للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
فقه البصر والبصيرة
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله, أما بعد: فقد أتت الشريعة الإسلامية الإلهية لتهذيب النفوس وتزكيتها وحثها على الطاعات, وتطهيرها من شوائب الشبهات والشهوات. قال ﷻ: وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [النِّساء: 32] وقال ﷻ: لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ [آل عِمران: 197/196] وقال ﷺ[1]: إنما بُعِثتُ لأتمم صالح الأخلاق. وأخبر ﷺ أن الأخلاق الحسنة سبب لمحبة الله سبحانه وتعالى فعن أسامة بن شريك رضي الله عنه قال[2]: كُنَّا جُلُوساً عِندَ النبيﷺ كَأَنَّمَا عَلَى رُؤُوسِنَا الطَّير, لا يَتَكَلَّمُ مِنَّا مُتَكَلِّمٌ, إِذ جَاَءَهُ نَاسٌ مِنَ الأَعرَابِ (...) قالوا: فمَن أَحَبُّ عِبَادِ الله إِلى اللهِ؟ قال: أَحسَنُهُم خُلُقاً. وسبب للقرب من النبي ﷺ يوم القيامة حيث قال[3]: إنَّ مِن أحبِّكم إليَّ وأقربِكُم منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ أحاسنَكُم أخلاقًا والمرء مع من أحب, فعن أنس بن مالك رضي الله عنه[4] أن رجلا جاء إلى رسولِ اللهِ ﷺ, فقالَ: يا رسولَ اللهِ متى قيامُ السَّاعةِ؟ فقامَ النَّبيُّ ﷺ إلى الصَّلاةِ فلمَّا قضى صلاتَهُ, قالَ: أينَ السَّائلُ عن قيامِ السَّاعةِ؟ فقالَ الرَّجلُ: أَنا يا رسولَ اللَّهِ قالَ: ما أعددتَ لَها قالَ: يا رسولَ اللهِ ما أعددتُ لَها كبيرَ صلاةٍ ولا صومٍ إلَّا أنِّي أحبُّ اللَّهَ ورسولَهُ فقالَ النبيُّ ﷺ: المرءُ معَ مَن أحبَّ، وأنتَ معَ مَنأحببتَ, فما رأيتُ فرِحَ المسلمونَ بعدَ الإسلامِ فرحَهُم بِهَذا. فقه البصر والبصيرة سبق أن تكلمنا (هنا) عن الحلال والحرام في استعمال نعمة البصر, وموضوعنا اليوم مختلف فالآداب المتعلقة بالنظر والبصيرة كثيرة جدا, فمن تلك الآداب, والآداب الإسلامية مرتبطة بشكل وثيق بالحياة الفردية والإجتماعية, فليس بين الدين والحياة أي حِجاب بل أتت[5]الشريعة بجلب المصالح وتكميلها ودرء المفاسد وتقليلها فقد قال رسول الله ﷺ[6]: انظروا إلى من هو أسفلَ منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقَكم، فهو أجدرُ أن لا تزدروا نعمةَ اللهِ عليكم. أيها الإخوة الأكارم, الناس في هذه الدنيا على أربعة أقسام ففي الإعتقاد: منهم المؤمن ومنهم الكافر وفي الدنيا: ومنهم الغني ومنهم الفقير والنفس البشرية بطبعها تميل الى الرَّاحة والرَّخاء وحب الذَّات, ولذلك فقد أتت الشريعة لتهذيبها, كي لا تقع في الكِبر وبطر العيش ولا فيما حرَّم الله قال ﷻ حكاية عن امرأة العزيز والتي غلبتها شهوتها: وَمَا أبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ [يوسف:53] كثير من الناس يقول يااااه يدي تؤلمني ويتشاءم, يا أخي غيرك مقطوع اليد بل والإثنين, فاحمد الله على هذه النعمة!! وغيره من الناس يقول تجارتي تعيسة ويتشاءم, لا بل ويقنط يقول ليش يا رب ليش أنا, أنا يلي عشت حياتي وما ظلمت أحداً !!! يا أخي هناك غيرك العاطل عن العمل ووراءه عائلة يَعولُها!! وأنت تعترض على ربنا؟ لذلك فإننا نرى هذا الأدب العظيم من رسول رب العالمين, وسيد ولد آدم أجمعين ولا فخر[7], حيث يقول: نظروا إلى من هو أسفلَ منكم = أي في الدنيا ولا تنظروا إلى من هو فوقَكم = أي في الدنيا طيب, ةما الثمرة ذلك يا رسول الله؟؟؟ فهو أجدرُ أن لا تزدروا نعمةَ اللهِ عليكم يا الله ما أجمل الإيمان بالقدر, ففيه الأمان والإطمئنان بنعم الله ﷻ, فوالله لن تهنأ في عيشِك إلا إذا آمنت بالقضاء والقدر, نعم قد يغفل الناس في زَهرة الحياة الدنيا وزينتها ولكن من داخله لا يَهنَأ, وما حالات الإنتحار ممن ملك الدنيا إلا شاهد ودليل على قوله ﷻ: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه: 124] نجد الكثير من الناس, إن قلت له لماذا لا تصلي في المسجد يقول الحمد لله إني أصلي في البيت, فلاااااان لا يصلي !!! يا أخي أنت ستدخل معه بالحفرة؟!!! والآخر إن نبهته على الصلاة يقول لك, الإيمان بالقلب أنا الحمد لله لا أكذب وفلان يُصلِّي ولكنه يكذب!! فهؤلاء خالفوا السُنَّة الإلهية, فوقعا في الخطأ, وقال ﷻ: إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [الحجرات: 12] فيا سبحان الله إنقلبت الموازين, وما ذاك إلا بسبب البعد عن الدين, فعندما سأل الأعرابي النبي ﷺ عن الساعة, ماذا قال له؟ هل قال له انت صحابي أفضل من غيرك لم تسألني؟ لديك شرف الصحبة؟ أم ماذا قال؟ قال له ماذا أعددت لها ! إخوتي الأكارم إن الواجب على المسلم الحَصِيف أن ينظر في أمر دينه إلى من هو أعلى منه, كي يدفعه ذلك إلى المُضي قُدُماً في العبادات والسعي إلى اكتساب الأجر ورفعة الرجات قال ﷻ: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران: 133] فمن فعل ذلك كان من الصابرين, لأن العبادات تحتاج إلى صبر ومخالفة النفس الأمارة بالسوء ومحاربة الشيطان, فسهر الليالي بالصلاة والنزول الى المساجد وقت الفجر والوضوء في الجو البارد وصيام النهار, كلها مَشاق وإنها ليسيرة على من يسرها الله عليه, قال ﷻ: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة: 45] وينظر في أمر دنياه إلى من هو أقل مِنه كي يكون من الشاكرين لنعم الله ﷻ الذي أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً [لقمان: 20] والحذر الحذر من النظر في أمور الدنيا إلى من هو أعلى منَّا فإن ذلك يورث القنوط من رحمة الله والإعتراض على حكمه الله والزهد في عبادة الله ومن أضرار هذه المخالفة ما وقع فيه الكفار وهو إستخفافهم بصاحب الحق الأقل منهم سَعة وبَسطة في العيش!! فنجد فيما قصَّه الله علينا من أخبار الأنبياء السابقين صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين, قول قوم صالح ﷺ حيث اغترُّوا بكَثرة عددهم فقالوا: فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ * أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ [القمر:24-25] وذكر لنا ما قالته قُريش في النبي ﷺ, حيث قال ﷻ: أَؤُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ [ص:8] قال ﷻ: وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ [الأنعام:53] فكفار استنكروا أن يختص الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم من دنهم وكذلك استخفوا بالمؤمنين الفقراء الضعفاء أن يكونوا عند الله أفضل منهم وهم أصحاب المال والجاه ذلك قال ﷻ حكاية قولهم: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ [الأحقاف:11] قال الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية[8]: قالوا عن المؤمنين بالقرآن: لو كان القرآن خيرا ما سبقنا هؤلاء إليه. يعنون بلالا وعمارا وصُهَيبا وخبابا وأشباههم وأقرانهم من المستضعفين والعبيد والإماء، وما ذاك إلا لأنهم عند أنفسهم يعتقدون أن لهم عند الله وجاهة وله بهم عناية. وقد غلطوا في ذلك غلطا فاحشا، وأخطئوا خطأ بينا فوصفوهم بالسفهاء ! قال تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ [البقرة: 13] فرد الله عليهم فقال: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ [البقرة: 130] وقال سبحانه: وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا [النساء: 125] فبعد أن استهانوا بالمؤمنين وصف لنا الله حالهم يوم القيامة أن قالوا: وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ * أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأبْصَارُ [ص:62-63] هذا إخبار عن الكفار في النار أنهم يفقدون رجالاً كانوا يعتقدون أنهم على الضلالة وهم المؤمنون في زعمهم قالوا[9]: ما لنا لا نراهم معنا في النار؟. وهذا هو حال الكُفَّار من الأُمَم السابقة فاليهود عندما بعث الله لهم طالوت ملكاً قالوا كما قال تعالى عنهم: وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:247] فاستنكر بنو إسرائيل أن يكون طالوت المُفَضَّل عليهم وهم من الملوك !!! قال ﷻ: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [الزخرف:32] كذلك كانوا يقولون لأنبيائهم اخرجوهم من عندكم ولا تجلسوا معهم فنجالسكم ونتبعكم, فهذا الكبر الذي جعلهم ينظرون الى من هو دونهم, وقد حكى الله لنا مجادلة الكُفار أنبياءه: فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ [هود:27] فكان جواب نبيهم: وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ [هود:30] وقال تعالى: وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنعام:52] وكان من أسباب كُفر قوم نوح عليه الصلاة والسلام قولهم فيما حكى الله عنهم: قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ [الشعراء: 111] لذلك أمره الله بالصبر عليهم, قال تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [الكهف:28] ولنا في قصة قارون وأولئك النفر عبرة, قال ﷻ: فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ * فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ * تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص: 79/ 83] فانظر إلى حال قارون وملكه الذي يصعب على الجماعات الأقوياء أن يحملوا مفاتيح كنوزه, وأن ذلك لم ينفعه لكفره بالله ﷻ ومُحاربة لموسى عليه الصلاة والسلام, ثم انظر إلى حال من نظر الى مُلكه فتمنَّوا أن يكونوا معه, وبعد أن تبين لهم أن ما يرونه لهو متاع الحياة الدنيا وزينتها ولا يساوي عند الله جناح بعوضة رجعوا الى ربهم وأنابوا إليه ثم انظر الى حال من قام بمثل ما أمر به النبي ﷺ, وكيف نهوهم عن ذلك بل وكيف وصفهم الله بأهل العلم تشريفا لهم وتعظيماً لشأنهم, ويكفينا ذلك موعظة بليغة من ربٍ رحيم لقد رأيت الكثير من النَّاس عندما يحلف يحلف بغير الله عزَّ وجلَّ وإذا نبَهتُه قال: يا أخي أنا أكذب أتريدني أن أحلف بالله كاذباً؟ قلت: أولاً: الحلف بغير الله حرام لقوله ﷺ [10]: من كان حالفًا فليحلفْ باللهِ أو لِيصمُتْ ثانياً: الكذب حرامٌ في الإسلام, ثم إنك بحلفك هذا تخدع من تبيعه أو تكلمه وهذا أيضاً حرام, ثالثاً: هذه الفِكرَة منشأها ضعف البصيرة عند صاحبها, فهو يظُن أنه بهذا الفعل يتذاكى ولكن ... قال ابن مسعود رضي الله عنه [11]: لأن أحلِفَ باللهِ كاذبًا أحبُّ إليَّ من أن أحلِفَ بغيرِه وأنا صادقٌ ليس معنى ذلك أن ابن مسعود رضي الله عنه يُحَلِل الحلف بغير الله حاشاه, بل يضع قاعدة في البصيرة, وهي أنه إن حلف بالله كاذبا فهذه معصية أما لو حلف بغيره فهذا من أبواب الشرك ! فقه سلفنا الصالح للعبادة انظر الى حال سلفنا الصالح الذين أحسنوا الظَّن بالله وأدركوا حقيقة العِبادة وذلك بالعمل وليس بالتمني والأوهام والأحلام وقد كان سيدهم ﷺ يقوم الليل حتى تتفظر قدماه,فعن عائشة رضي الله عنها قالت[12]: أن نبي الله ﷺ كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه, فقالت: لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أحب أن أكون عبدا شكورا وعن حُذَيفَة رضي الله عنه قال[13]: صليت مع النبي ﷺ ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها يقرأ مترسلا، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ، ثم ركع فجعل يقول: سبحان ربي العظيم فكان ركوعه نحوا من قيامه، ثم قال: سمع الله لمن حمده ثم قام طويلا قريبا مما ركع، ثم سجد فقال: سبحان ربي الأعلى، فكان سجوده قريبا من قيامه. وقام النبي ﷺ مرة فقال[14]: من أصبح منكم اليوم صائماً؟، قال أبو بكر: أنا، قال: من اتبع منكم اليوم جنازة؟، قال أبوبكر: أنا، قال: فمن عاد منكم اليوم مريضاً؟ قال أبوبكر: أنا، فقال الرسول ﷺ: ما اجتمعن في امريء إلا دخل الجنة وقد كان عثمان وتميم الداري وعلقمة وغيرهم يقرؤون القرآن كله في ركعة وكان سعيد بن جبير وجماعة يختمون القرآن مرتين وأكثر في ليلة[15], وقد يستشكل على أحدنا هذا الأمر, ولا عجب فهم أُناس قد آتاهم الله فهماً وعلماً وهمة عالية وبركة في الوقت, فكانوا يقرؤون القرآن ويفهمونه بالسَليقَة ونحن نتكلف القراءة والفهم وكان الإمام الشافعي رحمه الله[16] يتخم القرآن ستين مرة في رمضان كلها في صلاة. وكان التابعي الجليل أبو مسلم الخولاني إذا قام من الليل فتعبت قدمه ضربها وقال[17]: أيظن أصحاب محمد أن يستأثروا به دوننا؟ كلا، والله لنزاحمنهم عليه زحاماً حتى يعلموا أنهم قد خلفوا وراءهم رجالاً. قال أبو بكر بن عياش[18]: رأيت أبا إسحاق السبيعي يبكى, فقلت: يا أبا إسحاق ما يبكيك ! قال: ذهبت قوتى وذهبت الصلاة منى, ما أستطيع أن أصلى قائماً إلا بالبقرة وآل عمران. قلت أنا: سبحان الله ! فانظر الى هذه الهمم أتعتقد أنها أتت من فراغ؟ ألا تريد أن تكون من هؤلاء؟ رضوان الله عليهم أجمعين وأخيرا يجب أن لا ننسى واجب الدعوة إلى الله ﷻ والذي زَكَّاه وزكَّى أهله في كتابه الكريم - وقد تكلمنا عن فضل العلم والعلماء سابقاً (هنا) - والذي يحتم علينا النظر الى من هو أسفل وأعلى منا في الدنيا البعيد عن الله بعين الرحمة لدعوته الى الله ﷻ مع كره ما وقع فيه من المعاصي, لكي تحل البركة في مالنا ووقتنا ومعاشنا, فقد قال ﷻ: وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [هود 117] وقال ﷺ[19]: إنَّ النَّاسَ إذا رأَوُا المنكَرَ فلم يُغيِّروه يوشِكُ أنْ يعُمَّهم اللهُ بعقابٍ وقال الإمام البغوي في تفسير الآية[20]: فيما بينهم يتعاطون الإنصاف ولا يظلم بعضهم بعضا، وإنما يهلكهم إذا تظالموا, وقيل: لا يهلكهم بظلم منه وهم مصلحون في أعمالهم، ولكن يهلكهم بكفرهم وركوبهم السيئات. قلت: إن صلح القلب, صلحت البصيرة, وبالتالي فإنها تَحُثُّ صاحبها على الإصلاح في الأرض وإلا كان من المفسدين وهو لا يشعر قال تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ [البقرة: 11-12] وهذا سيكون موضوعنا القادم إن شاء الله ... المشكاة ... --------- 1 أبو هريرة رضي الله عنه: صحيح الجامع(2349), قال الألباني: صحيح 2 أسامة بن شَريك: صحيح الترغيب والترهيب(2652), قال الألباني: صحيح 3 جابر رضي الله عنه: صحيح سنن الترمذي(2018), قال الألباني: صحيح 4 أنس بن مالك: صحيح الترمذي(2385), قال الألباني: صحيح 5 أبو محمد القحطاني: مجموعة الفوائد البهية على منظومة القواعد الفقهية, إخراج: متعب بن مسعود الجعيد, دار الصميعي للنشر والتوزيع - المملكة العربية السعودية, طبعة: الأولى 1420 هـ/ 2000 م, صـ 44 6 أبو هريرة رضي الله عنه: صحيح الجامع(1507), قال الألباني: صحيح 7 أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: صحيح سنن الترمذي(3148), قال الألباني: صحيح 8 أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (المتوفى : 774هـ): تفسير القرآن العظيم,الطبعة الثانية 1420هـ - 1999 م, دار طيبة للنشر والتوزيع, عدد الأجزاء : 8, جـ7 صـ 278 9 المصدر السابق: جـ 7 صـ 78 10 عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: صحيح البخاري (3836) (3646) صحيح مسلم (1646) 11 وبرة بن عبد الرحمن: الترغيب والترهيب (4/58) مجمع الفوائد (4/180) الزواجر (4/184) إرواء الغليل (2562) صحيح الترغيب (2953) 12 عائشة رضي الله عنها: صحيح البخاري(4557), صحيح مسلم (2820) 13 حديفة بن اليمان: صحيح مسلم(772), قال الإمام مسلم: صحيح 14 أبو هريرة رضي الله عنه: صحيح مسلم(1028) 15 أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري القرطبي(ت 463 هـ ): الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار, تحقيق سالم محمد عطا - محمد علي معوض, دار الكتب العلمية - بيروت 2000م, عدد الأجزاء 9, جـ 2, باب: باب ما جاء في تحزيب القرآن صـ 475 16 أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى : 676هـ): مجموع شرح المهذب, باب: فصل في تلخيص جملة من حال جـ 1 صـ 12 17 موسوعة الخطب والدروس: جمعها ورتبها الشيخ علي بن نايف الشحود, باب: التنافس الصحيح صـ 1, ربانيون لا رمضانيون صـ 614 18 محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي ( ابن حِبَّان): أقوال الثقات 19 أبو بكر الصديق: صحيح بن حبان(305), قال الإمام ابن حبان: صحيح 20 محيي السنة ، أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي (المتوفى : 510هـ): معالم التنزيل, المحقق: حققه وخرج أحاديثه محمد عبد الله النمر - عثمان جمعة ضميرية - سليمان مسلم الحرش, دار طيبة للنشر والتوزيع, الطبعة : الرابعة ، 1417 هـ - 1997 م, عدد الأجزاء : 8, جـ4 صـ 206 |
#2
|
|||
|
|||
اللهم ربى لك الحمد كما ينبغى لجلال وجهك وعظيم سلطانك على نعمه الاسلام وكفى بها نعمه ويارب الهمنا الشكر والحمد على كل نعمك علينا واحسن دواخلنا
|
#3
|
||||
|
||||
اللهم آمين
|
#4
|
|||
|
|||
الله علي حلاوة الدين وروعة الاسلام الحمد لله علي الاسلام والله موضوع رائع تسلم ايدك وياريت المزيد
|
#5
|
||||
|
||||
الحمد لله على نعمة الإسلام
ان شاء الله |
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية (Tags) |
البصر, فقه, والبصيرة |
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | الأقسام الرئيسية | مشاركات | المشاركة الاخيرة |
كتاب لماذا يطلب الله من البشر عبادته، د.سامي عامري | مصطفى طالب مصطفى | الميديا الإسلامي | 1 | 03-05-2018 05:33 PM |
الكتاب المقدس تأليف البشر بالدليل | مصطفى طالب مصطفى | خدمات دعوية متنوعة | 0 | 07-07-2017 05:35 AM |
نعمة البصر بين الحلال والحرام | مصطفى طالب مصطفى | المنتدى الإسلامي العام | 4 | 04-11-2016 02:50 AM |
لماذا خلق الله البشر ؟ للشيخ سلطان العميري | مصطفى طالب مصطفى | عقيدة أهل السنة والجماعة | 0 | 11-02-2015 03:30 AM |
للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب |
دليل السياح |
تقنية تك |
بروفيشنال برامج |
موقع . كوم |
شو ون شو |
أفضل كورس سيو أونلاين بالعربي |
المشرق كلين |
الضمان |
Technology News |
خدمات منزلية بالسعودية |
فور رياض |
الحياة لك |
كوبون ملكي |
اعرف دوت كوم |
طبيبك |
شركة المدينة الذهبية للخدمات المنزلية
|