بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, أما بعد:
فقد خلق الله الإنسان, وزوده بالحواس الخمس ( السمع, اللمس, الشم, الذوق, البصر), وعلى الرغم من ذلك فالإنسان مخلوق ضعيف قد لا يعرف ما غاب عنه مما هو مُشاهد لغيره من البشر
فمثلا: أحدنا لا يعلم ماذا يفعل جاره في المنزل المجاور مع قربه منه, لأنه غيب بالنسبة له فلا يدركه بالحواس الخمس
ولكي أعرف هذه المعلومات لا بُدَّ من وسيلة اتوصَّل من خلالها إلى المعرفة, فلا أحد يعلم الغيب إلا الله ﷻ القائل: قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النمل:65], ولكن يُوحي لمن يشاء بعض الغيب إن شاء, وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ [البقرة:255]
فإن كان هذا في الغيب النسبي, فما بالنا بالغيب المطلق, وأعظم الغيب هو الله عزَّ وجلَّ, فالله عزَّ وجلَّ بالنسبة لنا غيبٌ ولكنه غيب معقول, ولا يُمكِنُنَا في هذه الحياة الدنيا أن نراه, وقد قالها ربُنا الى كليمِ الله موسى ﷺ جيث قال: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي [الأعراف:143]
يؤمن المسلمون بأن الله قد اختصَّ أهل طاعته بجنته وبرؤيته جلَّ جلاله فيها, ومع ذلك فإنهم لا يحيطون به علماً ولا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار سبحانه ﷻ
وقد امتدح سبحانه المؤمنين بإيمانهم بالغيب بغير ما آية في القرآن الكريم, فمن ذلك أن أول صفة من صفات المؤمنين ذكرها في سورة البقرة هي الإيمان بالغيب فقال: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ [البقرة:3]
ومعنى قولنا أنه غيب معقول: أي يمكنا الإستدلال عليه بالعقل والحس والأدلة الفطرية اليقينية, ففي هذا الكون الكبير مئات بل آلاف الأدلة الدالة على وجود الله عز وجل وحكمته وعلمه ورحمته والعقل بالضرورة يدركها إذ الخلق من العدم إلى المشاهد وهو ما يسمى بقانون السببية, والإتقان الذي عليه هذه المخلوقات كفيل وحده بتبيان عظمة الله تعالى
وهناك غيب محض لا يمكن بحال التعرف عليه وهو أخبار الجنة والنار والميزان والسراط وما إلى ذلك من الأخبار
ولسائل أن يسأل: من هو الله؟ ولماذا خلقنا؟ وماذا يريد منا؟ وكيف يمكننا معرفة الأخبار الغيبية المحضة؟
كل هذه الأسئلة وغيرها نحتاج الى واسطة لمعرفتها وهي التي سنذكرها في الدروس القادمة إن شاء الله