الجنائز
1 - حال المسلم عند الإحتضار
يُسنُّ للمسلم أن يكثر من تذكُّر الموت، وأن يستعد لملاقاته بالمبادرة إلى التوبة والإقبال على الخير، ومجانبة الشر، خشية أن يفجأه؛ فيمتثل أوامر ربه ويجتنب نواهيه؛ وقد ثبت عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أَكْثرُوا مِنْ ذِكْرِ هَادِم اللَّذَّات)) يَعْنِي المَوْت [رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة، وصححه الألباني].
ويجب على المريض أن يرضى بقضاء الله ويصبر على مرضه ووجعه؛ لما وعد الله الصابرين من الأجر؛ قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10] وعليه أن يحسن الظن بربه، فذلك خير له.
وينبغي عليه أن يكون بين الخوف والرجاء، يخاف عقاب الله على ذنوبه، ويرجو رحمة ربه.
وإذا كان عليه حقوق فليؤدها إلى، أصحابها، إن تيسر له ذلك. وإلا أوصى بذلك، وعليه أن يستعجل بمثل هذه الوصية،
ويسن له إذا دخل المسلم على أخيه في هذه الحال أن يدعو له ويرقيه؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كَانَ يُعَوِّذُ بَعْضَ أَهْلِهِ يَمْسَحُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبْ الْبَاسَ، اشْفِهِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا) [رواه البخاري].
ويستحب لمن حضر عند المحتضر أن يلقنه قول: "لا إله إلا الله" مرة واحدة عند مرض موته؛ لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) [رواه مسلم].
ولا ينبغي له أن يزيد عن مرة واحدة، حتى لا يتسبب في ضجره وملله، إلا إذا تكلم المريض، فيعيد تلقينه لتكون آخر كلامه؛ كما في حديث معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ) [رواه أبو داود وأحمد، وصححه الألباني].
وعلى من حضر عند الميت، فعليه: تغميض عيني الميت ؛ لحديث أم سلمة قالت : (دَخَلَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبي سَلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ...) [رواه مسلم].
وأن يغطوا جسده بشيء يستره؛ حتى لا يكون عرضة للناظرين.
ولا بأس بتقبيل الميت والنظر إليه، ولو كان ذلك بعد تكفينه؛ لما ثبت عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهما: (أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَبَّلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مَيِّتٌ) [رواه البخاري].
2 - تغسيل الميت
وهو فرض كفاية، إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين.
وينبغي أن يراعى عند غسله الأمور الآتية:
أولاً: أن يتولى غسل الذكر الرجال، والأنثى النساء؛ إلا الزوجان فإنه يجوز لكل منهما أن يتولى غسل الآخر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((ما ضرك لو مت قبلي فغسلتك...))[رواه أحمد وابن ماجة والنسائي، وحسنه الألباني]. وغسلت أسماء بنت عميس زوجها أبا بكر الصديق [رواه مالك].
ثانياً: إذا كان الميت رجلاً بين نساء أجنبيات، أو امرأة بين رجال أجانب ، فإنه ييمم؛ فيضرب الميمم له التراب بيديه، ثم يمسح بهما وجهه وكفيه.
ثالثاً: أن يجرد الميت عند غسله من ثيابه، ويوضع عليه ما يستر عورته، ويجعل في مكان يستره عن أعين الناس.
رابعاً: يستحب للمغسل أن يلين مفاصل الميت إن سهل عليه ذلك، وإلا ترك ذلك إذا خشي أن تنكسر أعضاؤه.
خامساً: يرفع المغسل رأس الميت حتى يصل إلى هيئة قريبة من الجلوس، ويعصر بطنه برفق ليخرج ما به من الفضلات.
سادساً: يقوم المغسل بغسل عورة الميت؛ فيلف على يديه خرقة، أو يلبس قفازا يدلك به العورة، من غير أن يلمسها بيده مباشرة، أو ينظر إليها.
سابعاً: بعد غسل عورة الميت، يسمي الغاسل ويوضئ الميت؛ كوضوء الصلاة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمن غسل ابنته زينب: (ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها))[رواه البخاري ومسلم].
ثامناً: يجتنب إدخال الماء إلى أنف الميت وفمه، ولكن يلف أصبعه بخرقة مبلولة ينظف بها أسنانه ومنخريه..
تاسعاً: يجعل المغسل في الماء شيئاً من السدر -أو شيئا من المنظفات- لغسل الميت، فيبدأ بغسل رأسه ولحيته ثلاث مرات.
عاشراً: يقوم بغسل جسد الميت بدءاً بالجنب الأيمن؛ فيجعل شقه الأيسر، ويغسل جنبه الأيمن من الأمام والخلف، ثم يجعل على شقه الأيمن، ويغسل الجنب الأيسر من الأمام والخلف..
الحادي عشر: يستحب أن يعيد المغسل غسل جسد الميت ثلاثا، وله أن يزيد عن ثلاث إذا احتاج إلى ذلك، ولو بلغ سبع مرات، أو أكثر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمن غسل ابنته: (اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً، أو أكثر من ذلك إذا رأيتن ذلك))[رواه البخاري ومسلم].
الثاني عشر: إذا خرج شيء من القذر من الميت بعد الغسل، فينظف الموضع الذي خرج منه القذر، ثم يحشى بقطن، ثم يوضأ الميت كوضوء الصلاة. أما إذا خرج شيء بعد تكفينه، فلا يعاد غسله..
الثالث عشر: يسن للغاسل أن يجعل في الغسلة الأخيرة كافوراً أو شيئاً من الطيب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمن غسل ابنته: (( اجعلن في الغسلة الأخيرة كافورا، أو شيئا من كافور))[رواه البخاري ومسلم] والكافور: طيب بارد تطرد رائحته الحشرات.
أما إذا كان المميت محرماً، فلا يطيب لا في جسده ولا في كفنه.
الرابع عشر: إذا كان الميت رجلاً فلا يستحب تسريح شعره، أو تقليم أظفاره، أو حلق عانته، أو نتف إبطه، أما المرأة فيجعل شعرها بعد الانتهاء من الغسل ثلاث ضفائر، ويجعل وراء ظهرها.
الخامس عشر: السقط -وهو الجنين الذي سقط من بطن أمه قبل تمامه- إذا لم يبلغ أربعة أشهر ولم يتبين خلقه، فإنه لا يغسل، ولا يصلى عليه، وإنما يلف في خرقة ويدفن، فإذا بلغ أربعة أشهر أو أكثر؛ فإنه يغسل ويصلى عليه؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "والسقط يصلى عليه، ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة) [رواه أبو داود، وأحمد وصححه الألباني].
السادس عشر: وينبغي على من تولى غسله أن يفعل ذلك مبتغيا به وجه الله، لا يريد جزاءاً ولا شكوراً، ويجب عليه أن يستر عليه، ولا يحدث بما قد يرى من المكروه.
3 - تكفين الميت
بعد الفراغ من غسل الميت، يجب تكفينه؛ وذلك فرض كفاية، إذا قام به البعض سقط على الباقين، لقوله صلى الله عليه وسلم في المحرم: ((كفنوه في ثوبيه))[رواه البخاري ومسلم].
ونفقات التكفين ومؤنة التجهيز؛ من حمل للمقبرة ودفن ونحوه، من تركة الميت، أي من ماله الخاص فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته في حال الحياة، فإن لم يوجد أحد ممن تلزمه نفقة الميت، فنفقة تكفينه وتجهيزه من بيت مال المسلمين إن وجد، وإلا فعلى جماعة المسلمين المستطيعين.
وينبغي أن يكون الكفن طائلاً سابغاً يستر جميع بدن الميت؛ لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوماً فذكر رجلاً من أصحابه قبض فكفن في كفن غير طائل، وقبر ليلاً فزجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبر الرجل بالليل حتى يُصلى عليه، إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه))[رواه مسلم]. وزيادة عند أحمد: ((إن استطاع)).
والمراد بإحسان الكفن نظافته وكثافته وستره وتوسطه، وليس المراد به السرف فيه والمغالاة ونفاسته.
ويستحب أن يكون أبيضاً ؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((البسوا من ثيابكم البياض، فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم))[رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني].
ومقدار الكفن الواجب ثوب يستر جميع الميت، إلا المحرم فإنه يستر جميع بدنه إلا رأسه، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينما رجل واقف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة إذ وقع عن راحلته فوقصته، أو قال: فأوقصته فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبين، ولا تمسوه طيباً، ولا تخمروا رأسه، ولا تحنطوه، فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبياً))[رواه البخاري].
ويستحب تكفين الرجل في ثلاث لفائف؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سَحُولية جُدَد يمانية ليس فيها قميص ولا عمامة"[رواه البخاري ومسلم].
والسنة أن يكفن الرجل في ثلاثة أثواب بيض، كما كفن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، وإن كفن في ثوب واحد واسع يعمه ويستره كفى، أما المرأة فالأفضل تكفينها في خمسة أثواب: إزار، وخمار، وقميص، ولفافتين، فهذا هو الأفضل كما ذكره أهل العلم، وإن كفنت في أقل من ذلك فلا بأس.
ويستحب تطييب الأكفان بالبخور أو العطور ثلاثاً، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أجمرتم الميت فأجمروه ثلاثاً))[رواه أحمد، وصححه الألباني].
ويتم تكفين الرجل بأن تبسط اللفائف الثلاث بعضها فوق بعض, ثم يؤتى بالميت مستورًا وجوباً بثوب ونحوه، ويوضع فوق اللفائف مستلقياً, ثم يؤتى بالحنوط وهو الطيب ويجعل منه في قطن بين أليتي الميت, ويشد فوقه خرقة, ثم يجعل باقي القطن المطيب على عينيه ومنخريه وفمه وأذنيه وعلى مواضع سجوده: جبهته, وأنفه, ويديه, وركبتيه, وأطراف قدميه, ومغابن البدن: الإبطين, وطي الركبتين وسرته, ويجعل من الطيب بين الأكفان وفي رأس الميت, ثم يرد طرف اللفافة العليا من الجانب الأيسر على شقه الأيمن, ثم طرفها الأيمن على شقه الأيسر, ثم الثانية كذلك، ثم الثالثة كذلك, ويكون الفاضل من طول اللفائف عند رأسه أكثر مما عند رجليه, ثم يجمع الفاضل عند رأسه ويرد على وجهه, ويجمع الفاضل عند رجليه فيرد على رجليه, ثم يعقد على اللفائف أحزمة.
وأما المرأة فتكفن في خمسة أثواب، يبدأ تكفينها بالإزار على العورة وما حولها، ثم تلبس قميصاً على الجسد، ثم القناع على الرأس وما حوله، ثم تلف بلفافتين على النحو المذكور بالنسبة للرجل..
وينبغي أن يكون الكفن حسناً دون مغالاة في ثمنه، لأن في المغالاة فيه إضاعة للمال وقد نهينا عن ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله كره لكم ثلاثاً: قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال))[رواه البخاري ومسلم].
4 - الصلاة ع الميت
بعد الانتهاء من تكفين الميت؛ يجب على من حضره من المسلمين أن يصلوا عليه، وصفتها؛ كما يلي:
يوضع الميت على الأرض جهة القبلة.
ثم يقف الإمام عند رأس الميت إذا كان رجلاً، وعند وسطه إذا كان الميت امرأة، ويكون رأس الميت عن يمين الإمام.
ويصطف المصلون خلف الإمام، ويجوز عند ضيق المكان أن يقفوا عن يمين الإمام ويساره، ويستحب أن يقف المصلون خلف الإمام ثلاثة صفوف.
ثم يكبر المصلي التكبيرة الأولى، ويستفتح، ويقرأ الفاتحة سراً لا جهراً، ثم يكبر الثانية ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة الإبراهيمية التي نقرؤها في الصلاة، ثم يكبر الثالثة ويجتهد في الدعاء للميت بالمغفرة ورفع الدرجات، وأن يبدله الله خيراً من أهله، وأن يخلفه في أهله بخير، ثم يكبر الرابعة ويسلم.
وأفضل الدعاء ما ثبت في صحيح مسلم وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة فكان دعاؤه قوله: "اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وأبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خير من أهله وزوجاً خيراً من زوجه وأدخله الجنة وقه فتنة القبر وعذاب النار".
وما ثبت في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى على جنازة قال: "اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان".
ثم يكبر الرابعة ثم يسلم تسليمة واحدة عن يمينه، ويجوز أن يسلم تسليمتين كما في الصلاة المكتوبة إحداهما عن يمينه، والأخرى عن يساره.
ومن فاتته الصلاة على الميت مع الإمام، جاز له أن يصلي على القبر، فيجعل القبر بينه وبين القبلة، ويصلي عليه على النحو المذكور سابقا.
5 - حمل الجنازة ودفنها
بعد الفراغ من الصلاة على الميت يجب تشيعه إلى المقبرة لدفنه، وذلك من فروض الكفاية على من علم بحاله من المسلمين، قال تعالى: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} [عبس(21)] أي: جعله مقبورًا، والأحاديث في دفن الميت مستفيضة، وهو بر وطاعة وإكرام للميت واعتناء به. ويسن إتباع الجنازة وتشييعها إلى قبرها؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((من شهد جنازة حتى يصلى عليها؛ فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن؛ فله قيراطان)). قيل: وما القيراطان؟ قال: ((مثل الجبلين العظيمين))[رواه البخاري ومسلم]. ويسن لمن تبعها المشاركة في حملها إن أمكن، ولا بأس بحملها في سيارة لا سيما إذا كانت المقبرة بعيدة. ويسن الإسراع بالجنازة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((أسرعوا بالجنازة، فإن تك صالحة؛ فخير تقدمونها إليه، وإن تك سوى ذلك؛ فشر تضعونه عن رقابكم))[رواه البخاري ومسلم].
لكن لا يكون الإسراع شديدًا، ويكون على حامليها ومشيعيها السكينة، ولا يرفعون أصواتهم؛ لا بقراءة ولا غيرها من تهليل وذكر لأن هذا بدعة.
ويحرم خروج النساء مع الجنائز؛ لحديث أم عطية: "نهينا عن إتباع الجنائز"، ولم تكن النساء يخرجن مع الجنائز على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ فتشييع الجنائز خاص بالرجال. ويسن أن يعمق القبر ويوسع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((احفروا وأوسعوا وأعمقوا))[رواه أبو داود وابن ماجة، وصححه الألباني]. ويسن ستر قبر المرأة عند إنزالها فيه لأنها عورة. ويسن أن يقول من ينزل الميت في القبر: ((بسم الله، وعلى ملة رسول الله)) لما جاء في ذلك في الحديث الذي رواه الترمذي؛ وصححه الألباني]. ويوضع الميت في لحده على شقه الأيمن مستقبل القبلة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الكعبة: ((قبلتكم أحياءً وأمواتاً))[رواه أبو دود، وحسنه الألباني].
ويجعل تحت رأسه لبنة، أو حجر، أو تراب، ويُدنى من حائط القبر الأمامي، ويجعل خلف ظهره ما يسنده من تراب، حتى لا ينكب على وجهه، أو ينقلب على ظهره.
ثم تسد عليه فتحة اللحد باللبِن والطين حتى يلتحم، ثم يهال عليه التراب، ولا يزاد عليه من غير ترابه.
ويرفع القبر عن الأرض قدر شبر، ويكون مسنماً، أي: محدباً كهيئة السنام لتنزل عنه مياه السيول، ويوضع عليه حصباء، ويرش بالماء ليتماسك ترابه ولا يتطاير، والحكمة في رفعه بهذا المقدار؛ ليعلم أنه قبر فلا يداس، ولا بأس بوضع النصائب على طرفيه لبيان حدوده، وليعرف بها، من غير أن يكتب عليها.
ويستحب إذا فرغ من دفنه أن يقف المسلمون على قبره ويدعوا له ويستغفروا له؛ لأنه عليه الصلاة والسلام كان إذا فرغ من دفن الميت؛ وقف عليه، وقال: ((استغفروا لأخيكم، واسألوا له التثبيت؛ فإنه الآن يسأل))[رواه أبو داود، وصححه الألباني]. وأما قراءة شيء من القرآن عند القبر؛ فإن هذا بدعة؛ لأنه لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا صحابته الكرام، وكل بدعه ضلالة. ويحرم البناء على القبور وتجصيصها –الجِصُّ هو الجِبْس) والكتابة عليها؛ لقول جابر: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبني عليه"[رواه مسلم].
وروى الترمذي وصححه من حديث جابر مرفوعا: "نهى أن تجصص القبور، وأن يكتب عليها، وأن توطأ" ولأن هذا من وسائل الشرك والتعلق بالأضرحة؛ لأن الجهال إذا رأوا البناء والزخرفة على القبر؛ تعلقوا به.
ويحرم إسراج القبور، أي: إضاءتها بالأنوار الكهربائية وغيرها، ويحرم اتخاذ المساجد عليها، أي: ببناء المساجد عليها، والصلاة عندها أو إليها، وتحرم زيارة النساء للقبور؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لعن الله زوارات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج"[رواه أبو داود، والنسائي، ].
وفي "الصحيح": ((لعن الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد))، ولأن تعظيم القبور بالبناء عليها ونحوه هو أصل شرك العالم.
وتحرم إهانة القبور بالمشي عليها، ووطئها بالنعال، والجلوس عليها، وجعلها مجتمعاً للقمامات، أو إرسال المياه عليها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لأن يجلس أحدكم على جمرة، فتخرق ثيابه، فتخلص إلى جلده: خير من أن يجلس على قبر))[رواه مسلم].
ولا يدفن مسلم مع كافر، ولا كافر مع مسلم، بل يدفن المسلم في مقابر المسلمين، والكافر في مقابر المشركين، كذلك كان الأمر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، واستمر إلى عصرنا هذا.
ولا بأس من أن يدفن في القبر الواحد اثنان أو أكثر عند الضرورة، ويقدم أفضلهم.
Bottom of Form
Top of Form
Bottom of Form
6 - التعزية والزيارة
يقصد بالتعزية: تسليةُ أهلِ الميّتِ، وحثُّهم على الصّبرِ بوعدِ الأجرِ، والدُّعاءِ للميّتِ المسلمِ والمصابِ.
وتُسنُّ تعزيةُ المسلمِ المصابِ بميّتٍ؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَزِّي أَخَاهُ بِمُصِيبَةٍ إلَّا كَسَاهُ اللهُ عز وجل مِنْ حُلَلِ الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))[رواه ابن ماجة، وحسنه الألباني].
وهي مشروعة قبل الدّفنِ وبعده.
وتمتدُّ التّعزيةُ ثلاثةَ أيّامٍ بليالِيهنّ؛ لإذنِ الشّارعِ في الإحدادِ إلى ثلاثٍ؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا)) [رواه البخاري ومسلم].
وتكرهُ بعدها إلا لغائبٍ؛ حتّى لا يتجدَّدَ له الحُزنُ.
ويُقالُ للمسلمِ المُصابِ بميّتٍ في التّعزيةِ: ((أَعْظَمَ اللهُ أَجْرَكَ، وَأَحْسَنَ عَزَاءَكَ، وَغَفَرَ لِمَيّتِكَ)).
ولا يتعيّنُ ذلك؛ بل إن شاءَ قالَهُ، وإن شاءَ قالَ غيرَه؛ إذ الغرضُ الدُّعاءُ للمصابِ وميّتِهِ. ويقولُ المُصابُ: "اسْتَجَابَ اللهُ دُعَاءَكَ، وَرَحِمَنَا وَإِيَّاكَ".
ولا بأسَ بالبُكاءِ على الميّتِ قبلَ الموتِ وبعدَهُ؛ بلا ندبٍ، ولا نياحةٍ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ اللهَ لاَ يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ وَلاَ بِحُزْنِ الْقَلْبِ، وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا - وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ - أَوْ يَرْحَمُ))[رواه البخاري ومسلم]. ويَحرمُ النَّدبُ، وهو: البُكاءُ مع تَعدادِ مَحاسنِ الميّتِ. والنِّياحةُ، وهي: رفعُ الصّوتِ بذلكَ برَنّةٍ؛ لحديثِ أمّ عطيّة رضي الله عنها قالت: "لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لاَ يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا}. {وَلاَ يَعْصِينَكَ فيِ مَعْرُوفٍ} كَانَ مِنْهُ النِّيَاحَةُ))[رواه مسلم]؛ فسمّاهُ معصيةً.
وعنها رضي الله عنها قالت: ((أَخَذَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الْبَيْعَةِ أَنْ لَا نَنُوحَ))[رواه البخاري ومسلم].
ويَحرمُ شَقُّ الثّوبِ، ولَطمُ الخدِّ، والصُّراخُ، ونَتفُ الشَّعرِ، ونَشْرُهُ، وحَلْقُهُ؛ لحديثِ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ((لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الخُدُودَ، وَشَقَّ الجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ))[رواه البخاري ومسلم].
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: ((أَنَا بَرِيءٌ مِمَّنْ بَرِئَ مِنْهُ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، إِنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَرِئَ مِنْ الصَّالِقَةِ، وَالحَالِقَةِ، وَالشَّاقَّةِ))[رواه البخاري ومسلم].
والصّالقةُ: بالصّادِ أي: الّتي ترفعُ صوتَها عند المصيبةِ، وقيل: الّتي تضربُ وَجْهَها.
والحالقةُ: الّتي تحلِقُ شعرَها.
والشّاقّةُ: الّتي تَشُقُّ ثوبَها.
وتُسَنُّ زيارةُ القبورِ للرِّجالِ؛ لحديث سليمان بن بريدة عن أبيه قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((قَدْ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ؛ فَقَدْ أَذِنَ لمُحَمَّدٍ فِي زِيَارَةِ قَبْرِ أُمِّهِ؛ فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمْ الْآخِرَةَ)) [رواه التّرمذي، وأصلُه في مسلمٍ]. وتُكرَهُ زِيارةُ القُبُورِ للنِّساءِ؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: ((لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ زَائِرَاتِ الْقُبُورِ... ))[رواه أبو داود وسكت عنه، والنسائي، والتّرمذيّ وحسّنه، وضعّفه آخرون].
ولأنّ المرأةَ قليلةُ الصّبرِ، كثيرةُ الجزعِ، وفي زيارتِها للقبورِ تهييجٌ للحزنِ، وتجديدٌ لذكرِ مصابِها؛ فلا يؤمنُ أن يفضيَ بها ذلك إلى فعلِ ما لا يحلُّ؛ بخلافِ الرّجلِ.
وإنْ مرَّتِ المرأةُ بقبرٍ فِي طريقِها فسلّمتْ عليهِ، ودعتْ لهُ فحسنٌ؛ لأنّها لمْ تخرجْ لذلك.
ويُسَنُّ لمنْ زارَ القبورَ أو مرَّ بها أن يقولَ: ((السّلامُ عليكُمْ دارَ قومٍ مؤمنينَ، وإنّا إنْ شاءَ اللهُ بكم للَاحِقُونَ، ويرحمُ اللهُ المُستقدِمينَ منكُمْ والمستأخِرينَ، نسألُ اللهَ لنا ولكُم العافيةَ، اللّهُمّ لا تحرِمْنا أجرَهم، ولا تفتِنّا بعدَهُم، واغفرْ لنا ولهُم)[رواه مسلم]. والسُّنة أن يُصنع لأهل الميِّت طعامًا يُشبعهم؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لَمَّا جاء نعْي جعفر: ((اصْنَعوا لآل جعفر طعامًا، فقد أتاهم أمرٌ يَشغلهم، أو أتاهم ما يَشغلهم))[رواه ابن ماجة وأحمد، وحسنه الألباني].
وينبغي أن نَجتنب من ذلك أن يُصنع الطعام لأهل الميِّت بكثرة، بحيث يَجتمع الناس عندهم للطعام، لكن إذا كان المعزُّون من أماكنَ بعيدة، جاز إعداد طعامٍ لهم؛ لأن هذا لا يكون شبيهًا باجتماع النياحة.
__________________
[align=center] [/align]
|