للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب
 Online quran classes for kids 
<

العودة   رحيق الشباب > العلوم الشرعية > طريقك الى طلب العلم الشرعي

طريقك الى طلب العلم الشرعي من يُرد الله به خيرًا يفقهه في الدين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 06-14-2016, 02:20 PM
الصورة الرمزية مصطفى طالب مصطفى
مصطفى طالب مصطفى مصطفى طالب مصطفى غير متواجد حالياً
الإدارة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 1,072
مصطفى طالب مصطفى is on a distinguished road
افتراضي رد: تسهيل دورة البناء العلمي

بسم الله الرحمن الرحيم


‫#‏الدرس‬ [10]


بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم بمنِّه وكرمه أن يجعلنا وإيَّاكم ممن إذا أُعطِيَ شكر، وإذا ابتُلِيَ صبر، وإذا أذنب استغفر، فإنَّ هذه الثلاث عنوان السعادة. اللهم آمين.


في هذا اللقاء وهو الدرس العاشر من دروس البناء العلمي، والتي تُقدَّم من خلال هذه الدورة العلمية نتحدث - بإذن الله عز وجل - عن موضوعٍ أعتقد أنَّ كلَّ مَن يروم طلب العلم الشرعي ويقصده لابُدَّ أن يقرأ في هذا الموضوع، ولابُدَّ أن يبني فيه نفسه بناءً علميًّا سليمًا صحيحًا.


أيضًا من المسائل التي نتحدث عنها فيما يتعلَّق بالإخلاص: إذا كان الإخلاصُ بهذه الأهمية، فكيف أكون مُخلصًا لله - عز وجل - في عملي؟

وهذا سؤالٌ في غاية الأهمية، فلابُدَّ من الإخلاص، فما الميزان الذي أعرف به أنني مُخلصٌ لله - عز وجل - في العمل؟

يقول الإمام أحمد -رحمه الله: "لا مَثَلَ للعلم لمَن حسُنَت نيَّتُه". قيل له: وكيف تحسن النية؟ قال: "أن يقصد به رفعَ الجهل عن نفسه وعن الناس".

إذن هذا هو الميزان، فتطلب العلمَ لله، وتقصد بطلبك وجه الله، وتقصد رفع الجهل عن نفسك، وهذا ما ذكره الفُضَيل بن عِياض حيث قال: "إنني أطلب العلم لأجل نفسي؛ لأرفع الجهل عن نفسي".

فمعيار الإخلاص في طلب العلم: أن يقصد به العبدُ وجه الله، وأن يقصد به رفع الجهل عن نفسه وعن المسلمين.

أيضًا من القضايا التي من المهم الحديث عنها فيما يتعلَّق بالإخلاص: ثمرة الإخلاص. طيب، ما الثمرة؟

الثَّمرة ما ذكره الإمام محمد بن واسع -رحمه الله، وهذه دوِّنوها وسجِّلوها وانقشوها في قلوبكم وأذهانكم- يقول: "إذا أقبل العبدُ إلى الله أقبل اللهُ بقلوب العباد عليه".

وهذا الأمر هو مما دلَّ عليه قولُ النبي -صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَرْضَى اللهَ بِسَخَطِ النَّاسِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَى عَنْهُ النَّاسَ».

أيضًا يقول بعضُ الصَّالحين: "ما كان لله دام واتَّصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل".

تأمَّل إلى ما تركه بعضُ الأئمَّة، كالإمام النووي - رحمه الله- فبيننا وبينه مئات السنين ولا يزال كتابه "رياض الصَّالحين" في كلِّ مسجدٍ يذكره الناسُ ويدعون لصاحبه، ويطلبون من الله -عز وجل- أن يرحمه، لماذا؟ لابُدَّ أنَّ هناك نيَّةً طيبةً وعملًا صالحًا تقدَّم به إلى الله -عز وجل- فما كان لله دام واتَّصل ولو بعد سنين، وما كان لغير الله انقطع وانفصل ولو بعد أيامٍ.

فلهذا أعظم ما يرفع طالب العلم أن يقصد بعلمه وجه الله -عز وجل- والدار الآخرة.
الصِّفة الثانية: العمل بالعلم:

فهل يجدر بمَن قرأ القرآن، وعرف سُنَّة النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يكون بذيء اللسان؟! وهل يجدر بمَن كان في قلبه كلام الله وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم- أن يكون قليلَ العمل؟!

إنَّ العالم يجب أن يكون أول ما يبدأ به العمل بهذا العلم الذي يتقرَّب به إلى الله - عز وجل.

كانت أمُّ سفيان تأتي بابنها وتقول: "يا بني، اذهب فاطلب الحديث، وأَعُولك بمِغْزَلي"، فهي تقول: أنا سأتعب من أجل أن تطلب العلمَ، ولكن انظر فيما بعد، فإن رأيت أنَّ هذا العلم يُقرِّبك إلى الله وإلا فاتركه؛ فإنَّ غيره أولى بك.

إذن من الأمور العظيمة التي يجب على طالب العلم أن يُراعيها أن يكون عاملًا بعلمه، ففي الحديث الصَّحيح: «يُؤْتَى بِرَجُلٍ يَومَ الْقِيَامَةِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ»، تَنْدَلِق أقتابُ بطنه: أي أمعاؤه، «فَيَدُور بِهَا كَمَا يَدُورُ الحِمَارُ فِي الرَّحَى، فَيُقَال لَهُ: يَا فُلَان، مَا لَكَ؟ أَلَمْ تَكُ تَأْمُر بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ؟ قَالَ: بَلَى، كُنْتُ آمُرُ بِالمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ، وَأَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ وَآتِيهِ». والعلماء يقولون: "العلم يهتف بالعمل، فإن أجابه وإلا ارتحل".

والإمام أحمد -رحمه الله- كان ينصح تلاميذه ويقول: "ما قرأتُ حديثًا للنبي -صلى الله عليه وسلم- إلا وعملتُ به ولو مرةً واحدةً؛ حتى لا يكون حجَّة الله -عز وجل- عليَّ يوم القيامة"، هذا كان من فقههم -رضي الله عنهم.

وأبو الدَّرداء -رضي الله عنه- كان يقول وهو يتحدث عن أهمية العمل بالعلم: "أخشى ما أخشاه أن يُقال يوم القيامة: أجهلتَ أم علمتَ؟ فأقول: بل علمتُ".

يقول: "فلا تبقى في كتاب الله آية إلا وتسألني: ماذا عملت بها يوم القيامة؟ فتسألني الآمرةُ: بماذا ائتمرت؟ وتسألني الزَّاجرة: بماذا زجرت؟" ثم قال: "اللَّهم إنِّي أعوذ بك من علمٍ لا ينفع".

للمشاركة عبر الفيس بوك

__________________
[align=center]

[/align]
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 06-14-2016, 02:22 PM
الصورة الرمزية مصطفى طالب مصطفى
مصطفى طالب مصطفى مصطفى طالب مصطفى غير متواجد حالياً
الإدارة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 1,072
مصطفى طالب مصطفى is on a distinguished road
افتراضي رد: تسهيل دورة البناء العلمي

بسم الله الرحمن الرحيم


‫#‏الدرس‬ [11]


بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم بمنِّه وكرمه أن يجعلنا وإيَّاكم ممن إذا أُعطِيَ شكر، وإذا ابتُلِيَ صبر، وإذا أذنب استغفر، فإنَّ هذه الثلاث عنوان السعادة. اللهم آمين.


في هذا اللقاء وهو الدرس الحادي عشر من دروس البناء العلمي، والتي تُقدَّم من خلال هذه الدورة العلمية نتحدث -بإذن الله عز وجل- عن موضوعٍ أعتقد أنَّ كلَّ مَن يروم طلب العلم الشرعي ويقصده لابُدَّ أن يقرأ في هذا الموضوع، ولابُدَّ أن يبني فيه نفسه بناءً علميًّا سليمًا صحيحًا.


الصِّفة التي تليها التي يجب على طالب العلم أن يتحلَّى بها هي: الدَّعوة إلى الله -عز وجل- فالدعوة إلى الله من أعظم القُربات التي يتقرَّب بها العبدُ إلى ربِّه -عز وجل- فالله -سبحانه وتعالى- قال: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ [فصلت: 33].
وبالمناسبة: حبذا لو جمع واحدٌ وصايا ونصائح وحِكَم الحسن البصري –رحمه الله- فقد كان ممن أُوتي الحكمةَ، وكانت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- إذا استمعت إليه تقول: "مَن هذا الذي له كلامٌ يُشبه كلام النُّبوة؟" وقيل: "ما زال الحسنُ يتحرَّى الحكمةَ حتى أُوتيها".
فهو -رحمه الله- لما تلا هذه الآية: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللهِ قال: "هذا حبيب الله، هذا وليُّ الله، هذا خيرة الله من خلقه، عمل صالحًا ودعا الناس إليه، وقال: إنني من المسلمين".
والنبي -عليه الصلاة والسلام- كذلك يقول: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَو آيَةً».
وهنا أيضًا كان من ضمن الأسئلة التي يكثر الحديث عنها: أيُّهما أُقدِّم العلم أم الدعوة إلى الله؟
لا شكَّ أنَّ الجواب أن تُقدِّم العلم، لكن ليس معنى أن تُقدِّم العلم ألا تدعو إلى الله -عز وجل- فأيُّ علمٍ تعلَّمته ادعُ الآخرين إليه، فالذي يُنهى عنه طالب العلم هو أن يُفتي بغير علمٍ كما سيأتي -بإذن الله سبحانه وتعالى.
بالمناسبة: الصِّفات السَّابقة المُتقدمة تحدَّث عنها الإمامُ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في مُقدِّمة "الأصول الثلاثة" فقال: "اعلم أنَّه يجب على كلِّ مسلمٍ ومسلمةٍ تعلم أربع مسائل: العلم، والعمل به، والدَّعوة إليه، والصبر على الأذى فيه". ثم تلا قول الله -عز وجل: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ[سورة العصر]، قال الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى: "لو ما أنزل الله حُجَّة على خلقه إلا هذه السُّورة لكفتهم".
وقال الإمامُ ابن القيم -رحمه الله- في كتابه العظيم "الرسالة التَّبوكيَّة": "إنَّ مدار الكمال البشري على هذه الأمور الأربعة: على العلم، والعمل، والدَّعوة، والصبر على الأذى فيه". فالصبر نحن وضعناه لكم من ضمن القواعد التي يجب على طالب العلم أن يُراعيها.
الصِّفة الخامسة: ترك الذُّنوب: فمن أسوأ الأمور أن يكون طالبُ العلم مُقترفًا للمعاصي والذُّنوب؛ لأنَّ الذنوب والمعاصي تُمِيت القلوبَ.
قال الشاعر:
خَلِّ الذُّنُوبَ صَغيرَها *** وَكَبيرَها ذَاكَ التُّقَى

وَاصْنَعْ كَمَاشٍ فَوقَ أَرضِ *** الشَّوكِ يَحذَرُ مَا يَرى

لا تَحْقِرَنَّ صَغِيرَةً *** إِنَّ الجِبالَ مِنَ الحَصى
فالذُّنوب تتراكم على قلب صاحبها كما قال الله -عز وجل: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين: 14]، ولا يزال الإنسانُ بالذُّنوب والمعاصي يُتابعها حتى تصده عن هذا العلم الشرعي.
يقول الإمامُ ابن تيمية -رحمه الله تعالى- وهو يتحدث عن هذا: "ومما يُعاقِب الله -عز وجل- عليه بالذُّنوب والمعاصي حِرمان العلم، كما قال -سبحانه وتعالى: ﴿قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ [النساء: 155]، وقوله -سبحانه وتعالى: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا [البقرة: 10]، فالذُّنوب والمعاصي يُحرَم بها صاحبها من العلم".
وكما قال الشافعي -رحمه الله:
شَكَوْتُ إِلَى وَكِيعٍ سُوءَ حِفْظِي *** فَأَرْشَدَنِي إِلَى تَرْكِ المَعَاصِي

وَقَالَ اعْلَمْ بِأَنَّ العِلـْمَ نُورٌ *** وَنُورُ اللهِ لا يُؤتَاهُ عاصِ
فإذا رأيت العالم ورأيت حافظ القرآن فاعلم أنَّ ذنوبه أقلُّ من غيره؛ لأنَّ الله -عز وجل- لن يستودع دينَه في قلبٍ مُظلمٍ بالذنوب والمعاصي، فمَن أظلم قلبُه بالذُّنوب والمعاصي فلن يُنير القرآنُ في قلبه، ولن يُنير في حياته، ولن يكون لكلامه أثرٌ، ولا لقوله أثرٌ، نسأل الله -عز وجل- بمنِّه وكرمه السَّلامة والعافية.


للمشاركة عبر الفيس بوك
__________________
[align=center]

[/align]
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 06-14-2016, 02:23 PM
الصورة الرمزية مصطفى طالب مصطفى
مصطفى طالب مصطفى مصطفى طالب مصطفى غير متواجد حالياً
الإدارة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 1,072
مصطفى طالب مصطفى is on a distinguished road
افتراضي رد: تسهيل دورة البناء العلمي

بسم الله الرحمن الرحيم


‫#‏الدرس‬ [12]


بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.


وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم بمنِّه وكرمه أن يجعلنا وإيَّاكم ممن إذا أُعطِيَ شكر، وإذا ابتُلِيَ صبر، وإذا أذنب استغفر، فإنَّ هذه الثلاث عنوان السعادة. اللهم آمين.


في هذا اللقاء وهو الدرس الثاني عشر من دروس البناء العلمي، والتي تُقدَّم من خلال هذه الدورة العلمية نتحدث -بإذن الله عز وجل- عن موضوعٍ أعتقد أنَّ كلَّ مَن يروم طلب العلم الشرعي ويقصده لابُدَّ أن يقرأ في هذا الموضوع، ولابُدَّ أن يبني فيه نفسه بناءً علميًّا سليمًا صحيحًا.

أيضًا من الصِّفات -وهي الصفة السادسة- صيانة العلم:
فالعلم مِنحةٌ إلهيةٌ من الله -عز وجل- تفضَّل بها عليك من بين كثيرٍ من البشر، إذن لابُدَّ أن تعرف هذه النِّعمة، وأن تعرف قدرها، وأن تحفظ كلام الله وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم.
فأنت قدرك عند الناس ليس في ذاتك؛ وإنَّما فيما تحمله من علمٍ، فيجب عليك أن تصُون العلم، وصيانتك للعلم من شعائر الله التي قال الله -عز وجل- عنها: ﴿وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ[الحج: 32].
يقول أحدُ العلماء: "دخلتُ على حماد بن سلمة وكان جالسًا في منزله، وكان فقيرًا -رحمه الله- يجلس على حصيرٍ، وقريب منه ماء؛ ليتوضأ به، ومصحفه، وكتبه، فدخل عليه رسولُ محمد بن سليمان الوالي، فكتب له رسالةً يقول فيها: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد بن سليمان إلى حماد بن سلمة، فقد طرأ لي أمرٌ فائتني من أجل أن أسألك عنه. فقلبَ الصفحة وقال: إلى محمد بن سليمان، مسَّاكَ الله بما مسَّى به أولياءه وأهل طاعته، فقد رأينا العلماءَ والناس يأتون إليهم، وهم لا يأتون إلى الناس، فإن عَنَّ لك أمرٌ فائتنا فأسأل عنه، وإذا أتيتني فلا تأتني بخيلك ورَجِلِكَ، فلا أنصح لك، ولا لنفسي، والسلام.
فأتى محمد بن سليمان فقرع الباب ودخل وجلس بين يديه، فقال له -رحمه الله تعالى: يا إمام، ما لي إذا وقفتُ بين يديك ارتعدتُ خوفًا منك؟ فقال: حدَّثنا فلانٌ عن فلانٍ عن فلانٍ قال -صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ العَالِمَ إِذَا أَرَادَ بِعِلْمِهِ وَجْهَ اللهِ هَابَهُ كُلُّ شَيءٍ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَكْنزَ بِعِلْمِهِ الكُنُوزَ هَابَ مِنْ كُلِّ شَيءٍ»".
فهذا نوعٌ من صيانة العلم ومعرفة فضله، وكما قال الأول:
يَقُولُونَ لِي فِيكَ انْقِبَاضٌ وَإنَّما *** رَأَوْا رَجُلاً عنْ مَوْقِفِ الذُّلِّ أَحْجَما
أَرَى النَّاسَ مَنْ دَانَاهُمُ هَانَ عِنْدَهُم *** وَمَنْ أَكْرَمَتْهُ عِزَّةُ النَّفْسِ أُكْرِمَا
وَلَم أَقْضِ حَقَّ العِلْمِ إِنْ كَانَ كُلَّمَا *** بَدَ مَطْمَعٌ صَيَّرتُه لِي سُلَّمَا
أَأَشْقَى بِهِ غَرسًا وَأَجْنِيه ذِلَّةً *** إِذَن فَاتِّبَاعُ الجَهْلِ قَدْ كَانَ أَحْزَمَا
أَرَى النَّاسَ مَنْ دَانَاهُمُ هَانَ عِنْدَهُم *** وَمَنْ أَكْرَمَتْهُ عِزَّةُ النَّفْسِ أُكْرِمَا
هذه بعض الآداب التي كنا نتمنى أن نتحدَّث عنها كثيرًا، لكن لعلنا -بإذن الله عز وجل- في لقاءاتٍ قادمةٍ نتحدث عن جملةٍ أخرى من الآداب التي يجب على طالب العلم أن يتحلَّى بها.

__________________
[align=center]

[/align]
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 09-27-2016, 08:46 PM
الصورة الرمزية مصطفى طالب مصطفى
مصطفى طالب مصطفى مصطفى طالب مصطفى غير متواجد حالياً
الإدارة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 1,072
مصطفى طالب مصطفى is on a distinguished road
Post رد: تسهيل دورة البناء العلمي

بسم الله الرحمن الرحيم






‫#‏الدرس‬ [13]




بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.




أيها الإخوة والأخوات، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.




وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم بمنِّه وكرمه أن يجعلنا وإيَّاكم ممن إذا أُعطِيَ شكر، وإذا ابتُلِيَ صبر، وإذا أذنب استغفر، فإنَّ هذه الثلاث عنوان السعادة . اللهم آمين .




لا زلنا نتحدث في هذه الدروس عن (البناء العلمي)، والذي من خلاله نريد أن نجمع بين أمرين:




- بين آدابٍ يجب على طالب العلم أن يُراعيها.

- وبين أسسٍ يجب على طالب العلم أن يسير عليها.




تحدَّثنا في الدرس الماضي عن مجموعةٍ من الآداب المُهمة التي يجب على طالب العلم أن يتحلَّى بها، وذكرنا لكم أنَّ طالب العلم يجب أن يكون مُتميزًا عن غيره، وهذا التَّميز ليس لأجل أمرٍ من أمور الدنيا لديه، ولكن صيانةً للعلم الذي شرَّفه الله -عز وجل- به، فيجب عليه أن يصون هذا العلمَ وأن يحفظه.




وكما ذكر ابنُ مسعودٍ -رضي الله عنه- حينما قال: "ينبغي لحامل القرآن أن يُعرَف بليله إذا الناسُ نِيام، وبنهاره إذا الناس مُفطِرون".




أمَّا إذا أصبحت بين الناس لا تُميز طالب العلم ولا العالم عن غيره، فإنَّ العلم لم يكن ولم يعد له أثرٌ في حياة طالب العلم.




ذكرنا لكم مجموعةً من الآداب، والآن نتواصل في بقية هذه الآداب:




• من هذه الآداب: ظهور أثر العلم:




فلابُدَّ أن يكون للعلم أثرٌ، فأنت حفظتَ القرآن؛ فأين خشوعك؟ وأين حضور قلبك؟ وأين خوفك من الله؟ وحينما تقرأ آيات الوعيد، أين بكاؤك؟ وأين رجاؤك؟




إذن لابُدَّ أن تختلف عن غيرك، يقولون أنَّ أم سفيان الثوري -رحمها الله، ورحم سفيان الثَّوري- قالت له: "يا بني، اذهب فتعلم العلم وأَعُولُك بمغزلي هذا، فإن وجدتَ في نفسك أثرًا فأكمل، وإلا فلا تتعنَّى". فإذا لم تجد فائدةً ولم تجد ثمرةً؛ فلا تتعنَّى في طلب العلم.




يقولون: أتى القاسمُ بن منيع إلى الإمام أحمد -رحمه الله- فقال: "يا إمام، أريد أن أطلب العلم على يد سُويد بن سعيد، فأُريدك أن تكتب لي كتابًا". وهذا مثل التَّزكية في زمننا، فكتب الإمامُ أحمد: "حاملها رجلٌ يكتب الحديث". فقال: "يا إمام، أُريدك أن تكتب: هو من أصحاب الحديث". فقال: "صاحب الحديث الذي يستعمله، وأنا لا أعرف هذا الأمر عنك".




إذن لابُدَّ أن يكون للعلم أثرٌ في حياة طالب العلم.




يقول الحسن -رحمه الله: "قد كان الرجلُ يطلب العلمَ فلا يلبث أن يُرى أثر العلم في سَمْته، وفي خشوعه، وفي لسانه، وفي هديه، وفي خوفه من الله -سبحانه وتعالى". وهذا معنى قولهم :"طلبنا العلمَ لغير الله فأبى العلمُ إلا أن يكون لله".




فالعلم الصحيح والعلم النافع هو الذي يدلُّ صاحبه على تقوى الله وطاعته.




• أيضًا من الآداب: أن يكون طالبُ العلم صادقًا:




والصدق أعني به هنا: الصِّدق في القول، فهو لابُدَّ أن يكون صادقًا في عمله، وفي حياته، وفي معاني الصِّدق المختلفة. لكن المراد بالصدق هنا: الصِّدق في القول؛ لأنَّه إذا طلب العلمَ يريد بعد هذا الطلب أن يُبلِّغه للناس، وحينما يُعرَف طالبُ العلم بالصدق؛ فإنَّ ذلك يكون له الأثر في القبول عند الناس.




والنبيُّ -عليه الصلاة والسلام- حينما دعا الناس؛ لم يكن لأحدٍ من المُشركين مَطْعَنٌ فيه؛ بل كانوا يقولون عنه: الصَّادق الأمين -عليه أفضل الصلاة وأتمُّ السلام.




• من الآداب أيضًا: التواضع:




يقول الله تعالى في كتابه: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ [الفرقان: 63]، فيجب على طالب العلم أن يكون من أكثر الناس تواضُعًا، وإلا فإنَّه يستجلب سخطَ الله، يقول -صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ قَدْ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا، وَلَا يَبْغِي أَحَدُكُمْ عَلَى أَحَدٍ».




وكما قال الأول:




تَوَاضَعْ تَكُنْ كَالنَّجْمِ لَاحَ لِنَاظِرٍ *** عَلَى طَبَقَاتِ المَاءِ وَهْوَ رَفِيعُ




وَلَا تَكُ كَالدُّخَانِ يَعْلُـو بِنَفْسِهِ *** عَلَى طَبَقَاتِ الجَـوِّ وَهْـوَ وَضِيعُ



فطالب العلم يجب أن يحمل هذا الخُلقَ العظيم، وهو خُلُق التَّواضُع.




فأولًا يجب على طالب العلم أن يتواضع لله، وأن يذلَّ وينكسِر بين يدي ربِّه ومولاه -سبحانه وتعالى- لأنَّه:




إِذَا لَمْ يَكُنْ عَوْنٌ مِنَ اللهِ لِلْفَتَى *** فَأَوَّلُ مَا يَقْضِي عَلَيْهِ اجْتِهَادُهُ



والإمام ابن تيمية -رحمه الله- كان يذهب في بعض القُرى فيُعَفِّر جبينه ووجهه في التُّراب؛ ليكسر الكبرَ والتَّعالي الذي قد يأتي إلى النفس، ويقول:




أَنَا المُكَدِّي وَابْنُ المُكَدِّي *** وَكَذَا كَانَ أَبِي وَجَدِّي



وكان يقول: "ما لي شيءٌ، ولا مني شيءٌ، ولا فيَّ شيءٌ"، وهذا التَّواضُع أكسبه الله -عز وجل- به رفعةً إلى يومنا هذا، فمَن منَّا لا يعرف ابن تيمية؟ ومَن منَّا ليس عيالًا على كتب ابن تيمية -رحمه الله تعالى؟ فما أجمل أن تتواضع لله، وأن تنكسر بين يدي ربك ومولاك.




فإذا استشعر طالبُ العلم هذا الذُّلَّ وهذا الفقرَ وهذه الحاجة في نفسه؛ فسيكون ذلك -بإذن الله عز وجل- عونًا له على وصوله لغايته وبغيته.




وابن القيم -رحمه الله- له كتابٌ نفيسٌ جدًّا اسمه "طريق الهِجرتين" تحدَّث فيه عن هذه المعاني العظيمة التي يجب على طالب العلم أن يسكبها في قلبه.




أيضًا من الآداب: التواضع للحقِّ: فإذا قلت قولًا وتبيَّن لك خطؤُه؛ فليس عيبًا أن تخرج للناس وتقول: إنَّ هذا خطأ. بل هذا من تفوق العالم، ومن خوفه من الله -سبحانه وتعالى.




والفُضَيل بن عِياض قيل له: ما هو التَّواضع؟ قال: "يخضع للحقِّ، وينقاد إليه، ويقبله ممن كان".




ترى بعض الناس يقول: أنا لا أقبل إلا من فلان. لا، أقبل الحقَّ ممن كان.




وإذا كان أبو هريرة -رضي الله عنه- استفاد الحقَّ من إبليس حينما أخبره بآية الكرسي، فكيف لا تستفيد الحقَّ من مسلمٍ قد يكون أقلّ شأنًا منك؟!




وابن شُبْرُمَة قال في مسألةٍ بقولٍ جانبٍ فيه الصواب، فقال له نوح بن درَّاجٍ: لقد جانبت الصواب، الحقُّ فيها كذا. فقال: صدقت. ثم قال:




كَادَتْ تَزِلّ بِنَا مِنْ حَالِقٍ قَدَمٌ *** لَولَا تَدَارَكَهَا نُوحُ بْنُ دَرَّاجِ



الحالق: هو الجبل الشامخ.






نكتفي بهذا القدر, وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى







__________________
[align=center]

[/align]
رد مع اقتباس
  #15  
قديم 09-27-2016, 08:57 PM
الصورة الرمزية مصطفى طالب مصطفى
مصطفى طالب مصطفى مصطفى طالب مصطفى غير متواجد حالياً
الإدارة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 1,072
مصطفى طالب مصطفى is on a distinguished road
افتراضي رد: تسهيل دورة البناء العلمي

بسم الله الرحمن الرحيم



#الدرس 14




الحمد لله ربِّ العالمين، الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على عبده المُصطفى، وآله وأصحابه ومَن اقتفى، وسلَّم تسليمًا كثيرًا مزيدًا إلى يوم الدين.




أمَّا بعد:




أيُّها الإخوة والأخوات، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وأسأل الله -عز وجل- أن يملأ حياتنا بالإيمان، وأن يُسعد أرواحنا بالقرآن، وأن يجعلنا من أتباع المصطفى -عليه أفضل الصلاة وأتمُّ السلام.




لا زلنا نتحدث في هذه الدروس عن (البناء العلمي)، والذي من خلاله نريد أن نجمع بين أمرين:




- بين آدابٍ يجب على طالب العلم أن يُراعيها.




- وبين أسسٍ يجب على طالب العلم أن يسير عليها.




تحدَّثنا في الدروس الماضية عن مجموعةٍ من الآداب المُهمة التي يجب على طالب العلم أن يتحلَّى بها، وذكرنا لكم أنَّ طالب العلم يجب أن يكون مُتميزًا عن غيره، وهذا التَّميز ليس لأجل أمرٍ من أمور الدنيا لديه، ولكن صيانةً للعلم الذي شرَّفه الله -عز وجل- به، فيجب عليه أن يصون هذا العلمَ وأن يحفظه.




والآن سنستكمل هذه الآداب.




• نقاء السَّريرة:




أن يكون قلبُ العبد صافيًا، ليس فيه غلٌّ ولا حقدٌ ولا حسدٌ، فالقلب الذي يتآمر على الله، ويتآمر على رسوله، ويتآمر على المسلمين؛ لا يستحقُّ أن يكون طالبَ علمٍ.




ولهذا يقول أحد العلماء وهو سهل بن عبد الله -رحمه الله: "حرامٌ على قلبٍ أن يدخله النورُ وفيه شيءٌ مما يكرهه الله".




"وفيه شيءٌ مما يكرهه الله" أي فيه حسدٌ، أو فيه حقدٌ، أو فيه خَبِيئة سُوءٍ، وهي المعاصي التي تحدث في الخَلَوات، والتي يفضحها الله -عز وجل- على رؤوس الأشهاد.




وَمَهْمَا تَكُنْ عِنْدَ امْرِئٍ مِنْ خَلِيقَةٍ *** وَإِنْ خَالَها تَخْفَى عَلَى النَّاسِ تُعْلَمِ




إذن حرامٌ على قلبٍ أن يدخله النورُ؛ وفيه شيءٌ مما يكرهه الله.




وقديمًا قالوا: "إذا عَلِقَ القلبُ فهو كالرَّهْنِ إذا أُغْلِقَ". فإذا علِقَ القلبُ بالذُّنوب والمعاصي أُغْلِقَ، مثل الرَّهن الذي يُغلَق على صاحبه.




ومن أعظم الأشياء التي يجب على طالب العلم أن يتجنَّبها: الحسد.




أيُعْقَل أن نتحدث عن الحسد ونحن نتحدث عن طلب العلم؟!




نعم؛ لأنَّ التنافس أحيانًا إذا لم يكن لله -عز وجل- يُولِّد العداوة، ويُولِّد الحسد، وحينما يتنافس اثنان تجد أنَّ بينهما من العداوة والحسد ما لا يعلم به إلا الله، وسيأتي معنا -بإذن الله عز وجل- حديثٌ عن هذا الأمر.




إذن يجب على طالب أن يُجنِّب قلبَه الحسد، قال معاوية -رضي الله عنه: "كلُّ الناس أقدر على إرضائه؛ إلا صاحب حسدٍ لا يُرضيه إلا زوال النِّعمة".




وقديمًا قالوا:




كُلُّ الْعَدَاوَاتِ قَدْ تُرْجَى إِمَاتَتُهَا *** إِلا عَدَاوَةُ مَنْ عَادَاكَ بِالحَسَدِ




وابن تيمية -رحمه الله- يقول: "ما يخلو جسدٌ من حسدٍ، لكن الكريم يُخْفِيه، واللَّئِيم يُظهره".







• أيضًا من الآداب: تجنُّب مجالس السُّفهاء:




فاعلم يا طالب العلم أنَّ الناس ينظرون إليك وأنت تحمل القرآن والسُّنة، فيجب أن تترفع عن مجالس السُّفهاء، وألا تكون في مجالس السُّفهاء، ولهذا كان العلماءُ ينهون عن أن يكون طالبُ العلم في "الهُوشات"، وهي الأماكن التي يحدث فيها خلافٌ وقيل وقال.




ومن هذا ما وقع لنصر بن علي الجَهْضَمِي، فكان له جارٌ طُفيلي، فإذا دُعِيَ نصر بن علي الجهضمي إلى مناسبةٍ أو إلى وليمةٍ ركب لركوبه، فالناس تُكرمه لإكرام الجَهْضَمي، فيومًا دعاه والي البصرة جعفر بن سليمان، فقال الجَهْضَمي: والله لئن أتى معي لأفضحنَّه هذه المرة. فلما ركب ليذهب لجعفر بن سليمان؛ ركب الطُّفيلي، فدخل إلى دار الأمير، وأُكرِمَ لإكرام الجهضمي، فقال وهو يجلس مع الأمير على مائدة الطَّعام: أيُّها الأمير، حدَّثنا دُرُسْت بن زياد قال: أخبرنا أبان قال: أخبرنا نافع عن ابن عمر -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم: «مَنْ مَشَى إِلَى طَعَامٍ لَمْ يُدْعَ إِلَيهِ دَخَلَ سَارِقًا، وَخَرَجَ مُغِيرًا». هو يقصد مَنْ؟ يقصد الطُّفيلي، لكن الطُّفيلي -وهو طفيلي تجد لديه من العلم ما ليس لدى البعض الآن- نظر إلى الجهضمي وقال: والله لقد استحييتُ من كلامك يا أبا عمرو، والله ما في هذا المجلس أحدٌ إلا ويظنّك تعنيه بهذا الكلام -فأخرج نفسه من القضية.




قال: لا يوجد أحدٌ في هذا المجلس إلا ويظنّك تعنيه بهذا الكلام، ولكن أين أنت من هذا الحديث: حدَّثنا فلان عن فلان قال -صلى الله عليه وسلم: «طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الِاثْنَينِ، وَطَعَامُ الِاثْنَينِ يَكْفِي الأَرْبَعَةَ». قال: فطأطأتُ برأسي واستحييتُ، فلمَّا خرجنا التفتُّ إليه فقال: أوتظنني أتركها؟!




وَمَن ظَنَّ مِمَّن يُلَاقِي الحُرُوبَ *** بِأَلا يُصَابَ فَقَدْ ظَنَّ عَجْزًا




فنصر بن علي الجهضمي أوقع نفسَه في هذا المأزق مع هذا الطُّفيلي السَّفيه الذي أحرجه أمام الأمير وأمام الناس.




إذن يجب على طالب العلم أن يتجنَّب مجالسة السُّفهاء، وليبتعد عنهم قدر الإمكان، وأن يُصاحِب مَن يستزيد منه علمًا وأدبًا وخُلُقًا، وأن يكون في أخلاقه وفي حياته على وَفْقِ سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم.







• من الأدب كذلك: التَّوازُن:




والتَّوازن في حياة طالب العلم مُهمٌّ جدًّا، كالتَّوازن في تلقِّيك للعلم، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لِبَدَنِكَ عَلَيكَ حَقًّا، وَلِرَبِّكَ عَلَيكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ».




فتحتاج إلى التوازن في الطلب، وتحتاج إلى التوازن في التَّعامل، وتحتاج إلى التوازن في المشاعر. فهذه ثلاثة أشياء:




- توازن في طلب العلم، فلا تطلب العلمَ وتُهمِل نفسَك، أو تُهْمِل أهل بيتك، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- هو إمام الأوَّلين والآخرين، وكان مُتزوِّجًا، وله أسرةٌ، وله بناتٌ، وكان -عليه الصلاة والسلام- قادرًا على أن يجمع بين هذه الأمور جميعًا.




- والتَّوازن في التَّعامل مع الناس.




- وكذلك التَّوازن في المشاعر، وقد جاء في الأثر: "إذا أحببتَ حَبيبَك يومًا ما فأَحْببه هونًا ما؛ عسى أن يكون بَغِيضَك يومًا ما، وإذا أَبْغَضتَ بغيضَك يومًا ما فأبغِضْه هونًا ما؛ عسى أن يكون حبيبك يومًا ما".




والنبي -عليه الصلاة والسلام- كان يُحب في الزِّيارة أن تكون مُتفرقةً وليست مُتواصلةً؛ حتى يكون هناك توازنٌ في الناس، فالإقبال مشكلة، والإعراض مشكلة، وتذكرون أننا تحدَّثنا عن وصية الشافعي ليونس، حيث قال له: "يا يونس، لا تنقبض عن الناس فتكسب عداوتهم، ولا تنبسط فتجلب قُرناء السُّوء". فإذا انبسط الإنسانُ مع الناس وبدأ بالدُّعابة والمِزَاح؛ يجتمع قُرناء السُّوء، "ولكن كن بين الانقباض والانبساط".




نكتفي بهذا القدر, وإلى لقاء قادم إن شاء الله.

__________________
[align=center]

[/align]
رد مع اقتباس
  #16  
قديم 09-27-2016, 08:59 PM
الصورة الرمزية مصطفى طالب مصطفى
مصطفى طالب مصطفى مصطفى طالب مصطفى غير متواجد حالياً
الإدارة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 1,072
مصطفى طالب مصطفى is on a distinguished road
افتراضي رد: تسهيل دورة البناء العلمي

بسم الله الرحمن الرحيم


#الدرس 15

الحمد لله ربِّ العالمين، الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على عبده المُصطفى، وآله وأصحابه ومَن اقتفى، وسلَّم تسليمًا كثيرًا مزيدًا إلى يوم الدين.

أمَّا بعد:


أيُّها الإخوة والأخوات، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وأسأل الله -عز وجل- أن يملأ حياتنا بالإيمان، وأن يُسعد أرواحنا بالقرآن، وأن يجعلنا من أتباع المصطفى -عليه أفضل الصلاة وأتمُّ السلام.


لا زلنا نتحدث في هذه الدروس عن (البناء العلمي)، والذي من خلاله نريد أن نجمع بين أمرين:

- بين آدابٍ يجب على طالب العلم أن يُراعيها.

- وبين أسسٍ يجب على طالب العلم أن يسير عليها.

تحدَّثنا في الدروس الماضية عن مجموعةٍ من الآداب المُهمة التي يجب على طالب العلم أن يتحلَّى بها، وذكرنا لكم أنَّ طالب العلم يجب أن يكون مُتميزًا عن غيره، وهذا التَّميز ليس لأجل أمرٍ من أمور الدنيا لديه، ولكن صيانةً للعلم الذي شرَّفه الله -عز وجل- به، فيجب عليه أن يصون هذا العلمَ وأن يحفظه.

• ومن الآداب أيضًا: ألا تتعجَّل الفُتيا:

فبعض الناس لديه حرصٌ على الفُتيا بشكلٍ غير طبيعيٍّ، مع أنَّ الصحابة -رضوان الله عليهم- وهم أعلم الناس بهذا الدين لم يكونوا يتدافعون على الفُتيا.

يقول عُمَير بن سعيد -رحمه الله: "أتيتُ إلى علقمة فسألته عن مسألةٍ فقال: ائتِ عبيدة. فذهبت إلى عبيدة وقلت: ما حكم كذا؟ قال: ائتِ علقمة. قلت: هو أرسلني إليك. قال: ائت مسروقًا. فذهبت إلى مسروقٍ فقلت: ما رأيك في المسألة؟ قال: ائت علقمة. قلت: ذهبتُ إلى علقمة، وعلقمة أرسلني إلى عبيدة، وعبيدة أرسلني إليك. قال: اذهب إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى. فذهبت إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى فكأنَّه كره المسألةَ أيضًا، فعدتُ إلى علقمة فقلت: ما لكم؟ قال: كانوا يقولون: أجرؤكم على الفُتيا أقلُّكم علمًا".

والإنسان حينما يستشعر عظمة الفُتيا، وأنَّه قد يُوقِع الناسَ في خطأ -لا قدَّر الله- يعرف عند ذلك عظمة هذا الأمر، قال تعالى: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ﴾ [النحل: 116]، فحينما يُسأل الإنسانُ عن مسألةٍ لا بأسَ أن يُجيب إذا كان يعرف، وإن وجد غيرَه فالأفضل أن يدفع بها إلى غيره.

يقول العلماء: "سرعة الجواب على السؤال أشدّ من فتنة المال".

فبعض الناس عنده شغفٌ ويُحبُّ أن يكون سريعًا في الإجابة، وسريعًا في تقبُّل السؤال، ويرى أنَّ هذا دليلٌ على فهمٍ وحفظٍ وعلمٍ، لكن هذا فتنة للإنسان؛ لأنَّه قد يقع في الزَّلل وهو لا يشعر، وحينما تُوقِع الناسَ في الزَّلل وتُوقِّع عن ربِّ العالمين فقد اقترفت خطأً كبيرًا، وابن القيم له كتاب "إعلام المُوقِّعين عن ربِّ العالمين"، يقول فيه: "إذا كان مَن يُوقِّع عن الملوك بالمحل الكبير، فكيف بمَن يُوقِّع عن ربِّ العالمين؟!". فأنت تقول للناس: هذا حكم الله، وهذا حكم رسوله -صلى الله عليه وسلم.

ذكر العلماءُ قصَّةً تدلُّ على تسارع البعض إلى الجواب عن المسألة دون تَرَوٍّ، يقولون: رجلٌ عاش في باديةٍ، فقال له والده: كلما سُئِلتَ عن مسألةٍ فقل: فيها قولان، وبالفعل فيها قولان: حلال وحرام، وفيها قولان: يجوز ولا يجوز. فجعل الناسُ يشكُّون في أمره، فقال له أحد الناس سريعًا: يا شيخ، أفي الله شكٌّ؟ قال: فيها قولان! لماذا؟ لأنَّه اعتاد على هذه المسألة دون علمٍ ودون رويَّةٍ.

ويذكرون أنَّ رجلًا كان يجلس للناس يُعلِّمهم اللغة العربية، وكلما سُئل عن كلمةٍ قال: نعم، والعرب يعرفون هذه الكلمة، ويبدأ يستدلُّ بأبياتٍ من الشعر.

فقال بعضُ الناس: نُريد أن نجمع كلمةً لا نعرفها نحن. وكانوا ستةً، فقال كلُّ واحدٍ منهم حرفًا واحدًا.

فقال الأول: خاء. وقال الثاني: نون. وقال الثالث: فاء. وقال الرابع: شين. وقال الخامس: ألف. وقال السادس: راء.

فأصبحت "خُنْفُشَار"، فذهبوا إلى هذا الرجل وقالوا له: ما معنى كلمة "خُنفشار"؟ فقال ولم يتروَّ: الخُنْفُشَار هو: نباتٌ طيبٌ بأرض اليمن، إذا وُضِعَ على الحليب راب، والعرب تعرف هذا. ثم قال:


لَقَدْ عَقَدَتْ مَحَبَّتُكُمْ فُؤَادِي *** كَمَا عَقَدَ الحَلِيبَ الخُنْفُشَارُ

فاكتشفوا أنَّه يكذب، وأنَّه يقول ما لا يعلم. ولهذا يقولون: لا تكن خُنْفُشَارِيًّا.

من الآداب كذلك -وهو الأدب الأخير: التَّهيُّؤ للعلم بالعبادة


أن نتهيَّأ للعلم بالعبادة، فالعلم عبادةٌ تتقرب بها إلى الله، فإذا أردت ثمرةَ العلم، وإذا أردت أن تشعر بلذته؛ فتهيَّأ له بالعبادة، واجعل له قلبًا صافيًا، واجعل له لسانًا ذاكرًا، واجعل له سمعًا لا يسمع إلا إلى ما أباح الله، واجعل له نظرًا لا تستخدمه إلا في طاعة الله، وهيِّئ حياتك للعلم الشرعي بشكلٍ إيجابي.

ولهذا يقول العلماءُ: "كانوا يتهيَّؤون للعلم بالعبادة، وكان أحدُهم قبل أن يكتب الحديثَ يتعبَّد الله -عز وجل- عشرين سنةً".


للعبادة أثرٌ عظيمٌ في حياة طالب العلم. لماذا؟

لأنَّ الله -عز وجل- يقول: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾ [محمد: 17]، فبقدر قُربك من الله بقدر ما يفتح الله -عز وجل- عليك من أنواع العلم، ومن أنواع المعارف.

هذه جملةٌ من الآداب التي يجب على طالب العلم أن يُراعيها، وكما ذكرتُ لكم سابقًا أنَّ طالب العلم بحاجةٍ إلى أن يقرأ كثيرًا، خاصَّةً في آداب الطلب؛ ليُقدِّم صورةً ونموذجًا حسنًا عن العلم وأهله، ويكون كما كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- فقد كان خلقُه القرآن، فطالب العلم أيضًا بحاجةٍ إلى أن يكون خلقُه القرآن.


__________________
[align=center]

[/align]
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
البناء, العلمي, تسهيل


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع الأقسام الرئيسية مشاركات المشاركة الاخيرة
المنهج العلمي من موقع أنا سلفي مصطفى طالب مصطفى طريقك الى طلب العلم الشرعي 0 05-17-2017 03:32 PM
تفريغ دورة البناء الفكري أسسه وقوانينه, للشيخ سلطان العميري (التفريغ لم يراجعه الشيخ) مصطفى طالب مصطفى الميديا الإسلامي 0 03-19-2017 08:15 AM
جدول برنامج التأصيل العلمي بمراجعة الشيخ د محمد هشام الطاهري. مصطفى طالب مصطفى طريقك الى طلب العلم الشرعي 0 02-09-2016 06:38 PM
كل شيئ تريد معرفته عن دورة موقع البناء العلمي مصطفى طالب مصطفى خدمات دعوية متنوعة 3 10-20-2015 07:55 PM

*** مواقع صديقة ***
للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب
 كل حصري   حرب الإغريق   تركيب اثاث ايكيا   يلا شوت   شركة سياحة في روسيا   بنشر متنقل   شركة تصميم مواقع   مساج بالرياض   شركة تنظيف خزانات بجدة   شركة نقل عفش بجدة   شركة مكافحة حشرات بالرياض   شركة مكافحة صراصير بالرياض   شدات ببجي   شدات ببجي اقساط   شدات ببجي   شدات ببجي تابي   شدات ببجي اقساط   شدات ببجي اقساط   شدات ببجي اقساط   شدات ببجي   شدات ببجي تابي   مجوهرات يلا لودو   شحن يلا لودو   ايتونز امريكي   بطاقات ايتونز امريكي   شدات ببجي تمارا   شدات ببجي اقساط 
 شركة تنظيف منازل بخميس مشيط   شراء سيارات تشليح   شركة تنظيف افران   صيانة غسالات الدمام   صيانة غسالات ال جي   صيانة غسالات بمكة   شركة صيانة غسالات الرياض   صيانة غسالات سامسونج   تصليح غسالات اتوماتيك   شركة مكافحة حشرات   شركة عزل خزانات بجدة   يلا شوت   اهم مباريات اليوم   يلا شوت   تنظيف منازل   شراء اثاث مستعمل   شركة تنظيف منازل بالرياض   نقل عفش الكويت   زيادة متابعين تيك توك حقيقيين   دكتور مخ وأعصاب   يلا شوت   يلا شوت   يلا لايف   yalla shoot   شركة تنظيف مكيفات بجدة   عزل فوم بالرياض   شركة عزل اسطح بالرياض 
 الحلوى العمانية   Yalla shoot   اشتراك كاسبر الرسمي   شركة تنظيف مكيفات بالرياض   شركه تنظيف بالرياض   شركة حور كلين للتنظيف   شركة نقل عفش بالرياض 
 تركيب مظلات حدائق   تركيب ساندوتش بانل   مظلات وسواتر   تركيب مظلات سيارات في الرياض   تركيب مظلات في الرياض   مظلات وسواتر 
 اشتراك كاسبر   kora live   social media free online tools   كشف تسربات المياه بالرياض و شركة عزل خزانات المياه بالرياض  شركة تنظيف بالطائف || شركة تنظيف خزانات بالطائف || شركة تنظيف بالبخار بالطائف || شركة مكافحة حشرات بالطائف
اشتراك كاسبر
شركة تنظيف مكيفات بالرياض || عالم التقنية والربح من النت || شراء اثاث مستعمل بالرياض || شقق تمليك ||
لباد فندقي || بيوت جاهزة || كورة اون لاين ||| kora online ||| شركة حراسات أمنية || ترجمة معتمدة في جدة
 كشف تسربات المياه   شركة تنظيف منازل   نقل اثاث بالرياض   شراء اثاث مستعمل بالرياض   نقل اثاث   كشف تسربات المياه   شركة تنظيف بالرياض   شركة عزل اسطح   عزل اسطح بالرياض   شركة عزل اسطح بجدة   كشف تسربات المياه بالرياض   شركة عزل خزانات بالرياض   كشف تسربات المياه بالخرج   تنظيف خزانات بالرياض   مكافحة حشرات بالرياض   شركة عزل اسطح بالرياض   كشف تسربات المياه بالدمام   كشف تسربات المياه بالرياض   شركة عزل خزانات بالرياض   شركة عزل فوم   كشف تسربات المياه   عزل خزانات بالاحساء   شركة نقل اثاث بالرياض   نقل عفش بالرياض   عزل اسطح   شركة تنظيف بالرياض   شركات نقل الاثاث   شركة تنظيف منازل بجدة   شركة عزل فوم   شركة عزل خزانات بالرياض   شركة تنظيف خزانات بالرياض   شركة تخزين اثاث بالرياض   شركة تنظيف مكيفات بخميس مشيط   شركة تنظيف مكيفات بالرياض   شركة عزل اسطح   كشف تسربات المياه بالرياض   شركة كشف تسربات المياه   شركة نقل اثاث بالرياض   شركة عزل اسطح بجدة   شركة عزل اسطح   عزل خزانات   شركات عزل اسطح بالرياض   شركة عزل خزانات المياه   شركة تنظيف فلل بالرياض   كشف تسربات المياه بالدمام   شركة عزل اسطح بجدة   عزل خزانات بالاحساء   عزل فوم بالرياض   عزل اسطح بجدة   عزل اسطح بالطائف 

للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب

معلوماتي || شركة نقل عفش بالمدينة المنورة


الساعة الآن »06:33 PM.


Powered by vBulletin Copyright ©2000 - 2024 Jelsoft Enterprises Ltd
انشر تؤجر, جميع الحقوق محفوظة لموقع رحيق الشباب