقال تعالى: {إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا}[الواقعة: 35- 37].
وفي البخاري عن أنس رضي الله عنه: ".. وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى الْأَرْضِ َلَمَلَأَتْ مَا بَيْنَهُمَا رِيحًا ولَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا وَلَنَصِيفُهَا –أي خمارها على رأسها- خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا".
وإذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار جيء بالموت على هيئة كبش أملح بين الجنة والنار فينادى يا أهل الجنة أتعرفون هذا فيشرئبون فيقولون الموت ثم ينادى يا أهل النار أتعرفون هذا فيفرحون ثم يذبح فيزداد أهل الجنة فرحا إلى فرحهم فيزداد أهل النار حزناً على حزنهم وينادي منادي يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت كما في الحديث الذي رواه مسلم.
وأعظم النعيم من هذا كله رؤية الرب تبارك وتعالى؛ لأنّ أهل الجنّة لهم ميعاد مع الرب الرحيم، قال تعالى: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] وقال: {لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق: 35].
والمحروم من حرم رؤية الله: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15].
وليس هذا فحسب بل إنّهم سيرون ربهم عيانا بأبصارهم كما يرون القمر ليلة البدر لا يضامون في رؤيته فإذا دخلوا الجنة نادى المنادي يا أهل الجنة إنّ ربكم تعالى يستزيركم فحيَّ على زيارته فيقولون سمعا وطاعة وينهضون إلى الزيارة مبادرين فإذا النجائب قد أعدت لهم فيستون على ظهورها مسرعين حتى إذا انتهوا إلى الوادي الأفيح الذي جعل لهم موعداً وجمعوا هناك فلم يغادر الداعي منهم أحداً أمر الرب تبارك وتعالى بكرسيه فنصب هناك ثم نصبت لهم منابر من نور ومنابر من لؤلؤ ومنابر من زبرجد ومنابر من ذهب ومنابر من فضة ثم جلس أدناهم وليس فيهم دنيء على كثبان المسك ما يرون أصحاب الكراسي مثلهم في العطايا حتى إذا استقرت بهم مجالسهم واطمأنت بهم أماكنهم نادى المنادي يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه فيقولون ما هو؟ ألم يبيض وجوهنا ويثقل موازيننا ويدخلنا الجنة ويزحزحنا من النار فبينما هم كذلك إذ سطع لهم نور أشرقت لهم الجنة فرفعوا رؤوسهم فإذا الجبار جل جلاله وتقدست أسماؤه قد أشرق عليهم من فوقهم وقال يا أهل الجنة سلام عليكم فلا ترد التحية بأحسن من قولهم اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام فيتجلى لهم الرب ويضحك إليهم ويقول يا أهل الجنة فيكون أول ما يسمعون منه تعالى أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني؟ فهذا يوم المزيد فاسألوني فيجتمعون على كلمة واحدة: أرنا وجهك ننظر إليك، فيكشف لهم الرب جل جلاله الحجب، ويتجلى لهم، فيغشاهم من نوره ما لولا أنّ الله تعالى قضى أن لا يحترقوا لاحترقوا. ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلَّا حاضره ربه تعالى محاضره حتى إنّه ليقول: يا فلان أتذكر يوم فعلت كذا وكذا يذكره ببعض غدراته في الدنيا، فيقول: يا رب ألم تغفر لي؟ فيقول: بلى بمغفرتي بلغت منزلتك هذه.
7 -
النار

النار: هي دار العذاب التي أعدها الله تعالى في الآخرة للكافرين، وللعصاة الفاجرين، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} [غافر: 6].
ونار الآخرة ليست كنار الدنيا، بل هي نار عظيمة؛ فقد جاء في الحديث الصحيح: ((ناركم هذه جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم))[رواه البخاري ومسلم].
وقال صلى الله عليه وسلم: (يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها" رواه مسلم. نعوذ بالله من النار ومما يقرب إليها من قول وعمل.
وطعام أهل النار "الضريع" وهو شجر قد بلغ غاية الحرارة والمرارة، وقبح الرائحة وهو الزقوم، أو غيره، وكذا الغسلين وهو صديد أهل النار، نعوذ بوجه الله منها.
وشرابهم "الحميم" الذي بلغ غاية الحرارة إذا قرب من وجوههم شواها، فإذا شربوه قطع أمعاءهم: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ} والمهل رديء الزيت: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد: 15].
ولباس أهلها القطران والحديد ولهم ثياب من نار نعوذ بالله من النار ومما يقرب إليها.
ومكان النار الأرض السابعة السفلى في سجين أسفل مكان وأضيقه ، نعوذ بوجه الله منها ومما يقرب إليها.
والنار لها سبعة أبواب، وهذه الأبواب مغلقة على أهلها؛ كما قال تعالى: {عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ}[البلد 20].
وهي مغلقة قبل دخول أهلها إليها: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} في وجوههم.
وهي سوداء، وأهلها سود، وكل شيء فيها أسود، وقد دل على سواد أهلها قوله تعالى: {كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [يونس: 27]. وقوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}[آل عمران 106].
وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن من عصاة الموحدين من يخترق في النار حتى يصير فحما.
وهي دركات متفاوتة في العذاب، ولها سبعة أبواب، لكل باب منهم جزء مقسوم، وخزنتها ملائكة غلاظ شداد، ولا تسأم ممن يوضع فيها، ويقذف في قعرها، بل إنها تقول: هل من مزيد؟
وهي مخلوقة موجودة الآن، أعدها الله سبحانه للكافرين، وعذابها دائم لا ينقطع، وأهلها الكافرون خالدون فيها أبدا، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا }[الأحزاب: 64- 65].
وأما العصاة المذنبون من أهل الإيمان، فإنهم يعذبون فيها ثم يخرجون منها برحمة أرحم الراحمين ابتداء، ثم بشفاعة من يأذن الله له من الشافعين، فقد قال عليه الصلاة والسلام: ((يدخل الله أهل الجنة الجنة، يدخل من يشاء برحمته، ويدخل أهل النار النار، ثم يقول: انظروا من وجدتم في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجوه، فيخرجون منها حمما قد امتحشوا، فيلقون في نهر الحياة، أو الحيا، فينبتون فيه كما تنبت الحبة إلى جانب السيل))[رواه البخاري ومسلم].



الركن السادس : الإيمان بالقدر خيره وشره

1 -
مقدمة

الإيمان بالقدر خيره وشره ركن من أركان الإيمان لا يصح إيمان المؤمن إلا به والآيات والاحاديث التي تدل على القدر في القرآن الكريم والسنة النبوية كثيرة منها قول الله تعالى: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا}(سورة الأحزاب 38) وقال تعالى: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا}(سورة الأحزاب 37) وقال تعالى: {لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً}(سورة الأنفال 44). وقال تعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}(سورة التغابن 11). وقال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ}(سورة آل عمران 166) وقال تعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}(سورة البقرة 156-157). وغير ذلك من الآيات، وفي حديث عمر الطويل عندما سأل جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان: ((أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره))[رواه مسلم]. وقال صلى الله عليه وسلم: ((وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك))[رواه أحمد وصححه الألباني]. وقال صلى الله عليه وسلم: ((وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت لكان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل))[رواه مسلم] .
2 -
حقيقة الإيمان بالقدر ومراتبه ووجوب ذلك

القدر تقدير الله تعالى للكائنات حسبما سبق به علمه واقتضته حكمته، وحقيقة الإيمان به التصديق الجازم بأن كل خير وشر فهو بقضاء الله وقدره، وأنه الفعال لما يريد، لا يكون شيء إلا بإرادته، ولا يخرج شيء عن مشيئته، وليس في العالم شيء يخرج عن تقديره، ولا يصدر إلا عن تدبيره، ولا محيد لأحد عن القدر والمقدور، ولا يتجاوز ما خط في اللوح المسطور، وأنه خالق أفعال العباد والطاعات والمعاصي، ومع ذلك فقد أمر العباد ونهاهم، وجعلهم مختارين لأفعالهم غير مجبورين عليها بل هي واقعة بحسب قدرتهم وإرادتهم، والله خالقهم وخالق قدرتهم، يهدي من يشاء برحمته ويضل من يشاء بحكمته، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون. [مختصر الأسئلة والأجوبة الأصولية على العقيدة الواسطية (ص: 22-23)]
وللإيمان بالقدر مراتب أربع:
المرتبة الأولى: الإيمان بأن الله تعالى قد علم بعلمه الأزلي الأبدي ما كان وما يكون من صغير وكبير، وظاهر وباطن مما يكون من أفعاله، أو أفعال مخلوقاته.
المرتبة الثانية: الإيمان بأن الله تعالى كتب في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة، فما من شيء كان أو يكون إلا وهو مكتوب مقدر قبل أن يكون.
ودليل هاتين المرتبتين في كتاب الله تعالى، وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم:
-
أما الكتاب: فمنه قوله تعالى: { {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}(سورة الحـج 70). وقوله: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}(سورة الأنعام 59).
-
وأما السنة: فمنها قوله صلى الله عليه وسلم: ((كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء )). أخرجه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
وروى البخاري في صحيحه من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السموات والأرض، وكتب في الذكر كل شيء)).
وروى أبو داود من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن أول ما خلق الله القلم فقال: اكتب. قال: رب وما أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة))[رواه أبو داود وصححه الألباني].
المرتبة الثالثة: الإيمان بمشيئة الله تعالى وأنها عامة في كل شيء، فما وجُد موجود، ولا عُدم معدوم من صغير وكبير، وظاهر وباطن في السموات والأرض إلا بمشيئة الله عز وجل.
المرتبة الرابعة: الإيمان بخلق الله تعالى وأنه خالق كل شيء من صغير وكبير، وظاهر وباطن، وأن خلقه شامل لأعيان هذه المخلوقات وصفاتها وما يصدر عنها من أقوال، وأفعال، وآثار.
ودليل هاتين المرتبتين قوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}(سورة الزمر 62-63). وقوله: {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا}(سورة الفرقان 2). وقوله: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}(سورة الصافات 96).
ولم يخلق شيئاً إلا بمشيئته؛ لأنه تعالى لا مكره له؛ لكمال ملكه وتمام سلطانه، قال الله تعالى مبيناً أن فعله بمشيئته: {وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء}(سورة إبراهيم 27). وقال: {اللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاء وَيَقَدِرُ}(سورة الرعد 26) وقال مبيناً أن فعل مخلوقاته بمشيئته: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}(سورة التكوير 28-29). وقال: {وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ}(سورة البقرة 253). [تقريب التدمرية (ص: 95-97)].
3 -
وسطية أهل السنة ف الإيمان بالقدر

تظهر وسطية أهل السنة في كل الأمور العقدية التي خالف فيها أصحاب الأهواء والبدع ومنها: قضية الإيمان بالقدر فإن قضية القدر من المسائل الشائكة التي يجب فيها التسليم والرضى.
ومذهب أهل السنة: أن القدر سر الله تعالى، وأن الواجب على المسلم الإيمان به دون تعمق لما وراء الأدلة، وترك الاحتجاج به على فعل المعاصي، والإيمان بتقدير الله تعالى لكل الأمور بمشيئته، وأن الله هو الخالق لكل شيء بما فيها أفعال العباد، ولكنها لا تسمى فعل الله بل هي أفعال العباد، والله هو الذي أقدرهم على فعلها ولو شاء لما فعلوها كما قال تعالى: {وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ}(سورة البقرة 253). وهي مشيئته الكونية العامة، وأهل السنة توسطوا في ذلك فأثبتوا مشيئة الله الكونية والشرعية وقدرة الله على كل شيء، وأن الله هو الخالق للعباد وأفعالِهِم، والعبادُ فاعلون حقيقة ولهم قدرة على أعمالهم، والله خالقهم وخالق أعمالهم وقدراتهم كما قال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}(سورة الصافات 96). وأثبتوا أن العبد له قدرة ومشيئة لا تخرج عن مشيئة الله تعالى وقدرته كما قال سبحانه: {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}(سورة التكوير 29).
4 -
شبهة الإحتجاج بالقدر ع المعصية والرد ع ذلك
-----------------------------------------------------
اعلم أخي المسلم رحمك الله أن الإيمان بالقدر لا يمنح العاصي حجة على ما ترك من الواجبات، أو فَعَلَ من المعاصي باتفاق المسلمين والعقلاء .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ : "وليس لأحد أن يحتج بالقدر على الذنب باتفاق المسلمين وسائر أهل الملل وسائر العقلاء؛ فإن هذا لو كان مقبولا لأمكن كل أحد أن يفعل ما يخطر له من قتل النفوس وأخذ الأموال وسائر أنواع الفساد في الأرض ويحتج بالقدر، ونفس المحتج بالقدر إذا اعتدي عليه واحتج المعتدي بالقدر لم يقبل منه بل يتناقض وتناقض القول يدل على فساده؛ فالاحتجاج بالقدر معلوم الفساد في بدائه العقول"[مجموع الفتاوى (8/ 179)] لأنه لا حجة للعاصي على معصيته بقدر الله تعالى، لأن العاصي يقدم على المعصية باختياره من غير أن يعلم أن الله تعالى قدرها عليه، إذ لا يعلم أحد قدَرَ الله تعالى إلا بعد وقوع مقدوره: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا}(سورة لقمان 34). فكيف يصح الاحتجاج بحجة لا يعلمها المحتج بها حين إقدامه على ما اعتذر بها عنه؟
والرد على من احتج بالقدر في ترك الواجب أو فعل المعصية من وجوه سبعة:
الأول: قوله تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ} (148) سورة الأنعام }(سورة الأنعام 148). ولو كان لهم حجة بالقدر ما أذاقهم الله بأسه.
الثاني: قَوْلُهُ تَعَالَى: {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}(سورة النساء 165). ولو كان القدر حجة للمخالفين لم تقم الحجه بإرسال الرسل، لأن المخالفة بعد إرسالهم واقعة بقدر الله تعالى.
الثالث: ما رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما منكم من أحد إلا قد كتب مقعده من النار أو الجنة فقال رجل من القوم: ألا نتكل يارسول الله؟ قال لا أعملوا فكل ميسر، ثم قرأ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}(سورة الليل 5-10) وفي لفظ لمسلم: ((فكل ميسر لما خلق له)) فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالعمل ونهى عن الإتكال على القدر.
الرابع: أننا نرى الإنسان يحرص على ما يلائمه ثم يحتج على عدوله عنه بالقدر، فلماذا يعدل عما ينفعه في أمور دينه إلى ما يضره ثم يحتج بالقدر؟ أفليس شأن الأمرين واحداً؟
وإليك مثالاً يوضح ذلك: لو كان بين يدي الإنسان طريقان أحدهما ينتهى به إلى بلد كلها نظام، وأمن مستتب، وعيش رغيد، واحترام للنفوس والأعراض والأموال، فأي الطريقين يسلك؟ إنه سيسلك الطريق الثاني الذي ينتهي به إلى بلد النظام والأمن، ولا يمكن لأي عاقل أبداً أن يسلك طريق بلد الفوضى والخوف، ويحتج بالقدر، فلماذا يسلك في أمر الآخرة طريق النار دون الجنة ويحتج بالقدر؟
مثال آخر: نرى المريض يؤمر بالدواء فيشربه ونفسه لا تشتهيه، وينهى عن الطعام الذي يضره فيتركه ونفسه تشتهيه، كل ذلك طلباً للشفاء والسلامة، ولا يمكن أن يمتنع عن شرب الدواء أو يأكل الطعام الذي يضره ويحتج بالقدر فلماذا يترك الإنسان ما أمر الله ورسوله، أو يفعل ما نهى الله ورسوله ثم يحتج بالقدر؟
الخامس: أن المحتج بالقدر على ما تركه من الواجبات أو فعله من المعاصي، لو اعتدى عليه شخص فأخذ ماله أو أنتهك حرمته ثم أحتج بالقدر، وقال: لا تلمني فإن اعتدائي كان بقدر الله، لم يقبل حجته فكيف لا يقبل الإحتجاج بالقدر في اعتداء غيره عليه، ويحتج به لنفسه في إعتدائه على حق الله تعالى؟
ويذكر أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه رفع إليه سارق استحق القطع، فأمر بقطع يده فقال: مهلاً يا أمير المؤمنين، فإنما سرقت بقدر الله فقال: ونحن إنما نقطع بقدر الله.[شرح الأصول االثلاثة لابن عثيمين].
__________________
[align=center]

[/align]
رد مع اقتباس