أنت تسأل والقرآن يُجيب: أين قال المسيح أنا الله فاعبدوني

[مصطفى طالب مصطفى]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:

لقد خلق الله الخلق لعبادته حيث قال ﷻ: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]

ولتحقيق العبادة على الوَجه المطلوب شَرعاً ولإقامة الحجة على العِباد, أرسل الله الرُّسل وانزل الكُتُب، ولكن الشيطان للإنسان بالمرصاد, يريد أَن يضله عن التَمَسُّكِ بالكتاب, وأن يكون معه في النار, قال تعالى: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً [النساء:89]

وبالفعل فقط أغوى إبليس ضعاف النفوس ممن غرَّتهم زينة الحياة الدنيا وطمعوا بملذَّاتها الفانية, فصدوا عن سبيل الله، فما كان من عدل الله إلا أن يُرسل الرَّسول تلو الرَّسول رحمة من الله بخلقه الصادقين المخدوعين واقامة للحجة وإزالة لبطش الجبارين في الأرض ظلماً وعلواً, قال تعالى: ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى [المؤمنون: 44]

وكان الشيطان الرجيم يحاول دائماً إغواء هذه الثلة المؤمنة بالنبي المُرسَل من الله فكان منهم من يقع في غلو بمحبة نبيه حتى يصل بهم مع الوقت بالتدرج الشيطاني إلى عبادته محبة به ومحبة بالله, فسلكوا الطُرُق الباطلة التي بزعمهم توصلهم لرضى الله، مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3]

فأصبح الناس ثلاث أقسام:

1- قسم جفى حق الرسول فكفر به وحاربه

كإنكار اليهود لنبوَّة عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام, وإنكار النصارى نبوَّة محمد صلى الله عليه وسلم

2- وقسم غلا بحق الرسول حتى عبده من دون الله

كطائفة من اليهود عبدوا العُزير, وكالنصارى عبدوا المسيح, قال تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [التوبة: 30]

3- وقسم آمن بحق واتبع الرَّسول

وهم المسلمون قال تعالى: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران: 68]

فمن تدرج الشيطان في إغواء بني الإنسان, ما فعله في النصارى, حيث اعتقدوا أولاً كما قال بولس أن المسيح بشر من البشر ولكنه لصلاحه المطلق فقد صالح البشرية مع الله والتي وقعت منذ آدم[1]، وهو الشفيع عند الله لمكانته[2], وهو الوسيط بين الله والخلق[3], ثم بعد ذلك آمن النصارى أنه ابن لله والعياذ بالله لمكانته عند الله عز وجل فجعلوا له نصيباً من الإلوهية فهو من جوهر ابيه الإلهي فصار المسيح اله حق كامل مع الله الاب والروح القدس

ولا زال المسلمون قديماً وحديثاً يُطالبون النصارى بنصوص واضحة مُحكَمة لا تقبل التأويل, يصرِّح فيها المسيح أنَّه الله أو قال اعبدوني وهو القائل أنا كلمت الناس علانية[4]

وما زال النصارى يستدلون على اعتقادهم بنصوص يحمِّلونها ما لا تحتمل لإثبات ألوهية المسيح ﷺ فتارة يقولون أنه فعل المعجزات إذا هو الله او ألغى السبت فهو صاحب الشريعة أو وضح أن له مكانة رسولية أرفع من البشر فظنوا أنه يدعي ألوهيته بها

وكل ذلك لأنهم ورثوا دين آباءهم الذي هم أصلاً اخترعوه لكي يأكلوا أموال الناس بالباطل من خلال الرهبنة, والتي كنزوا بها الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله, كذا لقضايا سياسية كما هي الحال مع قسطنتين الوثني, والأمر الذي لا مِرية فيه هو دخول المنافقين لإفساد دين الله الحق فهم قد صادهم ابليس في فخاخه بل بعضهم قد صار من افراخه يدعوا الى عبادة الاوثان فالمال والنفس وباللسان.

إجابة القرآن الكريم

وللإجابة على السؤال الذي يُؤرِق مضاجع النصارى, نقول: المسيح ﷺ لم يدعي الالوهية ولم يأمر الناس بعبادته بل لا ينبغي له ذلك وهو رسول رب العالمين والداعي الى جنات النعيم القائل توبوا فانه قد اقترب ملكوت السماوات

قال تعالى: مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ [آل عمران: 79]

فالمسيح لم قل أبداً أنا الله أو قال اعبدوني لأنه رسول من عند الله عزَّ وجلَّ ولا يجوز أَن يَنسُب لنفسه ما انفرد به الله عز وجل فهو القائل في يوم القيامة عندما وَبَّخ الله عابِديه بسؤاله أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين؟

لم يقل لا ... بل قال[5]: سُبْحَانَك [المائدة: 116]

وقال تعالى على سبيل الإفتراض في بيان عبودية الأنبياء والملائكة لله وخضوعهم له: وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [الأنبياء : 29]
--------
1 يقول بولس: (الفانديك)(الرسالة الى رومية)(Rom-5-12): من اجل ذلك كأنما بانسان واحد دخلت الخطية الى العالم وبالخطية الموت وهكذا اجتاز الموت الى جميع الناس اذ اخطأ الجميع.
(الفانديك)(الرسالة الى رومية)(Rom-5-15):ولكن ليس كالخطية هكذا ايضا الهبة.لانه ان كان بخطية الواحد مات الكثيرون فبالأولى كثيرا نعمة الله والعطية بالنعمة التي بالانسان الواحد يسوع المسيح قد ازدادت للكثيرين.
2 (الفانديك)(رسالة يوحنا الأولى)(Jn1-2-1):يا اولادي اكتب اليكم هذا لكي لا تخطئوا.وان اخطأ احد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار.
3 (الفانديك)(الرسالة الأولى الى تيموثاوس)(Tm1-2-5):لانه يوجد اله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الانسان يسوع المسيح
4 (الفانديك)(انجيل يوحنا)(Jn-18-20):اجابه يسوع انا كلمت العالم علانية.انا علّمت كل حين في المجمع وفي الهيكل حيث يجتمع اليهود دائما.وفي الخفاء لم اتكلم بشيء
5 قال تعالى: وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ [المائدة: 116]