للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
موسوعة دليل المسلم
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته تمهيد: الإسلام هو الاستسلام والانقياد والطاعة والخضوع والامتثال لمن شرع هذا الدين وأمر باتباعه، حتى يستقر حبه في قلب المسلم، وهو تنقية وتصفية للقلب من الشرك والكفر بجميع صوره ومعانيه، حتى تنخلع شوائبه من قلب المسلم، كما بين النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار. متفق عليه. وخلق الله سبحانه الإنسان وجعله يميل إلى كل ما فيه خير ومنفعة، وينفر من كل شر ومفسدة، فتراه يميل بطبعه إلى الطيب من المطعم والمشرب، وينفر من الخبيث الضار، وتراه يميل إلى أصحاب الأخلاق الكريمة، وينفر من أصحاب الأخلاق القبيحة، وجعل قلبه مؤهلاً لقبول الحق والدين، إلا إذا جاءت مؤثرات خارجية تصرفه عن دين الإسلام ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه. متفق عليه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا. أخرجه مسلم. وقد أرسل الله تعالى الرسل من أجل دعوة واحدة وهي الدعوة إلى التوحيد فقال سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25] فدعوة الأنبياء هي الدعوة إلى الإسلام، قال تعالى عن نوح: وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس: 72]، وقال عن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام: رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ [البقرة: 128]، وقال في وصية يعقوب عليه السلام لأبنائه :أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ. [البقرة: 133]، وقال عن يوسف: تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ [يوسف: 101]، وقال عن لوط عليه السلام: فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ [الذاريات: 36]، وقال عن موسى عليه السلام: إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ [يونس:84]، وقال عن حواري عيسى عليه السلام: فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ] آل عمران: 52] فما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وما بعث به الأنبياء السابقون يخرج من مشكاة واحدة، مشكاة الوحي الإلهي الذي أفاض على البشرية أنوار الهداية والسعادة. يقول الله عز وجل: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ [آل عمران:144]، ويقول سبحانه: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ [آل عمران[19:، ويقول تعالى: قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ [الأحقاف:9] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ. متفق عليه. أي اتفقوا في التوحيد واختلفوا في فروع الشرائع والإخوة لعلات هم الإخوة لأب من أمهات شتى. والأديان السماوية جميعها منزلة من عند الله تعالى، تتفق في أصولها، وتختلف في فروعها، قال تعالى: شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ ]الشورى:13] فكل الرسالات السماوية تدعو إلى الإيمان بالله وتوحيده ونبذ عبادة الطاغوت، أما الأحكام فإن الرسالات السماوية لكل منها شرعةً ومنهاجاً قال تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا [المائدة:48] فالصلاة والصيام مأمور بهما في الشرائع كلها ولكن تختلف كيفيتهما من شريعة إلى شريعة، ولما كان دين الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأديان، جعل الله تعالى القرآن مهيمنا على غيره من الكتب السماوية السابقة، قال تعالى: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ [المائدة:48] ولذلك تكفل الله تعالى بحفظ هذا الدين من التحريف والتبديل والتغيير إلى قيام الساعة: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9ٍ] ويجب على كل من سمع بالإسلام أن يؤمن به، ومن لم يؤمن به ويتبعه لا يوصف بأنه مسلم قال صلى الله عليه وسلم: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ. أخرجه مسلم |
#2
|
||||
|
||||
أركان الإسلام الخمس
مقدمة يقوم الإسلام على خمسة أركان، جاء ذكرها في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان. أخرجه البخاري ومسلم الركن الأول شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله الشهادة هي الركن الأول من أركان الإسلام؛ وهي عنوان الدخول في الإسلام، فلابد لمن أراد الدخول في الإسلام أن ينطق بها، قال الله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [النور:62] وكلمة "لا إله إلا الله" هي سبيل السعادة في الدارين فبالتزامها النجاة من النار وبعدم التزامها البقاء في النار، وبها تثقل الموازين ولأجلها خلقت الدنيا والآخرة، والجنة والنار. وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على أهميتها وفضلها؛ قال تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران:18] وقال تعالى :فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد:19] وقال تعالى: وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران:62] وقال تعالى: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ [المؤمنون[91:، وقال تعالى: قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا [الإسراء:[42 ومعنى "شهادة أن لا إله إلا الله"، أي لا معبود بحق إلا الله، فهي تنفي عبادة ما سوى الله عز وجل، وتثبتها لله وحده لا شريك له. لذا كانت هذه الكلمة عنوان الإسلام وشعاره، ومفتاح الدخول فيه؛ لأنها تعني أن الإنسان يقر بطاعة الله، وينقاد لعبوديته، ويتبرأ من عبادة ما سواه، ويعتقد أن من عبد غيره فهو على باطل، قال الله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [الحج:62] وشهادة أن محمدا رسول الله تتضمن ثلاثة أمور مهمة، وهي: أولا: الإقرار بأن الله أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق بشيراً ونذيراً إلى الناس كافة، يدعوهم إلى عبادة الله وحده، ونبذ الشرك والكفر، قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا [سبأ:28] ثانيا: وجوب تصديق النبي محمد صلى الله عليه وسلم في كل ما أخبر به؛ لأنه وحي من الله، كما قال تعالى: وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم: 3-4] ثالثا: وجوب طاعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في كل ما أمر به، واجتناب كل ما نهى عنه وزجر؛ لأنه مبلغ عن الله، والله أمر بطاعته، قال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا [الحشر:7] الركن الثاني الصلاة الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، وبها يعرف المطيع من العاصي، ويفرق بين الكافر والمسلم، لذلك قال عليه الصلاة والسلام: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر .رواه أحمد والترمذي والنسائي وهو حديث صحيح. وهي صلة بين العبد وربه، وأول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، ولذا كانت أمرا مفروضا من الله تعال: إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا [النساء:103] ولأهميتها وشرفها وفضلها، وعظيم قدرها، فقد فرضها الله تعالى في السماوات العلى. وقد أمر لله بإقامتها والمحافظة عليها في آيات عديدة؛ كقوله: وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43] وقال: حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ [البقرة 238]. وإقامتها تكون بتأديتها بإخلاص وخشوع وحضور قلب، مع مراعاة شروطها وأركانها وواجباتها وسننها، فمن أداها بهذه الصفة حاز على الفضائل الجمة، والعطايا الكثيرة. الركن الثالث إيتاء الزكاة تحتل الزكاة في الإسلام مكانة رفيعة، ومنزلة سامية، ومرتبة عالية، فهي ركن من أركانه الأساسية، وشعيرة من شعائره العظيمة؛ لحديث ابن عمر المشهور: بُني الإسلام على خمس... وذكر منها: وإيتاء الزكاة [رواه البخاري ومسلم]. وقد ذكرت في القرآن ثلاثين مرّة، وقرنت مع الصلاة في سبع وعشرين مرة، منها قوله: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [النــور:56] وهي فريضة أوجبها الله تعالى في مال الغني، إذا توفرت شروطها المعروفة، قال تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا [التوبة 103]، وقال صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حينما أرسله إلى اليمن: فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم. رواه البخاري ومسلم فمن أداها طيبة بها نفسه نال الأجر والثواب من الله تعالى، وفاز برضوانه، وبورك له في ماله، ومن امتنع عن أدائها، أو تهاون في إخراجها فهو آثم، وأما من أنكر وجوبها فقد كفر بالله تعالى. الركن الرابع صوم رمضان صيام شهر رمضان فرض بنص الكتاب والسنة وإجماع المسلمين، قال تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] وقال: فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [185] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: بني الإسلام على خمس, وذكر منها: وصوم رمضان. رواه البخاري ومسلم وأجمع المسلمون على أن صيام رمضان فرض، وأنه أحد أركان الإسلام، فمن أنكر فرضيته كفر، إلا أن يكون ناشئاً في بلاد بعيدة، لا يعرف فيها أحكام الإسلام فيُعرَّف بذلك، ثم إن أصر بعد إقامة الحجة عليه كفر، ومن تركه تهاوناً بفرضيته فهو على خطر عظيم. وقد شرع الله الصوم لغايات عظيمة، وأهداف نبيلة، ومن أهمها: تحقيق تقوى الله، ومراقبته، والإخلاص له، والانتصار على النفس الأمارة بالسوء، وما أشبه ذلك الركن الخامس حج بيت الله الحرام الحج أحد أركان الإسلام، ومبانيه العظام، ودعائمه الخمس، وفرض من فروضه؛ دل عليه الكتاب والسنة والإجماع، وهو فرض عين على المكلف المستطيع مرة واحدة في العمر، ومن أنكر ذلك فقد كفر إلا إذا كان حديث عهد بالإسلام، أو نشأ في بلد بعيدة عن العلم وأهله، قال تعالى: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً[آل عمران:97]. وحديث: بُني الإسلام على خمس, وذكر منها: وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً. رواه البخاري ومسلم وقال صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا. رواه مسلم وأجمع العلماء على فرضية الحج وأنه ركن من أركان الإسلام. وقد شرع الحج لغايات عظيمة، ومقاصد سامية؛ منها: تحقيق التوحيد، والولاء والبراء، وتعظيم حرمات الله وشعائره، وتحقيق الأخوة الإسلامية، والتخلق بأخلاق الإسلام النبيلة، والابتعاد عن الأخلاق الذميمة. |
#3
|
||||
|
||||
أركان الإيمان
أركان الإيمان
مقدمة أركان الإيمان ستة، لقوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} [البقرة: 177] وقوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49] وفي حديث جبريل الطويل أن جبريل عليه السلام سأل النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، فأجابه عليه الصلاة والسلام بقوله: ((أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره)) [رواه البخاري ومسلم]. ومن لم يؤمن بها جميعاً فهو كافر،لأن الذي يؤمن ببعض الشريعة ويكفر ببعضها فهو كافر بالجميع، والذي يؤمن ببعض الرسل ويكفر ببعضهم كافر بالجميع، كما قال الله تعالى موبخاً بني إسرائيل: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ} [البقرة (85)]. وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} [النساء (150-151)] فبين الله تعالى أن هؤلاء الذين يؤمنون ببعض الرسل دون بعض هم الكافرون حقاً. الركن الأول : الإيمان بالله الإيمان بالله: هو أصل الأصول، وأول واجب على العبيد، وهو أول ركنٍ من أركان الإيمان الستة. فالإيمان لغة: هو الإقرار بالشيء عن تصديقٍ به؛ قال تعالى حكاية عن إخوة يوسف: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ}[يوسف: 17]. واصطلاحًا: هو الإيمان بما يختص به الله من الربوبية والألوهية والأسماء والصفات، وهو قولٌ باللسان، واعتقاد بالقلب، وعملٌ بالجوارح والأركان، يَزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية. الإيمان شرط لصحة وقبول الأعمال: من شروط قبول العمل عند الله الإيمان به، قال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ} [الأنبياء (94)] وقال: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} [النساء (124)] وقال: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} [الإسراء (19)]. فالمشرك لا يقبل الله تعالى منه عملاً؛ فلا يقبل الله منه صلاة ولا صياماً ولا غيرها من صالح الأعمال، قال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان (23)] وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر (65)] وفي سورة النور صوَّر الله لنا عمل هؤلاء الكفار، فقال: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ * أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}[النور (39، 40)]. فهذه الأعمال لما افتقدت نور الإيمان صارت هباء منثوراً؛ لهذا يجب أن يتحقَّق شرط الإيمان بالله خالق هذا الكون لكي يقبل العمل، أما إذا لم يكن المرء مُعترفًا بالله فكيف يكافئه؟ كيف تطلب من مَلِكٍ أن يكافئك وأنت غير معترف بملكه؟! والإيمان بالله يتضمن أموراً وهي: أولا: الإيمان بانفراده بالربوبية: بأن نؤمن بأنه سبحانه المتفرد بالخلق والملك والتدبير. أما إفراده بالخلق: فبأن يعتقد الإنسان أنه لا خالق إلا الله؛ قال تعالى -: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[الأعراف: 54]. أما إفراده بالمُلك: بأن نعتقد أنه لا يملِك الخلقَ إلا خالقُهم سبحانه؛ قال تعالى: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[آل عمران: 189]. أما إفراده بالتدبير: فهو أن يعتقد الإنسان بأنه لا مدبِّر لهذا الكون إلا الله وحده؛ كما قال تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ}[يونس: 31 - 32]. ثانياً: الإيمان بانفراده بالألوهية: بأن نؤمن بأنه سبحانه هو المستحق للعبادة وحده دون سواه، فنصلِّي لله، ونزكِّي لله، ونَنذِر لله، ونتوكَّل على الله، ونستعين بالله، وندعو الله وحده لا شريك له، فلا نصرف عبادات من العبادات لغيره سبحانه وتعالى. ثالثاً: الإيمان بأسمائه وصفاته: بأن نؤمن بكل اسمٍ سمَّى اللهُ به نفسَه؛ في كتابه، أو على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - في السنَّة الصحيحة، وأن نعتقد بأنه سبحانه وتعالى له الأسماء الحسنى والصفات العلى، فهو سبحانه المتصف بصفات الكمال المنزه عن صفات النقص، لا يماثله في صفاته أحد من خلقه، (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير). وهذه الأمور الثلاثة التي يتضمنها الإيمان بالله هي أقسام التوحيد وسيأتي تفصليها. الركن الثاني : الإيمان بالملائكة 1 - التعريف بالملائكة : الملائكة عالم غيبي خلقهم الله عز وجل من نور، لا يأكلون ولا يشربون {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: 20] يقومون بأمر الله {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6]، لا يعلم عددهم إلا الله، وهم أصناف، كل صنف له عمل موكل به ويقوم به. 2 - وجوب الإيمان بالملائكة : ويتضمن الإيمان بهم أمرين: 1- الإيمان بوجودهم : الإيمان بوجود الملائكة أحد أصول الإيمان قال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} [البقرة: 285]، ومن ينكر وجود الملائكة؛ فقد كَفَر، لقوله تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: 136]. والإيمان بالملائكة يتضمن الإقرار الجازم بوجودهم وأنهم خلق من خلق الله، مربوبون مسخرون{عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء: 26-27]، و{لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6]، و{لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: 19-20]. 2- الإيمان بما أعلمنا الله ورسوله من أسمائهم وصفاتهم وأعدادهم الإيمان بالملائكة يتضمن الإيمان بأسماء الملائكة الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم، والسنة النبوية الصحيحة، ومنهم: جبريل وميكائيل، وإسرافيل، قال تعالى: {قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ} [البقرة: 97-98]. وورد ذكرهم في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عندما يستفتح صلاته من الليل، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان إذا قام من الليل افتتح صلاته: ((اللهم رب جبرائيل، وميكائيل، وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم)) أخرجه مسلم. ومنهم: مالك، وهو خازن النار، قال تعالى عن أهل النار: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ}[الزخرف: 77]. ومنهم: منكر ونكير وهما الذين يسألان الأموات في قبورهم. 3 - صفاتهم : 1- صفاتهم الخَلقية: 1- أنهم مخلوقون من نور، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((خلقت الملائكة من نور)) أخرجه مسلم. 2- قدرتهم على التَّشَكُّل والتمثل بصورة البشر؛ كما تمثل جبريل لمريم، قال تعالى: {أَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا}[مريم: 17]. 3- القوة وعظم الخلقة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6]. 4- خلقهم الله على صورة جميلة، كما قال تعالى عن جبريل عليه السلام {ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} [النجم: 6]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: ذو مرة ذو منظر حسن. 5- لهم أجنحة، قال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فاطر: 1]. 6- لا يأكلون ولا يشربون ولا يتزوجون ولا يتناسلون، فقد أخبرنا ربنا سبحانه أن الملائكة جاؤوا إبراهيم في صورة بشر، فقدم لهم الطعام، فلم تمتد أيديهم إليه، فأوجس منهم خيفة، فبينوا له الحقيقة، قال تعالى: {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ} [هود: 70]. وقد اتفق أهل العلم على أنهم لا يتناكحون ولا يتناسلون. 7- يعبدون الله تعالى وينفذون أمره بلا كلل ولا ملل، ولا يدركهم من ذلك ما يدرك البشر، قال تعالى في وصفهم {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: 20]، أي: لا يضعفون. وقال: {فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38]، أي: لا يملون. 2-صفاتهم الخُلقية: 1- معصومون من المعاصي، قال تعالى: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6]. 2- يخافون الله ويخشونه، قال تعالى: {وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ}[الأنبياء:28]، وقال: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ}[الرعد: 13]. 3- كرام بررة، قال تعالى: {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [عبس: 15-16]، وسفرة، أي: سفراء الله إلى رسله، وكرام بررة، أي: خلقهم كريم حسن، وأخلاقهم بارة طاهرة فاضلة. 4- الحياء، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن عثمان بن عفان رضي الله عنه: ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة. أخرجه مسلم..6 4 - ثمرات الإيمان بالملائكة : وقوف المؤمن على عظيم قدرة الله تعالى. حثُّ الإنسان على العمل الصالح وزجره عن السيئات، فالملائكة تكتب جميع أعماله ويسجلونها عليه. الاستقامةُ على أمر الله عز وجل: فإن من يستشعر وجود الملائكة معه وعدم مفارقتها له، ويؤمن برقابتهم لأعماله وأقواله وشهادتهم على كل ما يصدر عنه، ليستحي من الله ومن جنوده، فلا يخالفه في أمر ولا يعصيه في العلانية أو في السرِّ. اطمئنان المؤمن إلى أنه محاطٌ برعاية الله تعالى له فهؤلاء الخلق العظام يرعون شؤونه. |
#4
|
||||
|
||||
الركن الثالث : الإيمان بالكتب
مقتضي الإيمان بالكتب فالإيمان بالكتب يتضمن أربعة أمور: الأول: التصديق الجازم بأن جميعها منزَّل من عند الله، وأن الله تكلم بها حقيقة فمنها المسموع منه تعالى من وراء حجاب بدون واسطة الرسول الملكي، ومنها ما بلغه الرسول الملكي إلى الرسول البشري، ومنها ما كتبه الله تعالى بيده كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ}(سورة الشورى 51). وقال تعالى: {وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}(سورة النساء 164). وقال تعالى في شأن التوراة: ( {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ}(سورة الأعراف 145). الثاني: ما ذكره الله من هذه الكتب تفصيلا وجب الإيمان به تفصيلا وهي الكتب التي سماها الله في القرآن وهي (القرآن والتوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وموسى) وما ذكر منها إجمالا وجب علينا الإيمان به إجمالا فنقول فيه ما أمر الله به رسوله: {وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ}(سورة الشورى 15). الثالث: تصديق ما صح من أخبارها، كأخبار القرآن، وأخبار ما لم يُبَدل أو يُحَرف من الكتب السابقة. الرابع: الإيمان بأن الله أنزل القرآن حاكما على هذه الكتب ومصدقا لها كما قال تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ}(سورة المائدة 48). قال أهل التفسير: مهيمنا: مؤتمنا وشاهدا على ما قبله من الكتب، ومصدقا لها يعني: يصدق ما فيها من الصحيح، وينفي ما وقع فيها من تحريف وتبديل وتغيير، ويحكم عليها بنسخ ـ أي رفع وإزالة ـ أحكام سابقة، أو تقرير وتشريع أحكام جديدة؛ ولهذا يخضع له كل متمسك بالكتب المتقدمة ممن لم ينقلب على عقبيه كما قال تبارك وتعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ}(سورة القصص 52-53). وأن الواجب على جميع الأمة اتباع القرآن ظاهراً وباطناً والتمسك به، والقيام بحقه كما قال تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}(سورة الأنعام 155). ومعنى التمسك بالكتاب والقيام بحقه: إحلال حلاله، وتحريم حرامه، والانقياد لأوامره والانزجار بزوا جره والاعتبار بأمثاله، والاتعاظ بقصصه، والعلم بمحكمه، والتسليم بمتشابهه والوقوف عند حدوده والذب عنه مع حفظه وتلاوته وتدبر آياته والقيام به آناء الليل والنهار، والنصيحة له بكل معانيها ، والدعوة إلى ذلك على بصيرة. الركن الرابع : الإيمان بالرسل 4 - النبي صلي الله عليه وسلم خاتم الأنبياء 1- اسمه ونسبه صلى الله عليه وسلم: هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. وأمه: آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة. وكانت ولادته عام الفيل الموافق لعام خمسمائة وإحدى وسبعين للميلاد. ولد في مكة المكرمة، ونشأ بها يتيما، فقد مات أبوه وهو حمل في بطن أمه، ثم ماتت أمه وهو في السادسة من عمره، فتكفل به جده عبد المطلب، ثم مات، فتكفل به عمه أبو طالب، ونشأ في كنفه ورعايته. 2- صفاته صلى الله عليه وسلم الخلْقية والخلُقية: حبى الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بصفاتٍ عظيمة جليلة، صفاتٍ خُلُقية ظهرت على سلوكه القويم، وصفاتٍ خَلْقية ظهرت على بدنه الشريف وجوارحه الطاهرة، فهو صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خَلْقًا وخُلُقًا. فمن صفاته الخَلْقية: أنه كان متوسط القامة، لا بالطويل ولا بالقصير، بل بين بين؛ كما أخبر بذلك البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم مربوعاً -متوسط القامة-، بعيد ما بين المنكبين، له شعر يبلغ شحمة أذنه، رأيته في حلةٍ حمراء، لم أر شيئاً قط أحسن منه))[رواه البخاري]. وكان صلى الله عليه وسلم أبيض اللون، ليِّن الكف، طيب الرائحة، دلَّ على ذلك ما رواه أنس رضي الله عنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر اللون- أبيض مستدير-، كأنَّ عرقه اللؤلؤ، إذا مشى تكفأ، ولا مَسَسْتُ ديباجة - نوع نفيس من الحرير- ولا حريرة ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممتُ مسكة ولا عنبرة أطيب من رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم))[رواه مسلم]. وكانت أم سُليم رضي الله عنها تجمع عَرَقه صلى الله عليه وسلم، فقد روى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَال: ((دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم، فقال -أي نام نومة القيلولة- عندنا، فعرق وجاءت أمي بقارورة، فجعلت تسلت -تجمع- العرق فيها، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أم سليم ما هذا الذي تصنعين؟ قالت: هذا عرقك نجعله في طيبنا، وهو من أطيب الطيب))[رواه مسلم]. وكان وجهه صلى الله عليه وسلم جميلاً مستنيراً، وخاصة إذا سُرَّ، فعن عبد الله بن كعب قال: سمعت كعب بن مالك يحدث حين تخلف عن غزوة تبوك قال: ((فلما سلّمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبرق وجهه من السرور، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سُرَّ استنار وجهه، حتى كأنه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك منه))[رواه البخاري]. وكان وجهه صلى الله عليه وسلم مستديراً كالقمر والشمس، فقد سُئل البراء أكان وجه النبي صلى الله عليه وسلم مثل السيف؟ قال: ((لا بل مثل القمر)) [رواه البخاري ]. وفي مسلم: ((كان مثل الشمس والقمر، وكان مستديراً)). وكان صلى الله عليه وسلم كث اللحية، كما وصفه أحد أصحابه جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: ((وكان كثير شعر اللحية))[رواه مسلم]. وكان صلى الله عليه وسلم ضخم اليدين، ذو شَعرٍ جميل، ففي الخبر عن أَنَسٍ رضي الله عنه قال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم ضَخْمَ الْيَدَيْنِ، لم أرَ بعده مثله، وكان شَعْرُ النبي صلى الله عليه وسلم رَجِلاً لا جَعْدَ -أي لا التواء فيه ولا تقبض- وَلا سَبِطَ - أي ولا مسترسل-))[رواه البخاري]. ووصفه الصحابي الجليل جابر بن سمرة رضي الله عنه فقال: ((كان رسول صلى الله عليه وسلم ضَلِيعَ - واسع - الْفَمِ، أَشْكَلَ الْعَيْنِ - حمرة في بياض العينين - مَنْهُوسَ الْعَقِبَيْن- قليل لحم العقب-))[رواه مسلم]. وكان له خاتم النبوة بين كتفيه، وهو شيء بارز في جسده صلى الله عليه وسلم كالشامة، فعن جابر بن سمرة قال: ((ورأيت الخاتم عند كتفه مثل بيضة الحمامة، يشبه جسده))[رواه مسلم]. ومن صفاته صلى الله عليه وسلم أنه أُعطي قوةً أكثر من الآخرين، من ذلك قوته في الحرب؛ فعن علي رضي الله عنه قال: ((كنا إذا حمي البأس، ولقي القوم القوم، اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يكون أحد منا أدنى إلى القوم منه))[رواه أحمد والحاكم]. هذه بعض صفاته الخَلْقية التي نُقلت إلينا نقلا صحيحا ثابتا ممن رآه وصاحبه. وأما صفاته الخُلُقيه عليه الصلاة والسلام، فقد أثنى الله عليه في كتابه العظيم غير ما مرة، فقال في حقه صلى الله عليه وسلم: (وإنك لعلى خلق عظيم) [القلم : 4]. وقال عنه: (وإنك لتلقى القرءان من لدن حكيم عليم) [النمل: 6]. وقال أيضا: (إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيراً ولا تسأل عن أصحاب الجحيم) [البقرة : 119]. وقال عنه كذلك: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) [الأنبياء: 107]. وقال عنه في موضع آخر: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً) [الأحزاب: 21]. وعَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ: سَأَلَتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ: أخبريني عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنُ[ رواه أحمد]. ومن صور صفاته الخُلُقية: التواضع المقترن بالمهابة، والحياء المقترن بالشجاعة، والكرم الصادق البعيد عن حب الظهور، والأمانة المشهورة بين الناس، والصدق في القول والعمل، والزهد في الدنيا عند إقبالها، وعدم التطلع إليها عند إدبارها، والإخلاص لله في كل ما يصدر عنه، مع فصاحة اللسان وثبات الجنان، وقوة العقل وحسن الفهم، والرحمة للكبير والصغير ولين الجانب، ورقة المشاعر وحب الصفح والعفو عن المسيء، والبعد عن الغلظة والجفاء والقسوة، والصبر في مواطن الشدّة، والجرأة في قول الحق. وكان صلى الله عليه وسلم خافض الطرف نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، ويبدأ من لقي بالسلام، ، ليست له راحة، طويل السكت، لا يتكلم في غير حاجة، يفتتح الكلام ويختمه باسم الله تعالى ويتكلم بجوامع الكلم، كلامه فصل لا فضول ولا تقصير، يُعظم النعمة وإن دقت، وما عاب طعاماً قط وكان لا يرد موجوداً ولا يتكلف مفقوداً إن اشتهاه أكله وإن كره تركه وسكت وربما قال لا أشتهيه، ولا تغضبه الدنيا ولا ما كان لها، فإذا تعدي الحق لم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له، ولا يغضب لنفسه، ولا ينتصر لها، وإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غض طرفه، أكثر ضحكه التبسم [المعجم الكبير 16/35، دلائل النبوة للبيهقي 1/268 حديث 236، تاريخ دمشق 3/339 ]. |
#5
|
||||
|
||||
الركن الخامس : الإيمان باليوم الآخر
6 - الجنة الجنة هي دار النعيم التي أعدها الله تعالى في الآخرة للمؤمنين.. قال تعالى: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ}[آل عمران(185)]. وفي الجنة أنهار جارية، وغرف عالية، وأزواج حسان، وفيها ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين؛ مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وريحها يوجد من مسيرة أربعين عاما، وأعظم نعيمها رؤية المؤمنين لربهم عيانا.. وفي الجنة مائة درجة بين كل درجة وأخرى كما بين السماء والأرض، وأعلى الجنة الفردوس الأعلى، وسقفه عرش الرحمن، ولها ثمانية أبواب؛ ما بين جانبي كل باب كما بين مكة وهجر -الأحساء- وأدنى أهل الجنة منزلة له مثل الدنيا وعشرة أمثالها. ونعيم الجنة لا ينفد ولا يزول، بل هو دائم بلا انقطاع، وأهلها خالدون فيها أبدا، قال تعالى: {جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}[البينة(8)]. وللجنة لها ثمانية أبواب منها: بَابِ الصَّلَاةِ وبَابِ الْجِهَادِ وبَابِ الرَّيَّانِ وبَابِ الصَّدَقَةِ. ويدخلها أهلها مُتَمَاسِكِينَ آخِذٌ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلُهُمْ وَآخِرُهُمْ الْجَنَّةَ وَوُجُوهُهُمْ عَلَى ضَوْءِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ))[رواه البخاري]. لَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَمْتَخِطُونَ وَلَا يَتْفُلُونَ، أَمْشَاطُهُمْ الذَّهَبُ، وَرَشْحُهُمْ –أي عرقهم- الْمِسْكُ، وَأَزْوَاجُهُمْ الْحُورُ الْعِينُ، أَخْلَاقُهُمْ عَلَى خُلُقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي السَّمَاءِ))[رواه البخاري ومسلم]. وأقل أهل الجنة منزلة من له مِثْل مُلْكِ عشرة من مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا، كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة. والجنة درجات متفاوتة، قال تعالى بعد أن ذكر بعض صفات المؤمنين: {أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال(4)]. والجنة ليست جنة واحدة، بل جنان عدة؛ كما أخبر بذلك القرآن في قوله تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}[الرحمن(46)]. وفي البخاري: أن أُمُّ حَارِثَةَ بْنِ سُرَاقَةَ رضي الله عنها أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَلَا تُحَدِّثُنِي عَنْ حَارِثَةَ وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ فَإِنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ صَبَرْتُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِي الْبُكَاءِ قَالَ يَا أُمَّ حَارِثَةَ إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الْجَنَّةِ وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الْأَعْلَى"[رواه البخاري ومسلم]. وأما بناءها فبناءها لبنة ذهب ولبنة فضة ، فيها غرف يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها للمؤمن فيها خيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلا، كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة. وأنهارها خمسة: نهر الكوثر ونهر العسل ونهر اللبن ونهر الماء ونهر الخمر: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى}[محمد: 15]. وفي الجنة أشجار وظلال، قال تعالى: {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} [الرحمن: 48]. وقال: {وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ} [الواقعة: 30]. وطعام أهلها ما جاء في قول الملك العلام: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ}[سورة الواقعة 17-21]. ولباس أهلها الذهب والسُنْدُسٍ وَالإِسْتَبْرَقٍ. وخدمهم غِلْمَانٌ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا} [الإنسان: 19] فإذا كان هذا هو حال الخدم في الحسن والجمال فما بالكم بحال أسياد الخدم؟!. وأزواجهم الحور العين، قال تعالى: {كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ} [الدخان: 54]. {حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ}[الرحمن: 72]. {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ} [الرحمن: 56]. وقال تعالى: {إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا}[الواقعة: 35- 37]. وفي البخاري عن أنس رضي الله عنه: ".. وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى الْأَرْضِ َلَمَلَأَتْ مَا بَيْنَهُمَا رِيحًا ولَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا وَلَنَصِيفُهَا –أي خمارها على رأسها- خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا". وإذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار جيء بالموت على هيئة كبش أملح بين الجنة والنار فينادى يا أهل الجنة أتعرفون هذا فيشرئبون فيقولون الموت ثم ينادى يا أهل النار أتعرفون هذا فيفرحون ثم يذبح فيزداد أهل الجنة فرحا إلى فرحهم فيزداد أهل النار حزناً على حزنهم وينادي منادي يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت كما في الحديث الذي رواه مسلم. وأعظم النعيم من هذا كله رؤية الرب تبارك وتعالى؛ لأنّ أهل الجنّة لهم ميعاد مع الرب الرحيم، قال تعالى: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] وقال: {لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق: 35]. والمحروم من حرم رؤية الله: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15]. وليس هذا فحسب بل إنّهم سيرون ربهم عيانا بأبصارهم كما يرون القمر ليلة البدر لا يضامون في رؤيته فإذا دخلوا الجنة نادى المنادي يا أهل الجنة إنّ ربكم تعالى يستزيركم فحيَّ على زيارته فيقولون سمعا وطاعة وينهضون إلى الزيارة مبادرين فإذا النجائب قد أعدت لهم فيستون على ظهورها مسرعين حتى إذا انتهوا إلى الوادي الأفيح الذي جعل لهم موعداً وجمعوا هناك فلم يغادر الداعي منهم أحداً أمر الرب تبارك وتعالى بكرسيه فنصب هناك ثم نصبت لهم منابر من نور ومنابر من لؤلؤ ومنابر من زبرجد ومنابر من ذهب ومنابر من فضة ثم جلس أدناهم وليس فيهم دنيء على كثبان المسك ما يرون أصحاب الكراسي مثلهم في العطايا حتى إذا استقرت بهم مجالسهم واطمأنت بهم أماكنهم نادى المنادي يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه فيقولون ما هو؟ ألم يبيض وجوهنا ويثقل موازيننا ويدخلنا الجنة ويزحزحنا من النار فبينما هم كذلك إذ سطع لهم نور أشرقت لهم الجنة فرفعوا رؤوسهم فإذا الجبار جل جلاله وتقدست أسماؤه قد أشرق عليهم من فوقهم وقال يا أهل الجنة سلام عليكم فلا ترد التحية بأحسن من قولهم اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام فيتجلى لهم الرب ويضحك إليهم ويقول يا أهل الجنة فيكون أول ما يسمعون منه تعالى أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني؟ فهذا يوم المزيد فاسألوني فيجتمعون على كلمة واحدة: أرنا وجهك ننظر إليك، فيكشف لهم الرب جل جلاله الحجب، ويتجلى لهم، فيغشاهم من نوره ما لولا أنّ الله تعالى قضى أن لا يحترقوا لاحترقوا. ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلَّا حاضره ربه تعالى محاضره حتى إنّه ليقول: يا فلان أتذكر يوم فعلت كذا وكذا يذكره ببعض غدراته في الدنيا، فيقول: يا رب ألم تغفر لي؟ فيقول: بلى بمغفرتي بلغت منزلتك هذه. 7 - النار النار: هي دار العذاب التي أعدها الله تعالى في الآخرة للكافرين، وللعصاة الفاجرين، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} [غافر: 6]. ونار الآخرة ليست كنار الدنيا، بل هي نار عظيمة؛ فقد جاء في الحديث الصحيح: ((ناركم هذه جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم))[رواه البخاري ومسلم]. وقال صلى الله عليه وسلم: (يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها" رواه مسلم. نعوذ بالله من النار ومما يقرب إليها من قول وعمل. وطعام أهل النار "الضريع" وهو شجر قد بلغ غاية الحرارة والمرارة، وقبح الرائحة وهو الزقوم، أو غيره، وكذا الغسلين وهو صديد أهل النار، نعوذ بوجه الله منها. وشرابهم "الحميم" الذي بلغ غاية الحرارة إذا قرب من وجوههم شواها، فإذا شربوه قطع أمعاءهم: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ} والمهل رديء الزيت: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد: 15]. ولباس أهلها القطران والحديد ولهم ثياب من نار نعوذ بالله من النار ومما يقرب إليها. ومكان النار الأرض السابعة السفلى في سجين أسفل مكان وأضيقه ، نعوذ بوجه الله منها ومما يقرب إليها. والنار لها سبعة أبواب، وهذه الأبواب مغلقة على أهلها؛ كما قال تعالى: {عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ}[البلد 20]. وهي مغلقة قبل دخول أهلها إليها: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} في وجوههم. وهي سوداء، وأهلها سود، وكل شيء فيها أسود، وقد دل على سواد أهلها قوله تعالى: {كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [يونس: 27]. وقوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}[آل عمران 106]. وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن من عصاة الموحدين من يخترق في النار حتى يصير فحما. وهي دركات متفاوتة في العذاب، ولها سبعة أبواب، لكل باب منهم جزء مقسوم، وخزنتها ملائكة غلاظ شداد، ولا تسأم ممن يوضع فيها، ويقذف في قعرها، بل إنها تقول: هل من مزيد؟ وهي مخلوقة موجودة الآن، أعدها الله سبحانه للكافرين، وعذابها دائم لا ينقطع، وأهلها الكافرون خالدون فيها أبدا، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا }[الأحزاب: 64- 65]. وأما العصاة المذنبون من أهل الإيمان، فإنهم يعذبون فيها ثم يخرجون منها برحمة أرحم الراحمين ابتداء، ثم بشفاعة من يأذن الله له من الشافعين، فقد قال عليه الصلاة والسلام: ((يدخل الله أهل الجنة الجنة، يدخل من يشاء برحمته، ويدخل أهل النار النار، ثم يقول: انظروا من وجدتم في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجوه، فيخرجون منها حمما قد امتحشوا، فيلقون في نهر الحياة، أو الحيا، فينبتون فيه كما تنبت الحبة إلى جانب السيل))[رواه البخاري ومسلم]. الركن السادس : الإيمان بالقدر خيره وشره 1 - مقدمة الإيمان بالقدر خيره وشره ركن من أركان الإيمان لا يصح إيمان المؤمن إلا به والآيات والاحاديث التي تدل على القدر في القرآن الكريم والسنة النبوية كثيرة منها قول الله تعالى: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا}(سورة الأحزاب 38) وقال تعالى: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا}(سورة الأحزاب 37) وقال تعالى: {لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً}(سورة الأنفال 44). وقال تعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}(سورة التغابن 11). وقال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ}(سورة آل عمران 166) وقال تعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}(سورة البقرة 156-157). وغير ذلك من الآيات، وفي حديث عمر الطويل عندما سأل جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان: ((أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره))[رواه مسلم]. وقال صلى الله عليه وسلم: ((وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك))[رواه أحمد وصححه الألباني]. وقال صلى الله عليه وسلم: ((وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت لكان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل))[رواه مسلم] . 2 - حقيقة الإيمان بالقدر ومراتبه ووجوب ذلك القدر تقدير الله تعالى للكائنات حسبما سبق به علمه واقتضته حكمته، وحقيقة الإيمان به التصديق الجازم بأن كل خير وشر فهو بقضاء الله وقدره، وأنه الفعال لما يريد، لا يكون شيء إلا بإرادته، ولا يخرج شيء عن مشيئته، وليس في العالم شيء يخرج عن تقديره، ولا يصدر إلا عن تدبيره، ولا محيد لأحد عن القدر والمقدور، ولا يتجاوز ما خط في اللوح المسطور، وأنه خالق أفعال العباد والطاعات والمعاصي، ومع ذلك فقد أمر العباد ونهاهم، وجعلهم مختارين لأفعالهم غير مجبورين عليها بل هي واقعة بحسب قدرتهم وإرادتهم، والله خالقهم وخالق قدرتهم، يهدي من يشاء برحمته ويضل من يشاء بحكمته، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون. [مختصر الأسئلة والأجوبة الأصولية على العقيدة الواسطية (ص: 22-23)] وللإيمان بالقدر مراتب أربع: المرتبة الأولى: الإيمان بأن الله تعالى قد علم بعلمه الأزلي الأبدي ما كان وما يكون من صغير وكبير، وظاهر وباطن مما يكون من أفعاله، أو أفعال مخلوقاته. المرتبة الثانية: الإيمان بأن الله تعالى كتب في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة، فما من شيء كان أو يكون إلا وهو مكتوب مقدر قبل أن يكون. ودليل هاتين المرتبتين في كتاب الله تعالى، وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم: - أما الكتاب: فمنه قوله تعالى: { {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}(سورة الحـج 70). وقوله: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}(سورة الأنعام 59). - وأما السنة: فمنها قوله صلى الله عليه وسلم: ((كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء )). أخرجه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما. وروى البخاري في صحيحه من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السموات والأرض، وكتب في الذكر كل شيء)). وروى أبو داود من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن أول ما خلق الله القلم فقال: اكتب. قال: رب وما أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة))[رواه أبو داود وصححه الألباني]. المرتبة الثالثة: الإيمان بمشيئة الله تعالى وأنها عامة في كل شيء، فما وجُد موجود، ولا عُدم معدوم من صغير وكبير، وظاهر وباطن في السموات والأرض إلا بمشيئة الله عز وجل. المرتبة الرابعة: الإيمان بخلق الله تعالى وأنه خالق كل شيء من صغير وكبير، وظاهر وباطن، وأن خلقه شامل لأعيان هذه المخلوقات وصفاتها وما يصدر عنها من أقوال، وأفعال، وآثار. ودليل هاتين المرتبتين قوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}(سورة الزمر 62-63). وقوله: {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا}(سورة الفرقان 2). وقوله: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}(سورة الصافات 96). ولم يخلق شيئاً إلا بمشيئته؛ لأنه تعالى لا مكره له؛ لكمال ملكه وتمام سلطانه، قال الله تعالى مبيناً أن فعله بمشيئته: {وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء}(سورة إبراهيم 27). وقال: {اللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاء وَيَقَدِرُ}(سورة الرعد 26) وقال مبيناً أن فعل مخلوقاته بمشيئته: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}(سورة التكوير 28-29). وقال: {وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ}(سورة البقرة 253). [تقريب التدمرية (ص: 95-97)]. 3 - وسطية أهل السنة ف الإيمان بالقدر تظهر وسطية أهل السنة في كل الأمور العقدية التي خالف فيها أصحاب الأهواء والبدع ومنها: قضية الإيمان بالقدر فإن قضية القدر من المسائل الشائكة التي يجب فيها التسليم والرضى. ومذهب أهل السنة: أن القدر سر الله تعالى، وأن الواجب على المسلم الإيمان به دون تعمق لما وراء الأدلة، وترك الاحتجاج به على فعل المعاصي، والإيمان بتقدير الله تعالى لكل الأمور بمشيئته، وأن الله هو الخالق لكل شيء بما فيها أفعال العباد، ولكنها لا تسمى فعل الله بل هي أفعال العباد، والله هو الذي أقدرهم على فعلها ولو شاء لما فعلوها كما قال تعالى: {وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ}(سورة البقرة 253). وهي مشيئته الكونية العامة، وأهل السنة توسطوا في ذلك فأثبتوا مشيئة الله الكونية والشرعية وقدرة الله على كل شيء، وأن الله هو الخالق للعباد وأفعالِهِم، والعبادُ فاعلون حقيقة ولهم قدرة على أعمالهم، والله خالقهم وخالق أعمالهم وقدراتهم كما قال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}(سورة الصافات 96). وأثبتوا أن العبد له قدرة ومشيئة لا تخرج عن مشيئة الله تعالى وقدرته كما قال سبحانه: {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}(سورة التكوير 29). 4 - شبهة الإحتجاج بالقدر ع المعصية والرد ع ذلك ----------------------------------------------------- اعلم أخي المسلم رحمك الله أن الإيمان بالقدر لا يمنح العاصي حجة على ما ترك من الواجبات، أو فَعَلَ من المعاصي باتفاق المسلمين والعقلاء . قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ : "وليس لأحد أن يحتج بالقدر على الذنب باتفاق المسلمين وسائر أهل الملل وسائر العقلاء؛ فإن هذا لو كان مقبولا لأمكن كل أحد أن يفعل ما يخطر له من قتل النفوس وأخذ الأموال وسائر أنواع الفساد في الأرض ويحتج بالقدر، ونفس المحتج بالقدر إذا اعتدي عليه واحتج المعتدي بالقدر لم يقبل منه بل يتناقض وتناقض القول يدل على فساده؛ فالاحتجاج بالقدر معلوم الفساد في بدائه العقول"[مجموع الفتاوى (8/ 179)] لأنه لا حجة للعاصي على معصيته بقدر الله تعالى، لأن العاصي يقدم على المعصية باختياره من غير أن يعلم أن الله تعالى قدرها عليه، إذ لا يعلم أحد قدَرَ الله تعالى إلا بعد وقوع مقدوره: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا}(سورة لقمان 34). فكيف يصح الاحتجاج بحجة لا يعلمها المحتج بها حين إقدامه على ما اعتذر بها عنه؟ والرد على من احتج بالقدر في ترك الواجب أو فعل المعصية من وجوه سبعة: الأول: قوله تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ} (148) سورة الأنعام }(سورة الأنعام 148). ولو كان لهم حجة بالقدر ما أذاقهم الله بأسه. الثاني: قَوْلُهُ تَعَالَى: {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}(سورة النساء 165). ولو كان القدر حجة للمخالفين لم تقم الحجه بإرسال الرسل، لأن المخالفة بعد إرسالهم واقعة بقدر الله تعالى. الثالث: ما رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما منكم من أحد إلا قد كتب مقعده من النار أو الجنة فقال رجل من القوم: ألا نتكل يارسول الله؟ قال لا أعملوا فكل ميسر، ثم قرأ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}(سورة الليل 5-10) وفي لفظ لمسلم: ((فكل ميسر لما خلق له)) فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالعمل ونهى عن الإتكال على القدر. الرابع: أننا نرى الإنسان يحرص على ما يلائمه ثم يحتج على عدوله عنه بالقدر، فلماذا يعدل عما ينفعه في أمور دينه إلى ما يضره ثم يحتج بالقدر؟ أفليس شأن الأمرين واحداً؟ وإليك مثالاً يوضح ذلك: لو كان بين يدي الإنسان طريقان أحدهما ينتهى به إلى بلد كلها نظام، وأمن مستتب، وعيش رغيد، واحترام للنفوس والأعراض والأموال، فأي الطريقين يسلك؟ إنه سيسلك الطريق الثاني الذي ينتهي به إلى بلد النظام والأمن، ولا يمكن لأي عاقل أبداً أن يسلك طريق بلد الفوضى والخوف، ويحتج بالقدر، فلماذا يسلك في أمر الآخرة طريق النار دون الجنة ويحتج بالقدر؟ مثال آخر: نرى المريض يؤمر بالدواء فيشربه ونفسه لا تشتهيه، وينهى عن الطعام الذي يضره فيتركه ونفسه تشتهيه، كل ذلك طلباً للشفاء والسلامة، ولا يمكن أن يمتنع عن شرب الدواء أو يأكل الطعام الذي يضره ويحتج بالقدر فلماذا يترك الإنسان ما أمر الله ورسوله، أو يفعل ما نهى الله ورسوله ثم يحتج بالقدر؟ الخامس: أن المحتج بالقدر على ما تركه من الواجبات أو فعله من المعاصي، لو اعتدى عليه شخص فأخذ ماله أو أنتهك حرمته ثم أحتج بالقدر، وقال: لا تلمني فإن اعتدائي كان بقدر الله، لم يقبل حجته فكيف لا يقبل الإحتجاج بالقدر في اعتداء غيره عليه، ويحتج به لنفسه في إعتدائه على حق الله تعالى؟ ويذكر أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه رفع إليه سارق استحق القطع، فأمر بقطع يده فقال: مهلاً يا أمير المؤمنين، فإنما سرقت بقدر الله فقال: ونحن إنما نقطع بقدر الله.[شرح الأصول االثلاثة لابن عثيمين]. |
#6
|
||||
|
||||
الشرك وأنواعه 1- تعريفه: الشرك هو: جعل شريك لله تعالى فيما هو من خصائصه سبحانه وتعالى. والغالب الإشراك في الألوهية؛ بأن يدعو مع الله غيره، أو يَصرفَ له شيئًا من أنواع العبادة، كالذبح والنذر، والخوف والرجاء والمحبة. 2- تاريخ ظهور الشرك في البشرية: الأصل في البشرية هو التوحيد، والانحراف عن ذلك أمر طارئ وليس أصيلاً في فطرة البشر وطبيعتهم، فقد كان آدم أبو البشر عليه السلام نبياً مؤمناًَ موحداً، وكذلك أبناؤه، ثم حدث الشرك في قوم نوح بعد عشرة قرون؛ كما قال تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} [البقرة: 213]. وقال تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء: 163]. قال ابن عباس: "كان بين آدم ونوح عليهما السلام عشرةُ قرون؛ كلهم على الإسلام". 3- الشرك الأكبر: هو صرفُ شيء من أنواع العبادة لغير الله، كدعاء غير الله، والتقرب بالذبائح والنذور لغير الله من أهل القبور والجن والشياطين، والخوف من الموتى أو الجن أو الشياطين أن يضروه أو يُمرضوه، ورجاء غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله من قضاء الحاجات، وتفريج الكُربات، ونحو ذلك مما يُمارسُ الآن حولَ الأضرحة المبنية على قبور الأولياء والصالحين، قال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يونس: 18]. 4- الشرك الأصغر: قسم العلماء الشرك الأصغر إلى قسمين: القسم الأول: شرك ظاهر على اللسان والجوارح وهو: ألفاظ وأفعال، فالألفاظ كالحلف بغير الله، قال صلى الله عليه وسلم -: ((من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)) وقول: ما شاء الله وشئت، قال صلى الله عليه وسلم: لما قال له رجل: ما شاء الله وشئت، فقال: ((أجعلتني لله نِدًّا؟! قُلْ: ما شاءَ الله وحده)). وقول: لولا الله وفلان، والصوابُ أن يُقالَ: ما شاءَ الله ثُمَّ شاء فلان؛ ولولا الله ثمَّ فلان، لأن (ثم) تفيدُ الترتيب مع التراخي، وتجعلُ مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله؛ كما قال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: 29]. وأما الواو: فهي لمطلق الجمع والاشتراك، لا تقتضي ترتيبًا ولا تعقيبًا؛ ومثلُه قول: ما لي إلا الله وأنت، و: هذا من بركات الله وبركاتك، ونحو ذلك. وأما الأفعال: فمثل لبس الحروز ، ومثل تعليق التمائم خوفًا من العين وغيرها؛ إذا اعتقد أن هذه أسباب لرفع البلاء أو دفعه، فهذا شرك أصغر؛ لأن الله لم يجعل هذه أسبابًا، أما إن اعتقد أنها تدفع أو ترفع البلاء بنفسها فهذا شرك أكبر لأنه تَعلَّق بغير الله. القسم الثاني: شرك خفي وهو الشرك في النيات، كالرياء والسمعة، كأن يعمل عملًا مما يتقرب به إلى الله؛ يريد به ثناء الناس عليه، كأن يُحسن صلاته، أو يتصدق؛ لأجل أن يُمدح ويُثنى عليه، أو يتلفظ بالذكر ويحسن صوته بالتلاوة لأجل أن يسمعه الناس، فيُثنوا عليه ويمدحوه. والرياء إذا خالط العمل أبطله، قال الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أخوفُ ما أخافُ عليكم الشرك الأصغر)) قالوا: يا رسول الله، وما الشرك الأصغر؟ قال: ((الرياء))[رواه أحمد، وصححه الألباني]. 5- الفرق بين الشرك الأكبر والأصغر: ثمة فروق عدة بينهما، ومن أهمها: 1- الشرك الأكبر: يُخرج من الملة، والشرك الأصغر: لا يُخرج من الملة، لكنه ينقص التوحيد. 2- الشرك الأكبرُ: يُخلَّدُ صاحبه في النار، والشرك الأصغر: لا يُخلَّد صاحبُه فيها إن دَخَلها. 3- الشركُ الأكبرُ: يحبطُ جميعَ الأعمال، والشركُ الأصغرُ: لا يُحبِطُ جميع الأعمال، وإنما يُحبِطُ العملَ الذي خالطه فقط. الكبائر 1- تعريف الكبائر: قسم العلماء الذنوب والمعاصي التي تقع من المسلم إلى كبائر وصغائر، قال تعال: (إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا) [النساء(31)]. والكبائر: جمع كبيرة، وهي: كل ما فيه حد في الدنيا، أو وعيد خاص في الآخرة. والمراد بالحد في الدنيا: العقوبة المقدرة في الشرع كقطع يد السارق وجلد الزاني غير المحصن. والمراد بالوعيد الخاص في الآخرة: الوعيد بالنار، أو اللعن، أو الغضب، أو نفي دخول الجنة، أو أن لا يجد ريحها، أو نفي الإيمان، ونحو ذلك. والكبائر درجات متفاوتة في الإثم والعقوبة، وبعضها أشد من بعض، فأكبر الكبائر وأعظمها: الكفر والشرك بالله، فالشرك أعظم من القتل، والقتل أعظم من الزنا، والزنا أعظم من القذف، وهكذا.. فكل كبيرة تنقسم إلى كبير وأكبر، وعظيم وأعظم، وفاحش وأفحش. وأما عددها فإنه لا حصر لها، وقدر ورد في السنة ذكر ثلاث عشرة كبيرة صراحة، وهي: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور، وقتل النفس بغير حق، والسحر، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات، واليمين الغموس، وشتم الرجل والديه، وقتل الولد، والزنا بزوجة الجار. والصغيرة على هذا: ما ليس فيه حد في الدنيا، ولا وعيد خاص في الآخرة. 2- الفرق بين الكبائر والصغائر: ثمة عدة فروق بينهما، ومنها: أولا: أن الصغائر تكفر بالأعمال الصالحة، والكبائر لابد فيها من توبة. ثانيا: أن الصغائر لا يخرج بها من دائرة العدالة إلى دائرة الفسق إلا بالإصرار عليها، والكبائر يخرج بها من دائرة العدالة إلى دائرة الفسق بمجرد الفعل. ثالثا: أن الكبائر عذابها أشد، وأما الصغائر فإن عذابها دون ذلك. 3-حكم مرتكب الكبيرة: مرتكب الكبيرة -غير الشرك والكفر- لا يخرج من الإسلام بكبيرته، بل هو في الدنيا مؤمن ناقص الإيمان -مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته- وهو في الآخرة تحت مشيئة الله تعالى، إن شاء الله غفر له، وإن شاء الله عذبه، وإذا عذب لا يخلد في النار، بل يخرج منها بما معه من الإيمان، وإن كان مثقال ذرة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((يخرج من النار من قال لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن برة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن ذرة من خير))[رواه البخاري ومسلم] والبرة: حبة القمح. |
#7
|
||||
|
||||
تعريف التوحيد وفضائله
أولا: تعريف التوحيد التوحيد في الاصطلاح: إفراد الله تعالى بما يختص به من الألوهية والربوبية والأسماء والصفات . ثانيا: فضائل التوحيد التوحيد له فضائل كثيرة منها: أولا: صاحبه يحصل على الأمن في الدنيا والآخرة، فالله تعالى يدفع عن الموحدين شرور الدنيا والآخرة، ويمن عليهم بالطمأنينة والحياة الطيبة. ثانيا: التوحيد سبب لدخول الجنة وتكفير السيئات، فعن أبي ذر رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: أتاني جبريل فبشرني أنه من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، قلت: وإن سرق، وإن زنى، قال: وإن سرق، وإن زنى" متفق عليه. ثالثا: يمنع من الخلود في النار إذا كان في القلب منه أدنى مثقال حبة خردل، وإذا كمل في القلب يمنع من دخول النار بالكلية. رابعا: سبب للفوز بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة. خامسا: يحرر الإنسان من عبودية المخلوقين وخوفهم والتعلق بهم ورجائهم، فلا يخشى الموحد إلا الله سبحانه، ولا ينيب إلا إليه. سادسا: وعد الله أهل التوحيد بالفتح والنصر في الدنيا والعز والشرف وإصلاح الأحوال قال سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[النور: (55)]. أقسام التوحيد القسم الأول: توحيد الربوبية 1- تعريفه والأدلة عليه من الكتاب والسنة : وهو إفراد الله تعالى بأفعاله، كالخلق والملك والتصرف والتدبير الجازم بأن الله تعالى رب كل شيء ومليكه، وهو مدبر العالم المتصرف فيه، وأنه خالق الخلق ورازقهم ومحييهم ومميتهم. قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الروم: 40]. وقال عز وجل:{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ}[الطور:35-36]. أي: هل وجدوا من غير موجد ؟ أم هم أوجدوا أنفسهم ؟ أي: لا هذا ولا ذاك، بل الله هو الذي خلقهم وأنشأهم بعد أن لم يكونوا شيئاً مذكوراً. وقال سبحانه: {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف: 54]، أي: له الملك وله التصرف، ولا راد لقضائه ولا معقب على حكمه، ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل. وقال تعالى: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طـه:50]، فهو الذي خلق الخلق وقدر القدر سبحانه وتعالى. وهذا التوحيد هو الذي أقر به الكفار في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُون} [العنكبوت: 61]، وقوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [العنكبوت:63]وقوله جل شانه: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُون َ} [الزخرف: 87]. وقوله تعالى: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ} [يونس: (31)]. ولم يكف مشركي العرب إقرارهم بتوحيد الربوبية بل أمرهم الله بإفراده بالعبادة له سبحانه؛ لأن من كان رباً خالقاً رازقاً مالكاً وجب أن يكون إلهاً لا شريك له، وأن لا تصرف العبادة إلا إليه. 2- دلالة الفطرة والمخلوقات والعقل عليه. الإقرار بربوبية الله عز وجل أمر فطري ضروري يحسه في نفسه البر والفاجر، وهو شعور يملأ على الإنسان أقطار نفسه، إقراراً بخالقه وتألهاً له، لا يستطيع دفعه ولا يملك رده. وهذه الفطرة عند كثير من المفسرين هي الميثاق الذي أخذه الله بربوبيته على بني آدم قبل أن يوجدوا، وجعل منه حجة قائمة عليهم لا يسعهم جهلها أو التنكر لها اعتذاراً بتقليد الآباء والأجداد قال سبحانه: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} [الأعراف: 172-173]. والعتاة الغلاظ من أكابر الملاحدة والكافرين لم يستطيعوا دفع هذه الحقيقة عن أنفسهم، ولا جحدها بأفئدتهم، وإن جحدتها ألسنتهم ظلماً وعلواً، كما قال تعالى عن قوم فرعون {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} [النمل:14]. وعند نزول الضر بهم سرعان ما انقلبوا متضرعين منيبين إلى ربهم داعين له، قال سبحانه:{وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ }[لقمان: 32]. ومن الدلائل على توحيد الربوبية: دلالة المخلوقات، فهي آيات بينات تحرق كل شبهة، وتخرس كل كفور، وترغم كل مكابر ومعاند، فهذه المخلوقات لم تخلق من غير شيء كما أنها لم تخلق نفسها، وذلك مما استقر بالفطرة وعلم بالضرورة والبداهة، فلم يبق إلا أنها خلقت بتقدير العزيز العليم الذي خلق فسوى وقدر فهدى، قال سبحانه: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ}[الطور:35]. 3- إجماع الأمم عليه الأمم مجمعون على الإِقرار بتوحيد الربوبية. ولم يدع أحد من البشر أن للعالم صانعين متكافئين في الصفات والأفعال وحتى مشركو العرب وأهل الكتاب والمجوس{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} [العنكبوت: 61]، قال تعالى: {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [إبراهيم: 10] فخاطبت الرسل قومهم في ذلك خطاب من لا يشك فيه، ولا يصلح الريب فيه. القسم الثاني: توحيد الألوهية 1- تعريفه والأدلة عليه من الكتاب والسنة. هو إفراد الله تعالى بجميع أنواع العبادة الظاهرة والباطنة قولاً وعملاً، ونفي العبادة عن كل ما سوى الله كائناً من كان، فتصرف جميع أنواع العبادة لله وحده لا شريك له، سواء كانت قلبية، كالخوف والرجاء، والتوكل، أو قولية، كالدعاء ، أو فعلية، كالصلاة والحج والصيام، فلا نخاف ولا نرجو، ولا ندعو ولا نتوكل ولا نستعيذ ولا نصلي، ولا نصوم، ولا نحج إلا لله سبحانه. وسمي بتوحيد والألوهية؛ لأنه مبني على التأله لله وهو التعبد المصاحب للمحبة والتعظيم، ويسمى توحيد العبادة؛ لأن العبد يتعبد لله بأداء ما أمره به واجتناب ما نهاه عنه. وقد تضافرت النصوص وتظاهرت الأدلة علـى وجـوب إفـراد الله بالألوهية، وتنوعت في دلالتها، فمن ذلك قوله سبحانه: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام 162-163]. فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخبر المشركين الذين يعبدون غير الله ويذبحون لغير اسمه أنه مخالف لهم، وأنه متوجه بأعماله إلى الله وحده. وقال تعالى:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}[الكوثر:2]، أي: أخلص صلاتك وذبحك لله وحده. وقال تعالى مبيناً الأساس من وجود الخليقة والمقصود من إيجاد الثقلين، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]. وقال سبحانه آمراً بإفراد العبادة له وحده: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقـرة:21]، وقال: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [النساء:36]، وقال: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء:23]. وبين تعالى أن المقصود من بعثة الرسل وإنزال الكتب هو الدعوة إلى توحيد الله سبحانه فقال: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } [النحل:36]، وقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]، وقال تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ} [النحل: 2]. وقال تعالى مشيرا إلى عبثية دعاء غير الله، وأن الأنداد لا يملكون لأنفسهم فضلاً عما يلوذ بهم شيئا {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ * إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ }[فاطر: 13-14]. وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد؟)) قال: الله ورسوله أعلم. قال: ((أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، أتدري ما حقهم عليه؟)) قال: الله ورسـوله أعلم. قال: ((أن لا يعذبهم)) أخرجه البخاري. وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من مات وهـو يدعو من دون الله ندًّا دخل النار)) أخرجه البخاري. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار)) أخرجه مسلم. 2- من مقتضيات توحيد الألوهية: - لا حلال إلا ما أحله الله ولا حرام إلا ما حرمه الله. التحليل والتحريم حق خالص لله وحده فالحلال ما أحله الله ورسوله والحرام ما حرمه الله ورسوله، ولا يجوز لأحد كائناً من كان أن يحلل أو يحرم إلا بمقتضى ما دلَّ عليه الدليل الشرعي من الكتاب والسنة وقد قال تعالى {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النحل: 116، 117]. وقد ذكر الله الكفر الأكبر في قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31] لما سمع عدي بن حاتم الآية قَالَ: قُلْتَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ قَالَ: " أَجَلْ، وَلَكِنْ يُحِلُّونَ لَهُمْ مَا حَرَّمَ اللهُ، فَيَسْتَحِلُّونَهُ، وَيُحَرِّمُونَ عَلَيْهِمْ مَا أَحَلَّ اللهُ، فَيُحَرِّمُونَهُ، فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ لَهُمْ " صححه الألباني. وقد وصف الله المشركين بأنهم لا يحرمون ما حرم الله ورسوله {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 29] {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} [يونس: 59]. - الكتاب والسنة هي مصدر التلقي والتشريع لهذه الأمة. الحجة القاطعة والحكم الأعلى هو الكتاب والسنة وإجماع الأمة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات: 1]. وقال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]. وقال تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا}[الأحزاب: 36]، فإذا حكم الله ورسوله بشيء فليس لأحد مخالفته، ولا اختيار لأحد فيه ولا رأي ولا قول بل يجب على المؤمنين كافة أن يجعلوا رأيهم واختيارهم تبعا لهديه وقضائه صلى الله عليه وسلم. وقال سبحانه: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}[النساء: 59]، فجعل رد الأمور إلى الله ورسوله مناط الإيمان بالله واليوم الآخر، فدل ذلك على أن من لم يرد الأمور المتنازع فيها إلى الله ورسوله فليس مؤمناً بالله ولا باليوم الآخر. وتأسيساً على الإيمان بوحدة مصدر التلقي نؤمن بأن التحاكم الطوعي إلى غير ما أنزل الله نفاق لا يجتمع مع أصل الإيمان، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا}[النساء: 60]. وقال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}[النساء: 65]. والواجب على المسلم أن يعتقد أن ما انعقد عليه إجماع السلف فهو الحق الذي لا معدل عنه، ولا يجوز أن تفهم نصوص الوحي بمعزل عنه، قال تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا} [النساء: 115]. وقال صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ)) أخرجه أبو داود والترمذي. فاتباع سبيل المؤمنين، وما سنه الخلفاء الراشدون المهديون، وما عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هو العاصم من الانحراف والبدع والضلالات. - إن الحكم إلا لله من مقتضيات الإيمان الإقرار بحق التشريع لله وحده، فالحكم لله وحده، قال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} [يوسف: 40]. والتولي والإعراض عن تحكيم شرع الله، من مسالك المنافقين والظالمين، قال سبحانه: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [النور: 48-50]. وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً} [النساء: 60]. - موالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه من كان مؤمناً بالله ورسوله وجبت موالاته، ومن كان كافراً بالله ورسوله وجبت البراءة منه أياً كان، وهذه البراءة والكراهية للكفار ليست لذواتهم وإنما لما اقترفوه من معصية الله عز وجل والكفر به، كما أن هذه البراءة لا تستوجب الظلم والجور عليهم ومنع الإحسان إلى من يستحق الإحسان منهم، قال تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } [سورة الممتحنة 8] ، ومن كان فيه إيمان وفيه فجور فله من الموالاة بحسب إيمانه ومن البراءة بحسب فجوره، ومن والى على ملة غير ملة الإسلام حاد عن التوحيد وجانبه، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّه مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[المائدة:51]. ولما نهى الله المؤمنين عن مولاة الكافرين بين لهم أن الولاية المستحق للولاية، فقال سبحانه: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}[المائدة:55]. ونهى الله عز وجل عن اتخاذ المشركين والكفار المحاربين لله ورسوله أولياء ، فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ}[الممتحنة:1]. وبين أن من اتخذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين فقد برئ من الله وبرئ الله منه، فقال تعالى:{لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ}[آل عمران:28]. وأمرنا الله بالتأسي بإبراهيم عليه السلام والمؤمنين معه في عداوة المشركين فقال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة:4]. وعن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ألا إن آل أبي - يعني فلان - ليسوا لي بأولياء، إنما وليي الله وصالح المؤمنين)) أخرجه مسلم. القسم الثالث: توحيد الأسماء والصفات 1- تعريفه والأدلة عليه من الكتاب والسنة. هو إفراد الله سبحانه وتعالى بما سمى الله به نفسه ووصفه به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، وذلك بإثبات ما أثبته من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل. كما جمع الله تعالى بين إثباتها ونفي التكييف عنها في كتابه في غير موضع كقوله تعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: 110]، وقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]، وقوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 103]. وعن أبي بن كعب رضي الله عنه ((أن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم - يعنى لما ذكر آلهتهم - انسب لنا ربك، فأنزل الله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ - اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص: 1- 2] والصمد الذي {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} [الإخلاص: 3]؛ لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت، وليس شيء يموت إلا سيورث، وإن الله تعالى لا يموت ولا يورث {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 4] قال: لم يكن له شبيه ولا عديل، وليس كمثله شيء. أخرجه الترمذي. 2- لا تلازم بين الاشتراك في اسم الصفة والتماثل في الموصوفات الاشتراك في الأسماء والصفات لا يستلزم بالضرورة تماثل المسميات والموصوفات فالمعاني والأوصاف إنما تتميز بحسب ما تضاف إليه، فللذباب جسم وقوة، وللفيل جسم وقوة، وفرق بين القوتين والجسمين. وإذا كان الاسم والصفة لا يستلزم التماثل في الحقيقة بين المخلوقات، فانتفاء التماثل في ذك بين الخالق والمخلوق من باب أولى. فعلى سبيل المثال نجد أن الله قد أثبت العلم لنفسه، فقال سبحانه: {عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ} [البقرة:235]، وأثبت لعباده العلم في مثل قوله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10]، وليس علم الإنسان كعلم الله عز وجل، فقد قال الله تعالى عن نفسه، {وسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا}[طـه:98]، وخاطب بني آدم فقال: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [الإسراء:85]. 3- وسطية أهل السنة والجماعة في باب الأسماء والصفات. أهل السنة والجماعة وسط في باب أسماء الله وصفاته بين أهل التعطيل الذين يلحدون في أسماء الله وصفاته ويعطلون حقائق ما نعت الله به نفسه، حتى يشبهوه بالعدم والموات، وبين أهل التمثيل الذين يضربون له الأمثال، ويشبهونه بالمخلوقات، فأهل السنة يصفون الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسله من غير تعطيل، ولا تمثيل، إثباتاً لصفات الكمال، وتنزيهاً له عن أن يكون له فيها أنداد، وأمثال، إثبات بلا تمثيل، وتنزيه بلا تعطيل. |
#8
|
||||
|
||||
أمور مخالفة للتوحيد
أولاً : صرف العبادة لغير الله يجب على المسلم أن يفرد الله تعالى بالعبادة وحده لا شريك له، وترك عبادة كل ما سواه، وأن يتبرأ من كل ما يعبد من دونه، وأن يعلم أن العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة، وأنها غاية الخضوع والتذلل، وغاية الحب والرجاء لله سبحانه وتعالى، وأنها تشمل جميع ما أمر الله أن يتقرب إليه به من جميع القربات، فيخلص المسلم تقربه بذلك إلى الله، ولا يصرف شيئا منه لغير الله كائنا ما كان، لأن صرف العبادة لغير الله تعالى نقض للتوحيد وكفر بالإيمان، وخروج عن العبودية لله تعالى، قال سبحانه: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}(سورة الأنعام 162-163) فهذا أمر من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يبيّن للمشركين الذين يعبدون غير الله، ويذبحون لغيره سبحانه وتعالى، أنه بريء من عملهم، مخالف لهم في شركهم، وأنه موحد مخلص لله وحده بكل أعماله. ولما كان المشركون يعبدون الأصنام من دون الله ويذبحون لها، أمره الله تعالى بإخلاص ذلك له، قال تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}(سورة الكوثر 2). ويبيّن الله سبحانه وتعالى عجز هذه الآلهة، وأنها لا تملك لنفسها ضرا ولا نفعا، وأنها لا تستطيع أن تفعل شيئا لنفسها، فكيف يعقل أن تعبد من دون الله! قال تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا}(سورة الفرقان 3). وقال تعالى: {قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً}(سورة الإسراء 56). فإذا كانت هذه الآلهة لا تملك أن تكشف الضر عن عابديها، فكيف تستحق أن تعبد من دون الله؟ وقد ذم الله سبحانه وتعالى من أحب من دونه شيئا غيره كما يحبه سبحانه وتعالى فقال سبحانه: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ}(سورة البقرة 165). فهذا تنديد للذين يشركون في المحبة مع الله تعالى غيره، وعدم إخلاصها له كمحبة المؤمنين. وأما الشرك فقد كان أساسه وأصله الغلو في الصالحين فالأصنام التي عبدها قوم نوح في العرب وكانت في أصلها صور رجال صالحين فلم يزل الشيطان بأوليائه حتى زين لهم عبادتها من دون الله قال تعالى {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا}(سورة نوح 23). وفي البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما، ((صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد أما ود كانت لكلب بدومة الجندل، وأما سواع كانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمراد، ثم لبني غطيف بالجوف، عند سبإ، وأما يعوق فكانت لهمدان، وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع، أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم، أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت)) ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الغلو فقال: ((لا تطروني، كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا عبد الله، ورسوله))[متفق عليه]. وقال صلى الله عليه وسلم ((وإياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين))[رواه ابن ماجه وصححه الألباني]. أمور مخالفة للتوحيد ثانياً : التبرك 1- تعريف التبرك: التّبرُّك: هو طلب البركة، وأصل البركة: الثبوت واللزوم، وتطلق على النماء والزيادة، والتبرك هو: طلب الخير الكثير وثباته ولزومه. 2-أنواع التبرك: اعلم أخي المسلم أن البركة لا تكون إلا من الله تعالى وهو الذي يعطي البركة من يشاء ويضعها حيث شاء سبحانه وتعالى وقد خص الله بها بعض الأمور فوضع فيها البركة وجعل فيها الخير والفضل قال سبحانه: {وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَقَ}(سورة الصافات 113). وقال: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ}(سورة مريم 31). فالذي يبارك هو الله - جل وعلا -، وقد دلت النصوص في الكتاب والسنة على أن الأشياء التي أحل الله - جل وعلا - البركة فيها قد تكون أمكنة أو أزمنة؛ وقد تكون مخلوقات آدمية وقد تكون أعمال أو أقوال ومنها: البركة في الأمكنة: أي أن الله - تعالى - بارك بعض الأماكن كبيت الله الحرام، وحول بيت المقدس، كما قال سبحانه: {الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ}(سورة الإسراء 1). ومعنى كون الأرض مباركة: أن يكون فيها الخير الكثير كذلك بيت الله الحرام هو مبارك لا من جهة ذاته، يعني: ليس كما يعتقد البعض أن من تمسح به انتقلت إليه البركة وإنما هو مبارك من جهة المعنى، يعني: اجتمعت فيه البركة التي جعلها الله في الكعبة ، من جهة: تعلق القلوب بها، وكثرة الخير الذي يكون لمن أرادها، وأتاها، وطاف بها، وتعبد عندها، وكذلك الحجر الأسود هو حجر مبارك، ولكن بركته لأجل العبادة، يعني أن من استلمه تعبدا مطيعا للنبي صلى الله عليه وسلم في استلامه له، وفي تقبيله، فإنه يناله به بركة الاتباع، وقد قال عمر رضي الله عنه لما قبّل الحجر: "إني لأعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك"[رواه أحمد]. فقوله: لا تنفع ولا تضر، يعني لا يجلب لمن قبله شيئا من النفع، ولا يدفع عن أحد شيئا من الضر، وإنما الحامل على التقبيل مجرد الاقتداء برسول الله، تعبدا لله، فهذا معنى البركة التي جعلت في الأمكنة. البركة في الأزمنة: ومعنى كون الزمان مباركا - مثل شهر رمضان، وليلة القدر فيه، ويوم عرفة ويوم الجمعة والثلث الأخير من الليل وغيرها من الأزمنة فيعني: أن من تعبد فيها، ورام الخير فيها، فإنه ينال من كثرة الثواب ما لا يناله في غيرها من الأزمنة. البركة في الأشخاص: وهي البركة التي جعلها الله - جل وعلا - في الأنبياء والرسل فهؤلاء بركتهم بركة ذاتية، يعني: أن أجسامهم مباركة، بمعنى: أنه لو تبرك أحد من أقوامهم بأجسادهم، إما بالتمسح بها، أو بأخذ عرقها، أو التبرك ببعض أشعارهم، فهذا جائز؛ لأن الله جعل أجسادهم مباركة بركة متعدية، وهكذا نبينا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم جسده أيضا جسد مبارك؛ ولهذا ورد في السنة أن الصحابة كانوا يتبركون بعرقه، ويتبركون بشعره، وإذا توضأ اقتتلوا على وضوئه، إلى آخر ما ورد في ذلك؛ وذلك لأن أجساد الأنبياء فيها بركة ذاتية ينتقل أثرها إلى غيرهم، وهذا مخصوص بالأنبياء والرسل، في حال حياتهم. أما غيرهم فلم يرد دليل على أن من أصحاب الأنبياء والرسل والصالحين مَن بركتهم بركة ذاتية، إنما هذه البركة راجعة إلى الإيمان، وإلى العلم، والدعوة، والعمل، فكل مسلم فيه بركة، وهذه البركة ليست بركة ذات، وإنما هي بركة عمل، وبركة ما معه من الإسلام والإيمان، وما في قلبه من اليقين والتعظيم لله - جل وعلا - والإجلال له، والاتباع لرسوله صلى الله عليه وسلم، فهذه البركة التي في العلم، أو العمل، أو الصلاح: لا تنتقل من شخص إلى آخر وعليه فيكون معنى التبرك بأهل الصلاح هو الاقتداء بهم في صلاحهم، والتبرك بأهل العلم هو الأخذ من علمهم والاستفادة منه وهكذا، ولا يجوز أن يُتبرك بهم بمعنى أن يُتمسح بهم، أو يُتبرك بريقهم؛ لأن أفضل الخلق من هذه الأمة وهم الصحابة لم يفعلوا ذلك مع خير هذه الأمة أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وهذا أمر مقطوع به. 3- حكم التبرك الممنوع: إن التبرك من الأمور التعبدية التي لا بد للمسلم أن يرجع فيها إلى دليل شرعي من الكتاب والسنة وذلك لأن التبرك عبادة والعبادة مبناها على الاتباع فالتبرك بالأشجار، أو بالأحجار أو ببعض القبور، أو ببقاع مختلفة، أو نوع معين من أنواع التراب أو بعض الجبال والكهوف أو بالأولياء والصالحين والتمسح بها أو أخذ شيء من آثارها من غير دليل شرعي محرم، وتارة يكون مثل هذا الفعل شركاً أكبر وتارة شركاً أصغر: فيكون شركا أكبر: إذا طلب بركتها، معتقدا أنه بتمسحه بهذا الشجر، أو الحجر أو القبر، أو تمرغه عليه، أو التصاقه به يحصل له ما تبرك لأجله ، وأن هؤلاء الذين يتبرك بهم بيدهم الضر والنفع ، فيتخذهم وسائط له عند الله وقد قال سبحانه: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}(سورة الزمر 3). ويكون شركا أصغر: إذا كان يتخذ هذا التبرك بنثر التراب عليه، أو إلصاق الجسم به، أو التبرك بعين ماء ونحوها سباباً لحصول البركة كما يفعل لابس التميمة، أو الحرز أو الحلقة، أو الخيط؛ فكذلك هذا المتبرك، يجعل تلك الأشياء أسبابا مع اعتقاده أن الضار والنافع هو الله عز وجل فإذا أخذ - مَن هذه حاله - تراب القبر، ونثره عليه لاعتقاده أن هذا التراب مبارك، وإذا لامس جسمه فإن جسمه يتبارك به أي: من جهة السببية: فهذا شرك أصغر؛ لأنه لا يكون عبادة لغير الله - جل وعلا - وإنما اعتقد ما ليس سببا مأذونا به شرعا سببا. أمور مخالفة للتوحيد ثالثاً : السحر 1- تعريف السحر: السحر: عبارة عن عقد ينفث فيها، ورقي شركية يتكلم بها، أو يكتبها، أو يعمل شيئا يؤثر في بدن المسحور، أو قلبه، أو عقله، من غير مباشرة له. 2- أقسام السحر وحكمه: 1- شرك أكبر: وهو الذي يكون بواسطة الجن والشياطين يعبدهم ويتقرب إليهم ويسجد لهم ليسلطهم على المسحور. وحكم من صنع ذلك أنه كافر يقتل ردة. 2- فسق: وهو الذي يكون بواسطة الأدوية والعقاقير، ونحوها، ومن ذلك أيضا خفة اليد، والتلاعب على الأعين. فيصنع ذلك فإنه لا يكفر، ولكنه يعد فاسقا عاصيا، ويقتل من باب دفع الصائل إذا رأى ذلك ولي الأمر ذلك. 3- حكم الذهاب إلى السحرة: الذهاب إلى السحرة لا يخرج عن أحد أمرين: 1- أن يطلب علاج مريض من الساحر. 2- أن يقصده لعمل سحر بقصد إلحاق الأذى بغيره، أو تقريب حبيب، أو البحث عن شيء مفقود. وأيا كان السبب، فالذهاب إليهم محرم في دين الله؛ لما روى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: ((من أتى عرافا أو ساحرا أو كاهنا؛ فصدق بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم))[رواه أبو يعلى وصححه الألباني]. وعن عمران بن حصين رضي الله عن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من تَطير أو تُطير له، أو تَكهن أو تُكهن له، أو سَحر أو سُحر له، ومن أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم))[رواه البزار بإسناد جيد، وصححه الألباني]. وعن جابر رضي الله عنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن النشرة، فقال: ((من عمل الشيطان))[واه أحمد وأبو داود وصححه الألباني]. قال الحسن: "النشرة من السحر" والنشرة هي: حل السحر عن المسحور. وبالإضافة إلى النهي الصريح عن الذهاب إلى السحرة؛ فإن الذهاب إليهم للأغراض السابقة فيه تعلق بغير الله تعالى الذي بيده النفع والضر، وفيه إقرار للسحرة على فعلهم، وما يمارسونه من كفر، وهذا لا ينبغي أن يكون من مسلم يؤمن بالله تعالى. أمور مخالفة للتوحيد رابعاً : الكهانة والعرافة 1- تعريفها الكهانة: هي الإخبار عن الأمور المغيبة في المستقبل. العرافة: هي ادعاء علم المغيبات من الأمور الماضية أو الحاضرة – مثل ادعاء علمه بمكان المسروق، أو الضاله ونحوها- بطرق خفية . 2- حكم الكهانة والعرافة الكهانة والعرافة محرمة، وهي باب من أبواب الكفر بالله سبحانه، ونوع من أنواع السحر، وادعاء لعلم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، وفتح لباب الخرافة والدجل والتعلق بغير الله سبحانه. فلا يجوز للمسلم أن يتعلمها ولا يمارسها، أو يذهب إلى أهلها. والكهان والعراف من الطواغيت وهم أولياء الشياطين الذين يوحون إليهم كما قال تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ} [الأنعام: 121]. وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم خطورة خطورة إتيان الكهنة والعرافين على إيمان العبد، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد)) أخرجه أحمد والحاكم. وعن صفية عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال(من أتى عرافا فسأله عن شيء، لم تقبل منه صلاة أربعين يوما)) أخرجه مسلم. 3- أعمال وصور تدخل في الكهانة والعرافة - قراءة الكف والفنجان، وهي ادعاء معرفة صفات الشخص من خلال النظر إلى خطوط كفه، أو تعرجات أثر القهوة على جدار الفنجان. - تحضير أرواح الموتى، وهي ادعاء استحضار أرواح الموتى ومناجاتهم، والاستعانة بهم في علاج المرضى وكشف المغيبات والتنبؤ بالمستقبل. - الضرب بالودع، وهو استعمال الأصداف وتحريكها بشكل عشوائي لمعرفة الطالع والمستقبل. - الخط على الرمل، وهو ادعاء معرفة المستقبل لشخص ما من خلال قراءة ما يرسمه المنجم من خطوط على الرمل. أمور مخالفة للتوحيد خامساً : التمائم والحجب 1- تعريف التمائم: التمائم في اللغة: جمع تميمة، وهي في الأصل خرزة كانت تعلق على الأطفال، يتقون بها من العين ونحوها، وكأن العرب سموها بهذا الاسم لأنهم يريدون أنها تمام الدواء والشفاء المطلوب. وفي الاصطلاح: هي كل ما يعلق على المرضى، أو الأطفال، أو البهائم، أو غيرها من تعاويذ لدفع البلاء، أو رفعه. 2- حكم التمائم وأنواعها: يختلف حكم تعليق التمائم، بحسب ما تشتمل عليه، وكذلك يختلف الحكم لتفاوتها في أسبابها وغاياتها واعتقاد معلِّقها بها، وعليه فإن التمائم أنواع مختلفة، وبالتالي يختلف الحكم الشرعي من نوعٍ لآخر، وهي كالآتي: النوع الأول: تمائم تشتمل على الاستغاثة بالشياطين، أو غيرهم من المخلوقين، فهذا شرك أكبر، يخرج من الملة، ويُخَلَّد في النار، فالاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شركٌ، قال الله تعالى: {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} [الزمر : 38]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من علَّق تميمة فقد أشرك))[رواه أحمد والحاكم وصححه الألباني]. وفي الحديث الصحيح أيضاً: ((مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ))[رواه الترمذي وصححه الألباني] أي وكله اللّه إلى ذلك الشيء الذي تعلقه وخذله، ويا لخسارته، فإن التميمة لا تسمن ولا تغني من جوعٍ، ولا تملك له من دون، ضرّاً ولا نفعاً. النوع الثاني: تمائم فيها رسوم وأشكال وطلاسم، وأسماء وألفاظ، لا يعقل معناها، فهذه محرمة؛ وهي من الشرك الأصغر. النوع الثالث: أما التعاليق التي فيها قرآن، أو أحاديث نبوية، أو أدعية مأثورة، أو مشروعة، فهذه اختلف العلماء فيها، فرخَّص فيه بعض السلف، وبعضهم يمنعه، منهم ابن مسعود رضي الله عنه؛ لأنه داخل في عموم النهي، وصيانَةً للقرآن من استعماله في غير ما شرع الله سبحانه. والأحوط عدم تعليقها لعدة أمور، أهمها: 1 - أن الأحاديث جاءت عامة في النهي عن التمائم، ولم يأت حديث واحد في استثناء شيء منها. 2 – أن تعليق التمائم من القرآن والأدعية والأذكار المشروعة نوع من الاستعاذة والدعاء، فهي على هذا عبادة من العبادات، وهي بهذه الصفة لم ترد في القرآن ولا في السنة، والأصل في العبادات التوقيف، فلا يجوز إحداث عبادة لا دليل عليها. 3 - أن في تعليقها تعريضا للقرآن وكلام الله تعالى وعموم الأذكار الشرعية للإهانة، إذ قد يدخل بالتميمة أماكن الخلاء، وقد ينام عليها الأطفال أو غيرهم، وقد تصيبها بعض النجاسات، وفي منع تعليقها صيانة للقرآن ولذكر الله تعالى عن الإهانة. النوع الرابع: تعليق الخرزة والحلقة والخيط والخاتم ونحوه لرفع البلاء أو دفعه، وهذا النوع سنتناول حكمه بشيءٍ من التفصيل؛ إذ يتوقف فهمه على معرفة أحكام الأسباب، وخلاصة القول فيها –كما بيَّن العلماء– أنه يجب على العبد أن يعرف في الأسباب ثلاثة أمور: أحدها: أن لا يجعل منها سبباً إلا ما ثبت أنه سبب شرعاً، أو قدراً. ثانيها: أن لا يعتمد العبد عليها، بل يعتمد على مسببها ومقدرها سبحانه، مع قيامه بالمشروع منها. ثالثها: أن يعلم أن الأسباب مهما عظمت وقويت، فإنها مرتبطة بقضاء الله وقدره لا خروج لها عنه، والله تعالى يتصرف فيها كيف يشاء. فإذا فهمت ذلك فاعلم أن من لبس الحلقة أو الخيط أو نحوهما؛ قاصداً أنها تدفع البلاء او ترفعه بذاتها فهي الضارة النافعة فقد أشرك شركاً أكبر، حيث اعتقد شريكاً مع الله في الخلق والتدبير والتأثير، وهذا شرك في الربوبية، وهو شركٌ في الألوهية أيضاً من حيث تَألُّه تلك التميمة، وتعلُّق قلبه بها؛ طمعاً ورجاءً لنفعها. وإن اعتقد أن الله هو النافع الضارُّ وحده ولكن اعتقدها سبباً، يُستدفع بها البلاء، فقد جعل ما ليس سبباً شرعياً، ولا قدرياً سبباً، وهذا من الشرك الأصغر، وهو محرمٌ وكذبٌ على القدر وعلى الشرع، بل الشرع ينهى عن ذلك أشد النهي، كما أنه نقصٌ في العقل، حيث تعلق بغير متعلق ولا نافع بوجه من الوجوه، بل هو ضررٌ محضٌ. أمور مخالفة للتوحيد سادساً : التطير والتشاؤم 1- تعريف التطير: هو أن يتشاءم الإنسان بما يكره مما رآه، أو سمعه؛ كالتشاؤم بصوت الغراب، أو رؤية البومة. 2- صور من التطير والتشاؤم: تتعدد صور التطير والتشاؤم عند الناس؛ ومن ذلك: التشاؤم من رؤية الأعور، أو الغراب والبومة، أو القط الأسود، أو وقوع حادث، أو التشاؤم من شهر معين، أو يوم معين، أو التشاؤم من عدد معين، أو التشاؤم من اضطراب عينه، أو غير ذلك. 3- حكم التطير: التطير ينافي التوحيد؛ من وجهين: أولا: أن المتطير قطع توكله على الله، واعتمد على غير الله، وقد عد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك من الشرك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الطيرة شرك، الطيرة شرك)) [رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني]. ثانيا: أنه تعلق بأمر لا حقيقة له، بل هو وهم وتخييل، ومن تعلق بغير الله وكله الله إليه.. والمتطير لا يخلو حاله من حالين: الأول: أن يحجم ويستجيب لهذه الطيرة، ويدع العمل، وهذا من أعظم التطير والتشاؤم؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((من ردته الطيرة من حاجة فقد أشرك)[رواه أحمد، وصححه الألباني]. الثاني: أن يمضي في مراده، ولكنه في قلق وهم وغم يخشى من تأثير ما تطير به، فهذا أيضا من التشاؤم، لكنه أخف من الأول. 4- علاج التطير والتشاؤم: إذا وقع في قلب الإنسان شيء من التطير؛ فكفارة ذلك أن يدعو بهذا الدعاء: ((اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك)) [رواه أحمد، وحسنه محققو المسند]. ثم يعتمد على الله، ويحقق التوكل عليه سبحانه، ويعزم على ما أراد؛ قال ابن مسعود رضي الله عنه: ((وما منا إلا، ولكن الله يذهبه بالتوكل))[رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة، وصححه الألباني]. أمور مخالفة للتوحيد سابعاً : التشبه بالكفار جاء التشريع بتحريم تشبه المسلمين بالكفار، سواء في عباداتهم، أو أعيادهم، أو أزيائهم الخاصة بهم، وهذه قاعدة عظيمة في الشريعة الإسلامية، خرج عنها اليوم - مع الأسف - كثير من المسلمين، جهلاً بدينهم، أو اتباعاً لأهوائهم، أو انجرافاً مع العادات والتقاليد المخالفة للشرع. ومن العجيب أن هذا الأصل ـ الذي يجهله كثير من المسلمين اليوم ـ قد عرفه اليهود الذين كانوا في المدينة مع النبي صلى الله عليه وسلم، عرفوا أنه صلى الله عليه وسلم يريد أن يخالفهم في كل شؤونهم الخاصة بهم، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه: ((أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها، ولم يجامعوهن في البيوت، فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} إلى آخر الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اصنعوا كل شيء إلا النكاح، فبلغ ذلك اليهود، فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه))[رواه مسلم]. ولذلك يحرم التشبه بالكفار فيما هو من خصائصهم، الدينية والدنيوية؛ لما ورد في الآيات والأحاديث من النهي عن ذلك فعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من تشبه بقوم فهو منهم)).[رواه أبو داود وصححه الألباني]. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وهذا الحديث أقل أحواله أنه يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبِّه بهم، كما في قوله: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} فقد يحمل هذا على التشبه المطلق فإنه يوجب الكفر ، ويقتضي تحريم أبعاض ذلك ، وقد يحمل على أنه صار منهم في القدر المشترك الذي شابههم فيه ، فإن كان كفراً أو معصية أو شعاراً للكفر أو للمعصية كان حكمه كذلك، وبكل حال، فهو يقتضي تحريم التشبه بهم بعلة كونه تشبهاً أي: تحريم التشبه بهم من أجل أنه تشبه، لا لسبب آخر" وقول الله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}(الحديد: 16). قال شيخ الإسلام رحمه الله: "فقوله: {وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} نهي مطلق عن مشابهتهم، وهو خاص أيضاً في النهي عن مشابهتهم في قسوة قلوبهم، وقسوة القلوب من ثمرات المعاصي". وقال ابن كثير رحمه الله عند تفسير هذه الآية: "ولهذا نهى الله المؤمنين أن يتشبهوا بهم في شيء من الأمور الأصلية والفرعية ". وعن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خالفوا اليهود، فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم))[رواه أبو داود وصححه الألباني]. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم علي ثوبين معصفرين، فقال: ((إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها))[رواه مسلم]. وقد علَّل الرسول صلى الله عليه وسلم النهي عن لبس هذه الثياب بأنها من لباس الكفار، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خالفوا المشركين، أحفوا الشوارب، وأوفوا اللحى))[رواه مسلم]. فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بمخالفة المشركين أمراً مطلقاً، ثم ذكر من ذلك: قص الشوارب، وإعفاء اللحي. وقد أوجب الشرع الحنيف مخالفة الكافرين، وترك التشبه بهم فيما هو من خصائصهم، والتشبه يكون فيما يظهر ومن ذلك لبس الثياب التي هي علامة عليهم، والتكلم كطريقة كلامهم والتحدث بلغتهم بغير حاجة وقصات شعورهم ومشاركتهم أفراحهم وأحزانهم وتهنئتهم بأعيادهم ومشاركتهم في ذلك وغيرها. والتشبه بالكفار وتقليدهم من أعظم ما يُحدث البدع بين المسلمين، ومما يدل على ذلك حديث أبي واقد الليثي - رضي الله عنه - قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حنين، ونحن حديثو عهدٍ بكفر، وكانوا أسلموا يوم الفتح، قال: فمررنا بشجرة فقلنا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط؟ وكان للكفار سدرة يعكفون حولها، ويعلِّقون بها أسلحتهم، يدعونها ذات أنواط، فلما قلنا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الله أكبر قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} لتركبنَّ سنن من كان قبلكم))[اللفظ لابن أبي عاصم في السنة ورواه الترمذي بلفظ آخر وصححه الألباني]. وهذا الحديث فيه دلالة واضحة على أن التشبه بالكفار هو الذي حمل بني إسرائيل على أن يطلبوا هذا الطلب القبيح، وهو الذي حمل أصحاب النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - على أن يسألوه أن يجعل لهم شجرة يتبَّركون بها من دون الله - عز وجل -، وهكذا غالب الناس من المسلمين، قلّدوا الكفار في عمل البدع والشركيات، كأعياد المواليد، وبدع الجنائز، والبناء على القبور، ولا شك أن اتباع السَّنَن باب من أبواب الأهواء، والبدع، ويزيد ذلك وضوحاً حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((لتتبعن سنن من كان قبلكم: شِبراً بشبرٍ، وذراعاً بذراعٍ، حتى لو دخلوا جحر ضبٍّ تبعتموهم)) قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: ((فمن))؟[رواه البخاري]. قال الإمام النووي رحمه الله: " السَّنَن، بفتح السين والنون: وهو الطريق، والمراد بالشبر، والذراع، وجحر الضب: التمثيل بشدّة الموافقة في المعاصي والمخالفات، لا في الكفر، وفي هذا معجزة ظاهرة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -،فقد وقع ما أخبر به - صلى الله عليه وسلم –". فظهر أن الشبر، والذراع، والطريق، ودخول الجحر تمثيل للاقتداء بهم في كل شيء مما نهى الشرع عنه وذمّه، وقد حذّر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن التشبّه بغير أهل الإسلام، فقال: ((ومن تشبّه بقوم فهو منهم))[رواه أحمد وصححه الألباني]. والخلاصة: أن الأصل أن حكم التشبه بالكفار فيما هو من خصائصهم الدينية أو الدنيوية هو التحريم، وهناك حالات معينة قد تجعل المسلم يشارك الكفار في الهدي الظاهر، فلو أن المسلم بدار الحرب أو دار كفر غير حرب لم يكن مأموراً بالمخالفة لهم في الهدي الظاهر لما عليه في ذلك من الضرر بل يُباح للرجل وقد يستحب ذلك أو يجب أن يشاركهم أحياناً في هديهم الظاهر إذا كان في ذلك مصلحة دينية من دعوتهم إلى الدين والاطلاع على باطن أمرهم لإخبار المسلمين بذلك أو دفع ضررهم عن المسلمين ونحو ذلك من المقاصد الصالحة أما في دار الإسلام فيجب فيها المخالفة. |
#9
|
||||
|
||||
فقه الطهارة
1 - تعريف الطهارة
معنى الطهارة في اللغة: النظافة والنزاهة عن الأقذار والأوساخ، سواء كانت حسِّية، أو معنوية. وفي الاصطلاح: ارتفاع الحدث وما في معناه ( والحدث وصف قائم بالبدن يمنع من الصلاة ونحوها مما تشترط له الطهارة ) ، وزوال الخبث (والخبث هو النجاسة ) في الثوب والمكان والبدن. والحدث نوعان: حدث أصغر يوجب الوضوء، كخروج الريح، وحدث أكبر يوجب الغسل، كخروج المني بشهوة. 2 - أقسام المياه القسم الأول: الماء الطهور. وهو الماء المطلق الباقي على خلقته، سواء نبع من الأرض، أو نزل من السماء، كماء البحار والأنهار والآبار والأمطار. وهو طاهر في نفسه مطهر لغيره، قال تعالى: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان:48]، وقال: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ} [الأنفال:11]. وقال صلى الله عليه وسلم عن ماء البحر: ((هو الطهور ماؤه الحل ميتته)) أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة. القسم الثاني: الماء النجس. وهو ما وقعت فيه نجاسة فتغيرت أحد أوصافه الثلاثة: طعمه، أو لونه، أو ريحه. 3 - أحكام الأنية تعريف الآنية: الآنية هي الأوعية التي يحفظ فيها الماء وغيره، والأصل فيها الإباحة، لقوله سبحانه: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً}[البقرة: 29]. شروط الآنية: يشترط في الآنية ثلاثة شروط: الأول: أن لا يكون منهيا عن استعمالها، فلا يجوز استعمال آنية الذهب والفضة، والمطلي بمائهما في الطهارة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها؛ فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة)) متفق عليه. الثاني: أن تكون طاهرة، فلا يجوز استعمال الآنية المصنوعة من جلد الخنزير أو الكلب في الطهارة؛ لأنهما لا يطهران بالذكاة ولا بالدبغ. ولا يجوز استعمال الآنية المصنوعة من جلد الميتة، إلا إذا كانت لحيوان مأكول اللحم ودبغ جلده؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دبغ الإهاب فقد طهر)) أخرجه مسلم. الثالث: ألا تكون مغصوبة أو مسروقة، فلا يباح التطهر بالآنية المغصوبة، ولا التي لم يأذن مالكها في استعمالها، فإن تطهر بها صحت طهارة مع الإثم آنية الكفار الأصل في آنية الكفار الطهارة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ من مزادة- وهي نوع من الأواني- امرأة مشركة. أخرجه البخاري. أما إذا عُلم عن الكفار استعمالهم الآنية في النجاسات، فإنه يجب غسلها قبل استعمالها؛ لما رواه أبو ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، إنا بأرض قوم أهل كتاب، أفنأكل في آنيتهم ؟ قال( إن وجدتم غير آنيتهم فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا فاغسلوها ثم كلوا فيها)) متفق عليه. 4 - أداب الخلاء 1- أن يقدم رجله اليسرى عند دخول الخلاء ويقول: (بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) ويقدم رجله اليمنى عند الخروج من الخلاء، ويقول : (غفرانك). 2- لا يستقبل القبلة عند البول والغائط في الفضاء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها)). أخرجه مسلم ، والأولى أيضا عدم استقبالها في البنيان . 3- لا يمس ذكَرَه بيمينه وهو يبول لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا بال أحدكم فلا يأخذن ذكره بيمينه ولا يستنجي بيمينه، ولا يتنفس في الإناء)) أخرجه البخاري. 4- أن لا يزيل النجاسة بيمينه بل يستخدم شماله لمباشرة النجاسة في إزالتها، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا تمسح أحدكم فلا يتمسح بيمينه)) أخرجه البخاري. 5- أن يستتر عن أعين الناس عند قضاء الحاجة ، وإذا كان الإنسان في الفضاء وأراد قضاء حاجة ولم يجد شيئا يستره فليبتعد عمن حوله من الناس لما رواه المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: ((كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم حاجته فأبعد في المذهب)) أخرجه الترمذي. 6- أن لا يكشف العورة إن كان في الفضاء إلا بعد أن يدنو من الأرض لأنّه أستر لما رواه أَنس رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد الحاجة لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض)) أخرجه الترمذي وصححه الألباني. 7- الاعتناء بإزالة النجاسة بعد الفراغ من قضاء الحاجة لقوله صلى الله عليه وسلم محذّرا من التساهل في التطهّر من البول: ((أكثر عذاب القبر من البول)) أخرجه ابن ماجة وصححه الألباني. 8- أن لا يبول في الماء الراكد، لما رواه جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يبال في الماء الراكد. أخرجه مسلم. 9- أن لا يبول في طريق الناس ولا في ظل يستظل به النّاس؛ لأن في ذلك إيذاء لهم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا اللاعنين، قالوا وما اللاعنان يا رسول الله، قال الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم)) أخرجه أبو داود وصححه الألباني. 10- أن لا يدخل معه حال قضاء الحاجة شيئاً فيه ذكر الله عز وجل. 11- لا يسلّم على من يقضي حاجته ولا يرد السلام وهو في مكان قضاء الحاجة تنزيهاً لله أن يُذكر اسمه في الأماكن المستقذرة، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رجلاً مر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتني على مثل هذه الحالة فلا تسلم علي فإنك أن فعلت ذلك لم أرد عليك. أخرجه ابن ماجة، وصححه الألباني. 5 - أحكام الوضوء 1 - حكم الوضوء يجب الوضوء للصلاة فرضاً كانت أو نفلاً: قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ}(سورة المائدة 6). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ)) [رواه البخاري]، ولفظ مسلم: ((لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)). يجب الوضوء للطواف بالبيت .. ومس المصحف .. وتلاوة القرآن .. وذكر الله .. وعند النوم. بل يسن الوضوء على الدوام؛ لما فيه من إجلال الله: عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال: ((يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة)) قال: ما عملت عملاً أرجى عندي: أني لم أتطهر طهوراً، في ساعة ليل أو نهار، إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي.[متفق عليه واللفظ للبخاري]. 2 - فضل الوضوء ورد في فضل الوضوء أحاديث كثيرة منها: عن عبد الله الصنابجي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا توضأ العبد فمضمض خرجت الخطايا من فيه، فإذا استنشر خرجت الخطايا من أنفه، فإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج من تحت أشفار عينيه، فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه حتى تخرج من تحت أظافر يديه، فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه، فإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من تحت أظافر رجليه، ثم كان مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة)) رواه مالك والنسائي وابن ماجه والحاكم. [رواه الحاكم وصححه الألباني]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات. قالوا: بلى يا رسول الله، قال: (إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط)) رواه مالك ومسلم والترمذي والنسائي. [رواه مسلم]. 3 - فروض الوضوء فروض الوضوء ستة: الأول: غسل الوجه والفم والأنف منه. الثاني: غسل اليدين إلى المرفقين. الثالث: مسح الرأس ومنه الأذنان. الرابع: غسل الرجلين. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}(سورة المائدة: 6). الخامس: الترتيب لأن الله جل شأنه ذكره مرتباً وأدخل ممسوحاً بين مغسولين. السادس: الموالاة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك. 4 - سنن الوضوء هناك أفعال يستحب فعلها عند الوضوء ويؤجر عليها من فعلها، ومن تركها فلا حرج عليه، وتسمى هذه الأفعال بسنن الوضوء، وهي: 1 - التسمية في أوله: لقوله صلى اللّه عليه وسلم: ((لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه)).[رواه أبو داود وصححه الألباني]. 2 - السواك: لقوله صلى اللّه عليه وسلم: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء)). [رواه الطبراني في الأوسط وصححه الألباني]. 3 - غسل الكفين ثلاثاً في أول الوضوء: لفعله صلى اللّه عليه وسلم ذلك، إذ كان يغسل كفيه ثلاثاً كما ورد في صفة وضوئه. 4 - المبالغة في المضمضة والاستنشاق لغير الصائم لقوله صلى اللّه عليه وسلم: ((وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً))[رواه أبو داود وصححه الألباني]. 5 - الدلك، وتخليل اللحية الكثيفة بالماء حتى يدخل الماء في داخلها: لفعله صلى اللّه عليه وسلم، فإنه كان إذا توضأ يدلك ذراعيه[رواه الحاكم وصححه الألباني]. وكذلك كان يدخل الماء تحت حنكه ويخلل به لحيته[رواه أبو داود وصححه الألباني]. 6 - تقديم اليمنى على اليسرى في اليدين والرجلين: لفعله صلى اللّه عليه وسلم، فإنه كان يحب التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله [متفق عليه]. 7 - تثليث الغسل في الوجه واليدين والرجلين: فالواجب مرة واحدة، ويستحب ثلاثاً، لفعله صلى اللّه عليه وسلم فقد ثبت عنه: أنه توضأ مرة مرة ومرتين مرتين وثلاثاً ثلاثاً [رواه البخاري]. 8 - الذكر الوارد بعد الوضوء: لقوله صلى اللّه عليه وسلم: ((ما منكم أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء)).[رواه مسلم]. 5 - صفة الوضوء 1 - أن ينوي الوضوء. 2 - ثم يغسل كفيه بالماء ثلاث مرات. 3 - ثم يتمضمض ويستنشق بغرفة واحدة، نصف الغرفة لفمه والنصف الآخر لأنفه، يفعل ذلك ثلاث مرات. 4 - ثم يغسل وجهه من منابت شعر الرأس إلى ما انحدر من اللحيين طولاً، ومن الأذن إلى الأذن عرضاً، يفعل ذلك ثلاث مرات. 5 - ثم يغسل يده اليمنى من أطراف الأصابع إلى المرفق ثلاث مرات، ثم اليسرى كذلك. 6 - ثم يبلل يديه بالماء، ويمسح بهما رأسه، يبدأ من مُقَدَّمه إلى أن يصل قفاه، ثم يعيدهما إلى مُقَدَّمه مرة أخرى، يفعل ذلك مرة واحدة. 7 - ثم يغسل رجله اليمنى مع الكعب ثلاث مرات، ثم الرجل اليسرى كذلك، ويسبغ الوضوء في مواضعه. عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله وترجله، وطهوره، وفي شأنه كله. متفق عليه[متفق عليه]. 8 - ثم يدعو بما ورد في السنة من الذكر بعد الفراغ من الوضوء، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ (أو فيسبغ) الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبدالله ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء))[رواه مسلم]. 6 - نواقض الوضوء 1 - الخارج من السبيلين كالبول والغائط، والدم والمني، والريح وغير ذلك. 2 - زوال العقل بنوم طويل، أو إغماء، أو سكر، أو جنون. 3 - مس الفرج باليد من غير حائل. 4 - كل ما أوجب غسلاً كالجنابة والحيض والنفاس. 5 - الردة عن الإسلام. 6- أكل لحم الإبل . 6 - أحكام المسح على الخفين ونحوهم 1 - التعريف المسح: لغة: الإمرار. وفي الاصطلاح: إمرار اليد مبلولة على ما شرع المسح عليه. والخفان: تثنية خف، وهما: ما يلبس على الرجلين من جلدٍ، بحيث يكون سائراً للقدمين والكعبين. 2 - الحكم رخصة، فإذا كان الإنسان لابسًا كان أفضل من نزع الخفين وغسل الرجلين أخذاً برخصة الله -عز وجل-، واقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، ومخالفة للمبتدعة، وإن كان خالعًا فالأفضل غسل الرجلين، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يتكلف ضد حاله التي عليها قدماه، بل إن كانتا في الخفين مسح على الخفين، وإن كانتا مكشوفتين غسل القدمين، فلا يشرع لبس الخف؛ ليمسح عليه، ولا يخلع ليغسل. 3 - المدة للمقيم أن يمسح يوماً وليلةً، وللمسافر سفراً يبيح له القصر أن يمسح ثلاثة أيام بلياليها، لما رواه علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ، ويوماً وليلة للمقيم "[رواه مسلم]. وحساب مدة المسح تبدأ في الحالتين يكون من المسح بعد الحدث. 4 - شروط المسح يشترط للمسح على الخفين وما يقوم مقامهما من الجوارب، ونحوها: 1- أن يكون طاهراً، ولا يكون مصنوعاً من جلد خنزير أو كلب، أو ميتة. 2- أن يكون ملبوساً على طهارةً كاملةً. 3- أن يكون الخف مباحاً، ولا يكون مغصوباً، أو مسروقاً، أو حريراً بالنسبة للرجال.. 4- أن يكون صفيقاً، لا يصف البشرة تحته. 5- أن يكون ساتراً للمغسول تحته. 6- أن يكون المسح عليه في الوقت المحدد شرعًا. 5 - صفة المسح أن يضع أصابع يديه مبلولتين بالماء على أصابع رجليه ثم يمرهما إلى ساقه، يمسح الرجل اليمنى باليد اليمنى، والرجل اليسرى باليد اليسرى، ويفرج أصابعه إِذا مسح، ولا يكرر المسح، والمسح يكون على ظاهر الخف، لقول علي رضي الله عنه: " لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه"[رواه أبو داود، وصححه الألباني]. 6 - مبطلات المسح يبطل المسح على الخفين بأحد هذه الأمور: أولا: حدوث موجب الغسل، كجنابة، أو حيض، أو نفاس. ثانيا: نزعه من الرِّجل، ولو بخروج بعض القدم إلى ساق الخف. رابعا: انقضاء مدة المسح. 7 - المسح ع الجبيرة الجبيرة، هي أعواد ولفائف، ونحوها تربط على الكسر، ويمسح على الضماد الذي يكون على الجرح، وكذلك يمسح على اللصوق الذي يجعل على القروح، لورود ذلك عن ابن عمر -رضي الله عنهما- كل هذه الأشياء يمسح عليها، بشرط أن تكون على قدر الحاجة بحيث تكون على الكسر، أو الجرح، وما قرب منه مما لابد من وضعها عليه لتؤدي مهمتها، فإن تجاوزت قدر الحاجة، لزمه نزع ما زاد عن الحاجة، فإن تضرر بذلك، مسح على الزائد وأجزأه. |
#10
|
||||
|
||||
7 - أحكام الغسل - 1 - التعريف الغسل لغة: مصدر من غسل الشيء يغسله غَسلاً وغُسلاً، وهو تمام غسل الجسد كله. ومعناه شرعا: تعميم البدن بالماء. أو استعمال مال طهور في جميع البدن على صفة مخصوصة، على وجه التعبد لله سبحانه 2 - الحكم الغسل واجب إذا وجد سبب لوجوبه؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ}[النساء:43]، وقوله سبحانه: {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ}[المائدة:6]. 3 - موجبات الغسل 1- خروج المني من مخرجه من الذكر أو الأنثى لقوله تعالى: {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ}[المائدة:6]، ولا يخلو: إما أن يخرج في حال اليقظة، أو حال النوم، فإن خرج في حال اليقظة؛ اشترط وجود اللذة بخروجه، فإن خرج بدون لذة؛ لم يوجب الغسل؛ كالذي يخرج بسبب مرض، وإن خرج في حال النوم، وهو ما يسمى بالاحتلام، وجب الغسل مطلقا؛ لفقد إدراكه، فقد لا يشعر باللذة؛ فالنائم إذا استيقظ ووجد أثر المني؛ وجب عليه الغسل، وإن احتلم، ولم يخرج منه مني، ولم يجد له أثرا؛ لم يجب عليه الغسل، لقوله صلى الله عليه وسلم لما سئل: هل على المرأة غسل إذا احتلمت ؟ قال: ((نعم إذا رأت الماء)) أخرجه مسلم. 2- إيلاج الذكر في الفرج، ولو لم يحصل إنزال؛ للحديث الذي رواه مسلم وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا قعد بين شعبها الأربع، ثم مس الختان الختان؛ فقد وجب الغسل)) فيجب الغسل على الواطئ والموطوءة بالإيلاج، ولو لم يحصل إنزال؛ لهذا الحديث، ولإجماع أهل العلم على ذلك. 3- انقطاع دم الحيض والنفاس: لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت أبي حبيش: ((إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي)) أخرجه البخاري. 4- الموت، لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث غسل ابنته زينب حين توفيت: ((اغسلنها)) متفق عليه. وقال في المحرم: ((اغسلوه بماء وسدر)) [متفق عليه]. 4 - فروض الغسل وسننه فروض الغسل هي: - النية، وهي أن ينوي رفع الحدث، سواء كان جنابة أو حيضاً أو نفاساً، أو ينوي ما أراده من غسل مستحب. - تعميم البدن بالماء، ويشمل إيصال الماء إلى كل عضو في جسده. - تخليل الشعر؛ لكي يصل الماء إلى أصوله. - سنن الغسل هي: - التسمية. - غسل الكفين ثلاثا. - الوضوء قبل الاغتسال. - صب الماء على الرأس ثلاثاً. - التيامن. - غسل الرجلين بمكان آخر. - عدم الاسراف في الماء. - الدعاء في آخر الغسل كالوضوء. 5 - صفة الغسل للغسل صفتان: صفة إجزاء وصفة كمال. - صفة الغسل المجزئ: أن ينوي الغسل، ثم يعم بدنه بالغسل مرة واحدة، ويتمضمض ويستنشق. - صفة الغسل الكامل: أن ينوي الغسل، ثم يغسل يديه ثلاثاً، ثم يغسل فرجه وما لوَّثه، ثم يتوضأ وضوءاً كاملاً، ثم يُروي رأسه ثلاثاً، ويخلِّل شعره بيده، ثم يغسل بقية جسده مرة واحدة، ويتيامن، ويدلكه، ولا يسرف في الماء. 6 - الأغسال المستحبة تقدم بيان الأغسال الواجبة، وأما الأغسال المسنونة والمستحبة، فهي: - الاغتسال عند كل جماع: لحديث أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ذات ليلة يغتسل عند هذه وعند هذه قال: فقلت يا رسول الله ألا تجعله واحداً ؟ قال: ((هذا أزكى وأطيب وأطهر))، أخرجه أبو داود وابن ماجة وحسنه الألباني. - الغسل للجمعة: لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل))، أخرجه البخاري. وهو آكد الأغسال المستحبة. - الاغتسال للعيدين. - الاغتسال عند الإحرام بالعمرة والحج: فإنه صلى الله عليه وسلم اغتسل لإحرامه. - الاغتسال لدخول مكة. - الاغتسال للوقوف بعرفة. - الغسل من غسل الميت: لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من غسل ميتاً فليغتسل)). أخرجه ابن ماجة وصححه الألباني. - الغسل من الإغماء. - الاغتسال للدخول في الإسلام. 7 - ما يحرم ع المحدث حدثا أكبر 1- لا يجوز له المكث في المسجد إلا عابر سبيل؛ لقوله سبحانه: {وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ} [النساء: 43]. 2- لا يجوز له مس المصحف؛ لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا يمس القرآن إلا طاهر)) رواه مالك في الموطأ ، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير . 3- لا يجوز له قراءة القرآن، فلا يقرأ الجنب شيئا من القرآن حتى يغتسل؛ لحديث علي رضي الله عنه قال: كان عليه الصلاة والسلام لا يمنعه من القرآن شيء إلا الجنابة)) أخرجه الترمذي وأحمد. 4- يحرم على الجنب الصلاة، والطواف. 8 - أحكام التيمم 1 - التعريف التيمم لغة: القصد، قال تعالى: {وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ}(سورة المائدة 2). آمين أي: قاصدين. وشرعا: مسح الوجه واليدين بتراب طهور على وجه مخصوص. 2 - الحكم التيمم مشروع ورخصة من الله عز وجل لعباده، وهو من محاسن شريعة الإسلام ومن خصائص أمة محمد عليه الصلاة والسلام، ودليل مشروعيته قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(سورة المائدة 6). ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الصعيد الطيب طهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته، فإن ذلك خير))[رواه الترمذي وصححه الألباني] ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا))[رواه البخاري]. وقد أجمع أهل العلم على مشروعية التيمم إذا توافرت شرائطه، وأنه قائم مقام الطهارة بالماء، فيباح به ما يباح بالتطهر بالماء من الصلاة، والطواف، وقراءة القرآن، وغير ذلك. فمتى ما تيمم الإنسان بالتراب ونحوه ارتفع حدثه الأصغر والأكبر كما يرتفع بالماء، ويستمر ذلك إلى زوال العذر الذي أجاز له التيمم، فمتى ما زال العذر -كوجود الماء مثلاً- بطل تيممه. 3 - شروط جواز التيمم شروط التيمم، والأسباب المبيحة له: يباح التيمم عند العجز عن استعمال الماء: إما لعدمه؛ لقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا}(سورة المائدة أو لخوفه الضرر باستعماله، إما لمرض يخشى زيادته، أو تأخر شفائه باستعمال الماء؛ لقوله تعالى: {وَإِن كُنتُم مَّرْضَى} ولحديث صاحب الشجة، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: ((قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذا لم يعلموا إنما شفاء العي السؤال))[رواه أبو داود وحسنه الألباني]. أو لشدة برد يخشى معه الضرر، أو الهلاك باستعمال الماء؛ لحديث عمرو بن العاص أنه لما بعث في غزوة ذات السلاسل قال: ((احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت، ثم صليت بأصحابي الصبح))[رواه أبو دواد وصححه الألباني]. 4 - فروض التيمم وسننه فروض التيمم: 1- النية. 2- مسح الوجه 3- مسح الكفين إلى الرسغين (الرسغ : مفصل اليد) سنن التيمم: 1- التسمية. 2- الترتيب. 3- الموالاة. 5- صفة التيمم أن ينوي المسلم التيمم .. ثم يضرب الأرض مرة بباطن يديه .. ثم ينفخهما لتخفيف الغبار عنهما .. ثم يمسح بهما وجهه .. ثم كفيه .. يمسح ظهر اليد اليمنى بباطن اليسرى .. ثم يمسح ظهر اليد اليسرى بباطن اليمنى .. وأحيانا يقدم مسح اليدين على الوجه. عن عبدالرحمن بن أبزى قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: إني أجنبت فلم أصب الماء، فقال عمار بن ياسر لعمر بن الخطاب: أما تذكر أنا كنا في سفر أنا وأنت، فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت فصليت، فذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((إنما كان يكفيك هكذا)). فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض، ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه. متفق عليه.[متفق عليه واللفظ للبخاري] وعن عمار رضي الله عنه -في صفة التيمم- وفيه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنما كان يكفيك أن تصنع هكذا)). فضرب بكفه ضربة على الأرض، ثم نفضها، ثم مسح بهما ظهر كفه بشماله، أو ظهر شماله بكفه، ثم مسح بهما وجهه. متفق عليه [متفق عليه واللفظ للبخاري 6 - مبطلات التيمم يبطل التيمم بما يلي: 1 - وجود الماء. 2 - زوال العذر من مرض أو حاجة ونحوهما. 3 - أحد نواقض الوضوء. 7 - حكم فاقد الطهورين من عدم الماء والصعيد أي التراب بكل حال من الأحوال -أو وجدهما ولكن عجز عن استعمالهما- فإنه يصلي على حسب حاله ولا إعادة عليه لما رواه مسلم عن عائشة أنها استعارت من أسماء قلادة فهلكت. فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسا من أصحابه في طلبها، فأدركتهم الصلاة فصلوا بغير وضوء، فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم شكوا ذلك إليه، فنزلت آية التيمم، فقال أسيد بن حضير. جزاك الله خيرا، فو الله ما نزل بك أمر قط، إلا جعل الله لك منه مخرجا، وجعل للمسلمين منه بركة[متفق عليه]. فهؤلاء الصحابة صلوا حين عدموا ما جعل لهم طهورا، وشكوا ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فلم ينكره عليهم، ولم يأمرهم بالاعادة: قال النووي: وهو أقوى الاقوال دليلا. [فقه السنة (1/ 82)]. 9 - أحكام الحيض والنفاس 1 - أحكام الحيض 1- تعريفه: الحيض لغة: هو السيلان، يقال: حاض الوادي: إذا سال، وحاضت الشجرة: إذا سال صمغها. وحاضت المرأة إذا سال دمها. وشرعاً: دم طبيعة لونه أسود خاثر، كريه الرائحة يخرج من قعر الرحم في أوقات معلومة، حال صحة المرأة، من غير سبب ولادة ولا مرض. 2- بداية وقت الحيض ونهاية: الحيض علامة على بلوغ المرأة، فمتى رأت المرأة دم الحيض فقد بلغت، ويستمر في النزول حتى يحصل له الانقطاع وليس هناك سن محددة ينتهي معا الحيض فمتى رأت العجوز المسنة الدم، فهو حيض، لعموم قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة: 222]. 3- أقل مدة الحيض وأكثره: ليس لأقل الحيض ولا لأكثره حدٌّ بالأيام على الصحيح ؛ لقول الله عز وجل : {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ } [البقرة:222]. فلم يجعل الله غاية المنع أياماً معلومة، بل جعل غاية المنع هي الطهر، فدل هذا على أن علة الحكم هي الحيض وجوداً أو عدماً، فمتى وجد الحيض ثبت الحكم، ومتى طهرت منه زالت أحكامه، ثم إن التحديد لا دليل عليه، مع أن الضرورة داعية إلى بيانه، فلو كان التحديد بسنٍّ أو زمن ثابتاً شرعاً لكان مبيَّناً في كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، فبناء عليه: فكل ما رأته المرأة من الدم المعروف عند النساء بأنه حيض فهو دم حيض من غير تقدير ذلك بزمن معين، إلا يكون الدم مستمراً مع المرأة لا ينقطع أبداً، أو ينقطع مدة يسيرة كاليوم واليومين في الشهر، فإنه حينئذٍ يكون دم استحاضة. مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين(11/271). 4- ما يوجبه الحيض: 1- البلوغ: لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)) أخرجه أبو داود والترمذي وصححه الألباني. 2- الغسل، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها، ثم اغتسلي وصلي)) متفق عليه. 3- الاعتداد به: فتنقضي العدة في حق المطلقة بالحيض لمن كانت تحيض، لقوله سبحانه: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ}[البقرة:228]. 2 - أحكام النفاس 1- تعريفه: النفاس لغة: هو الولادة يقال نفست المرأة إذا وضعت فهي نفساء إذا ولدت، فإذا حاضت قيل نفست. النفاس شرعاً: هو الدم الخارج من المرأة بسبب الولادة. 2- مدة النفاس: اتفق الفقهاء على أنه لا حد لأقل النفاس ، فمتى رأت المرأة الطهر اغتسلت. وقال جمهور أهل العلم إن أكثر مدة النفاس أربعون يوما، قال الترمذي: أجمع أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك، فتغتسل وتصلي. ولحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: ((كانت النفساء على عهد النبي صلى الله عليه وسلم تجلس أربعين يوما)) أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة. 3- ما يحرم بالحيض والنفاس: 1- الصلاة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش: ((إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة)) متفق عليه. 2- الصوم، لما ثبت في صحيح مسلم عن معاذة العدوية إنها سألت عائشة رضى الله عنها: ما بال الحائض تقضى الصوم ولا تقضى الصلاة؟ فقالت: : (( كان يصيبنا ذلك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة ")) أخرجه مسلم. 3- الطواف، لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها لما حاضت: ((افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري)) متفق عليه. 4- مس المصحف، ؛ لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا يمس القرآن إلا طاهر)) رواه مالك في الموطأ ، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير . 5- دخول المسجد واللبث فيه، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا أحل المسجد لجنب، ولا حائض)) أخرجه أبو داود. 6- الجماع، لقوله تعالى: {فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ} [البقرة:222]. 7- الطلاق لقوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}[الطلاق:1]، وقوله صلى الله عليه وسلم لعمر لما طلق ابنه عبد الله امرأته في الحيض: ((مره فليراجعها)) متفق عليه. 3 - أحكام الإستحاضة تعريف الاستحاضة: سيلان الدم في غير وقته على سبيل النزيف من عرق. المستحاضة لها ثلاث حالات: الأولى: أن تكون لها عادة معروفة لديها قبل إصابتها بالاستحاضة، فهذه تجلس قدر عادتها، وتدع الصلاة والصيام، وتعتبر لها أحكام الحيض، فإذا انتهت عادتها؛ اغتسلت وصلت، واعتبرت الدم الباقي دم استحاضة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لأم حبيبة: ((امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك، ثم اغتسلي وصلي)). أخرجه مسلم. الثانية: إذا لم يكن لها عادة معروفة، لكن دمها متميز، بعضه يحمل صفة الحيض؛ بأن يكون أسودًا أو ثخينا أو له رائحة، وبقيته لا تحمل صفة الحيض؛ بأن يكون أحمر ليس له رائحة لا ثخينا؛ ففي هذه الحالة تعتبر الدم الذي يحمل صفة الحيض حيضا، فتجلس، وتدع الصلاة والصيام، وتعتبر ما عاداه استحاضة، تغتسل عند نهاية الذي يحمل صفة الحيض، وتصلي وتصوم، وتعتبر طاهرًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش: ((إذا كان دم الحيض؛ فإنه أسود يُعرف؛ فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر؛ فتوضئي وصلي)) أخرجه أبو داود والنسائي، وصححه ابن حبان والحاكم، ففيه أن المستحاضة تعتبر صفة الدم، فتميز بها بين الحيض وغيره. الثالثة: إذا لم يكن لها عادة تعرفها ولا صفة تميز بها الحيض من غيره؛ فإنها تجلس غالب عادة النساء من قريباتها إن وجدن، وإلا جلست غالب الحيض ستة أيام أو سبعة أيام من كل شهر، لأن هذه عادة غالب النساء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لحمنة بنت جحش: ((إنما هي ركضة من الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام، ثم اغتسلي، فإذا استنقأت؛ فصلي أربعة وعشرين أو ثلاثة وعشرين، وصومي وصلي، فإن ذلك يجزئك، وكذلك فافعلي كما تحيض النساء))[ أخرجه أبو داود والترمذي]. |
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية (Tags) |
موسوعة, المسلم, دليل |
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | الأقسام الرئيسية | مشاركات | المشاركة الاخيرة |
موسوعة العقيدة بصيغة الشاملة (684) كتاب ! | مصطفى طالب مصطفى | الميديا الإسلامي | 0 | 12-31-2016 11:07 PM |
تثبيت الأقدام في أرض الإسلام بما لا يسع المسلم جهله | مصطفى طالب مصطفى | المنتدى الإسلامي العام | 2 | 10-25-2015 12:26 PM |
أسلحة المسلم الشرعية في مواجهة الوساوس الشيطانية | مصطفى طالب مصطفى | المنتدى الإسلامي العام | 8 | 10-25-2015 12:26 PM |
موسوعة منهج علمي لطالب العلم | مصطفى طالب مصطفى | طريقك الى طلب العلم الشرعي | 0 | 05-04-2015 04:31 AM |
[برنامج موسوعة] برنامج موسوعة رواة الحديث الشريف الإصدار الثاني | مصطفى طالب مصطفى | الميديا الإسلامي | 0 | 05-04-2015 04:08 AM |
للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب |
دليل السياح |
تقنية تك |
بروفيشنال برامج |
موقع . كوم |
شو ون شو |
أفضل كورس سيو أونلاين بالعربي |
المشرق كلين |
الضمان |
Technology News |
خدمات منزلية بالسعودية |
فور رياض |
الحياة لك |
كوبون ملكي |
اعرف دوت كوم |
طبيبك |
شركة المدينة الذهبية للخدمات المنزلية
|