للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
تفريغ الحلقة السابعة: سلسلة آل البيت والأصحاب: علي رضي الله عنه الجزء الأول
عليّ بن أبي طالب رضيَ الله عنه الجزء الأوَّل السَّلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه إنَّ الحمدَ لله ، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ، ونعوذُ بالله منْ شُرورِ أنفسِنا ومنْ سيِّئاتِ أعمالِنا ، مَنْ يهدهِ الله فهو المهتدي ومَنْ يُضللْه فلنْ تجدَ له وليّاً مُرشداً وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له وأشهدُ أنَّ محمَّداً عبدُه ورسولُه ، أمَّا بعد : فإنَّ حديثَنا في هذه اللَّيلةِ متَّصلٌ بأحاديثَ سابقةٍ تكلَّمنا فيها عن آلِ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وصحبهِ ، ثم انطلقنا إلى تراجم أهلِ البيتِ وأصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، وبدأنا بسيرةِ الصِّدِّيقِ رضيَ الله تباركَ وتعالى عنه وأرضاه ، وفي هذه اللَّيلةِ نأخذُ سيرةَ رجلٍ منْ آلِ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، بل نأخذُ سيرةَ أفضل أهلِ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بعد رسولِ الله صلواتُ ربي وسلامُه عليه . إنَّ حديثَنا عن العالِم الرَّبَّاني .. إنَّ حديثَنا عن الزَّاهد .. إنَّ حديثَنا عن العالِم الإمام عليّ بن أبي طالب رضيَ الله تباركَ وتعالى عنه وأرضاه . عليّ رضيَ الله عنه وأرضاه هو وأخوه جعفر وأخوه عقيل يُعتبرون أوَّل رجالٍ منْ بني هاشم ، أمُّهم هاشميَّة ، فبنُو هاشم كانوا يتزوَّجون منْ غيرِ بني هاشم و يُزوِّجون غيرَ بني هاشم ، حتى تزوَّج أبو طالب بنتَ عمِّه فاطمةَ بنتَ أسد فكانَ أوَّل هاشميّ يتزوَّج هاشميَّة فهو أبو طالب بن عبد المطَّلب بن هاشم ، وهي فاطمة بنت أسد بن هاشم فتزوَّجها أبو طالب ، فأنجبت له عقيلاً وجعفر وعليّاً ، وقد ذكرَ بعضُ أهلِ السِّير أنَّ بين كلِّ واحدٍ منهم والآخر عشر سنواتٍ ، فعقيل هو الأكبر ، ثم جاءَ بعده جعفر بعشر سنواتٍ ، ثم جاءَ بعده عليّ بعشر سنواتٍ .. والله تعالى أعلم . لكنْ على كلِّ حالٍ إنَّ حديثَنا هو عن عليّ بن أبي طالب ، وهو هاشميٌّ وأمُّه هاشميَّة ، فجمعَ الشَّرفَ منْ حيثُ أبوه ومنْ حيثُ أمّه رضيَ الله عنه وعن أمِّه وذلك أنَّ أمَّه أسلمتْ وهي فاطمة بنت أسد رضي الله عنها . تميَّز عليٌّ رضيَ الله عنه بأنه تربَّى في بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم منذ نعومةِ أظفاره . وذلك أنَّ أبا طالب قد أحسنَ إلى النبيِّ صلََّى الله عليه وسلَّم ؛ إذْ ربَّاه في صغره ، كما هو معلوم أنَّ والدَ النبيِّ عبد الله تُوُفِّيَ والنبيُّ حملٌ في بطنِ أمِّه فولدَ يتيماً صلَّى الله عليه وسلَّم ، فاعتنتْ به أمُّه ، وفي السَّادسةِ منْ عُمُرهِ تُوُفِّيَتْ أمُّه صلواتُ ربي وسلامُه عليه ، فاعتنى به جدُّه عبد المطَّلب ، ولما بلغَ الثَّامنةَ منْ عُمُرهِ تُوُفِّيَ عبدُ المطَّلب ، فكفلَه عمُّه أبو طالب ، فنشأ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في كَنَفِ عمِّه أبي طالب حتى بلغَ سِنَّ الرِّجالِ . ثم بعد ذلك يسَّر الله له وتزوَّج ، تزوَّج خديجةَ بنتَ خويلد . وفي يومٍ منَ الأيام جلسَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مع عمِّه العبَّاس فقالَ :له يا عمّ ، أنتَ ترى حالةَ أبي طالب . - حيثُ إنَّ أبا طالب كانَ فقيراً - قالَ :أنتَ ترى حالةَ أبي طالب ، فما رأيك أنْ نعرضَ عليه أنْ نأخذَ بعضَ ولدهِ نكفيهِ مُؤْنتهم ؟؟ فقالَ العبَّاس : نِعْمَ الرَّأيُ . فذهبَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وعمّه العبَّاس إلى أبي طالب فقالا له : أعطِنا بعضَ ولدكَ نكفلُه لكَ ونكفيك مُؤْنته . فسكتَ أبو طالب قليلاً ثم قالَ : إنْ تركتم لي عقيلاً فخذوا مَنْ شئتم . المهمّ دعوا عقيلاً . فقالَ العبَّاس : فإني آخذٌ جعفراً . وقالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم : فإني آخذٌ عليّاً . فأخذَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عليّاً وهو صغيرٌ قريبٌ منَ الخامسةِ منْ عُمُرهِ أو السَّادسةِ ، فتربَّى عليٌّ في بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فكانَ كواحدٍ منْ أولاده . عندما بلغَ عليٌّ الثَّامنةَ منْ عُمرهِ وقيلَ العاشرةَ منْ عُمرهِ بُعِثَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم .. لما بُعِثَ صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه عرضَ الإسلامَ على النَّاسِ يدعوهم إلى الله تباركَ وتعالى وكانَ عَرْضُهُ مقتصراً على الخاصَّة ، وهذه الفترةُ تسمَّى فترة النبَّوة قبلَ فترةِ الرِّسالةِ ، فصارَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يعرضُ الإسلامَ على الخاصَّة . فكانَ ممنْ عرضَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عليه الإسلامَ عليّ بن أبي طالب . جاءَه النبيُّ وقالَ :يا عليُّ ، أعرضُ عليك هذا الإسلامَ و لكنْ لا تستعجلْ حتى تستشير أباك . فَذُكِرَ أنَّ عليّاً أتى أباه وعرضَ عليه الأمرَ فأذنَ له أنْ يتابعَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، عندها أسلمَ عليٌّ رضيَ الله عنه . ولذلك يُقال عن عليّ هو أوَّل مَنْ أسلمَ منَ الصِّبيان ( يعني منَ الصِّغار الذين لم يبلغوا الحلم ) . وكانتْ خديجةُ رضيَ الله عنها هي أوَّل مَنْ أسلمَ منَ النَّاسِ كلِّهم ، بل منَ الإنسِ والجنِّ رضيَ الله عنها .. أوَّل مَنْ أسلمَ وتابعَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم خديجة . ثم أسلمَ أبو بكر فكانَ أوَّل مَنْ أسلمَ منَ الرِّجالِ . وأسلمَ زيد بنُ حارثة وكانَ أوَّل مَنْ أسلمَ منَ الموالي . وأسلمَ بلال بنُ رباح فكانَ أوَّل مَنْ أسلمَ منَ العبيد . فكانَ هؤلاء الخمسة " خديجة و أبو بكر وعليّ وبلال و زيد " هؤلاء أوَّل مَنْ أسلمَ وتابعَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم . بعدما أسلمَ عليٌّ رضيَ الله عنه منَ الطَّبيعيِّ لصِغَر سِنِّه لم يكنْ له ذاك الأثر في الدَّعوةِ إلى الله في مكَّة ، ولكنَّه كانَ مُتابعاً للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم . وكانَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يُحبُّه حبّاً شديداً ، حتى جاءَ وقتُ هجرةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، وذلك بعد ثلاث عشرة سنة منَ البِعثة ( يعني عندما بلغَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم الثالثة والخمسين منْ عُمُره ) أُذِنَ له بالهجرةِ . وكانَ عليٌّ في ذلك الوقتِ قد ناهزَ الواحد والعشرين منْ عُمرهِ ؛ فناداه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وقالَ له :يا عليّ إنَّ الله قد أذنَ لي بالهجرةِ فإني مهاجرٌ . فقالَ : الصُّحبة يا رسولَ الله ؟؟ أصاحبُك في الهجرة ؟؟ قالَ :لا .. ولكنْ هذه أماناتُ قريش تردُّها إليهم . وهذا يدلُّ على أخلاقِ هذا النبيِّ الكريم صلَّى الله عليه وسلَّم كيف أنَّ قريشاً اتهمته بالجنون والكذبِ والسِّحر والكهانةِ والشِّعر وغير ذلك وآذتْ مَنْ آذتْ منْ أصحابهِ ، بل آذته هو صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه ، ومع هذا لا يهاجرُ حتى يردّ الأمانات إلى أهلها ، فأعطى الأمانات إلى عليّ بن أبي طالب . قالَ : " تبقى أنتَ حتى تردّ الأمانات إلى أهلها ". *- هذه الأولى .. *- والثانية ..قالَ : " يا عليّ ، إني مهاجرٌ ليلاً وهم قد أرادوا قتلي ؛ فأريدُك أنْ تنامَ في فِراشي حتى يظنّ القومُ أني في الفِراش وأخرج ليلا ". قالَ : أفعلُ . فقبلَ عليٌّ الأمرين .. قبلَ أنْ يستلمَ الأماناتِ ليردَّها إلى أهلِها ، وقبلَ أنْ ينامَ في فِراشِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم حتى يُلبسَ على قريش في هجرةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، و كانَ الأمرُ كذلك . وخرجَ النبيُّ مهاجراً صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه ، وظلَّ عليٌّ رضيَ الله عنه في فِراشهِ ، فكانوا كلَّما نظروا منْ كُوَّة البابِ وجدوا مَنْ يظنُّون أنه النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، وظلُّوا كذلك حتى قطعَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم شوطاً في رحلتهِ ، فلمَّا أصبحَ النَّاسُ دخلوا عليه يريدون قتلَه و إذا هو عليّ بن أبي طالب !! قالوا : أين صاحبُك ؟؟!! قالَ : لا أدري . ثم جلسَ عليٌّ رضيَ الله عنه في مكَّة يردُّ الأماناتِ إلى أهلِها حتى إذا فرغَ منْ ذلك كلِّه تبعَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهاجرَ حيثُ هاجرَ النبيُّ صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه . هاجرَ عليٌّ .. وصلَ المدينةَ . وفي السَّنةِ الثَّانيةِ منَ الهجرةِ ناداه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وزوَّجه ابنتَه فاطمةَ . وقد ذُكِرَ أنَّ أبا بكر وعمر رضيَ الله عنهما عرضا على عليّ ذلك .. لماذا لا تتزوَّج ابنةَ عمِّك بنت النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فاطمة رضوانُ الله عليها ؟؟!! فقالَ رضيَ الله عنه : ولكنْ لا مالَ عندي . فقالَ له عثمانُ رضيَ الله عنه : مهرُك عليَّ.. فاقدمْ . وفعلاً تقدَّم عليٌّ إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وطلبَ يدَ فاطمة بنتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم سيِّدة نساءِ العالمين .. خير بنات النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، فزوَّجه صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه . تزوَّج عليٌّ سيِّدةَ نساءِ العالمين .. تزوَّج بنتَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، فأكرمَ الله هذه الأسرةَ المباركةَ بأربعةِ أولادٍ ؛ ذكرين و أنثيين " الحسن ثم الحسين ثم أم كلثوم ثم زينب " أربعة أولاد أنجبتهم فاطمةُ لعليّ رضيَ الله تباركَ وتعالى عنهما ، واستمرَّ هذا الزَّواجُ المباركُ زواج عليّ منْ فاطمة . أنجبتْ أوَّل ما أنجبتْ حسناً ، فجاءَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لما ولدتْ فاطمةُ فأخذَه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قالَ :ما أسميتموه ؟؟ فقالَ عليٌّ : أسميتُه أسداً . فقالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم :بل هو حسن . وفي روايةٍ أنه قالَ : أسميتُه حربا . فقالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم :بل هو حسن . لا أسد ولا حرب ، حسن .. فسمَّاه النبيُّ حسناً . وذلك أنَّ عليّاً رضيَ الله عنه كانَ اسمُه أسداً ، أوَّل ما وُلِدَ لم يكنْ أبو طالب موجوداً فسمَّته أمُّه فاطمةُ بنتُ أسد على اسم أبيها فقالتْ : أسد . فلمَّا جاءَ أبو طالب قالَ : أين ولدي ؟؟ قالتْ : هذا ولدُك . قالتْ : سمَّيته. قالَ : وماذا أسميتهِ ؟؟ قالتْ : أسداً على اسم أبي . قالَ : بل هو عليّ . ولذلك عليّ رضيَ الله عنه سيأتينا إنْ شاءَ الله تعالى عندما يقاتلُ مرحباً اليهوديّ يقولُ : أنا الذي سمَّتني أمي حيدرة يعني : أسد ..حيدرة هو الأسد فالشَّاهدُ منْ هذا فسمَّاه النبيُّ حسناً ، فلما ولدتْ فاطمةُ الحسين جاءَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى عليّ قالَ :ما أسميتَه ؟ قالَ : أسد . وفي رواية : حرب . فقالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم : " لا ، بل هو حسين " . فسمَّاه حسيناً صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه . فهذان الحسن والحسين هما أوَّل حفيدين أو سِبطين للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم منِ ابنتهِ فاطمة ، وذلك أنَّ زينبَ تزوَّجها أبو العاص بنُ الربيع لكنْ لم تُنجبْ له إلا متأخِّرة ، وكذلك رقيَّة تزوَّجها عثمانُ فلم تُنجبْ له ، ثم تزوَّج بعدها أمَّ كلثوم في السَّنةِ الثَّالثةِ منَ الهجرةِ أو في آخر السَّنةِ الثَّانيةِ منَ الهجرةِ فأنجبتْ له ولداً وماتَ . لكن ذرِّية النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم صارتْ منْ ظهرِ عليّ ، وهؤلاء يُنسبون إلى النبيِّ فيقالُ : حسن ابن النبيِّ .. أنا سِبطُ النبيِّ .. أنا ابنُ بنتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، وإلى اليوم هذه تُعتبرُ أشرف أسرةٍ على وجهِ الأرض ؛ وهي التي تنتسبُ إلى عليّ بن أبي طالب منْ حيثُ الأبِ إلى فاطمة منْ حيثُ الأم . عاشَ عليٌّ رضيَ الله عنه مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم العشر سنوات التي كانتْ في المدينةِ ، خلالَ هذه الفترةِ وهي العشر سنوات وقعتْ أحداثٌ كثيرةٌ جداً ظهرَ فيها فضلُ عليٍّ رضيَ الله عنه ومكانته عند النبيِّ صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه . عندما نتكلَّم عن عليّ بن أبي طالب رضيَ الله عنه سنتكلَّم عنه منْ خلالِ مباحثَ : *- المبحث الأوَّل : سنتكلَّم عن مكانتهِ عند النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم *- المبحث الثَّاني : سنتكلَّم عن فضائل عليّ رضيَ الله عنه ، وفضائلُ عليّ تنقسمُ إلى ثلاثةِ أقسام إلى : *- فضائل خاصَّة به . *- فضائل مشتركة مع آلِ البيتِ . *- فضائل مشتركة مع أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم . ثم نتكلَّم بعد ذلك عن حياةِ عليٍّ رضيَ الله عنه سواء في زمنِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ومواقفهِ أو بعد وفاةِ النبيِّ إلى وفاتهِ رضيَ الله عنه في أربعين منَ الهجرة . أوَّلاً مكانة عليّ منَ النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم . كانَ عليٌّ رضيَ الله عنه منْ أقربِ النَّاس إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، وهو أقربُ النَّاس نسباً للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بعد العبَّاس . فالعبَّاسُ عمُّ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو أقربُ منْ عليّ ، عليّ ابنُ عمِّه هو وجعفر وعبد الله بن العبَّاس والفضل بن العبَّاس هؤلاء في درجةٍ واحدةٍ منْ حيثُ القرابة مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ؛ يلتقون مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في عبد المطَّلب ، أقرب منه فاطمة حيث إنها بِنتُه مع زينب و أمّ كلثوم ورقية ، أقرب منه الحسن والحسين حيثُ إنهما سِبطا النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم . لكنْ منْ حيثُ آلِ البيتِ بشكل عام هو أفضلُهم ، هو أفضلُ منَ العبَّاس وأفضلُ منْ جعفر ، وأفضلُ منْ عقيل ؛ حتى الحسن والحسين هو أفضلُ منهم رضيَ الله تباركَ تعالى عليهم ، فهو أفضلُ آلِ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مكانتُه عند النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ومكانةُ النبيِّ عنده أمَّا مكانتُه فتظهرُ منْ خلالِ إبراز النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لذلك الأمر منْ خلالِ ما سنذكرُه منْ فضائلهِ ، وأمَّا مكانةُ النبيِّ عنده فكانَ محبّاً للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بشكلٍ لا يمكنُ أنْ نصفَه بكلماتنا هذه القصيرة في مثلِ هذا الوقتِ القصيرِ . يدلُّنا على ذلك أمرٌ ألا وهو في أحُد كيف إنه لما قصدَ المشركون قتلَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم كيف وقفَ عليٌّ رضيَ الله عنه مدافعاً عن النبيِّ ؛ وكذا الأمر في حُنين ، وهذا سيأتي في وقتهِ إنْ شاءَ الله تعالى ، ولكنْ نذكرُ الآنَ مسألةً واحدةً في الحديبية . *- لما خرجَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى العُمرةِ في السَّنةِ السَّادسةِ منَ الهجرةِ ثم منعته قريش ؛ وكانَ أنْ حدثَ صلحُ الحديبية ، فكانَ كاتبُ الصُّلْحِ هو عليّ بن أبي طالب رضيَ الله عنه ، هو الذي كتبَ الصُّلْحَ بين النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وبين سهيل بن عمرو منْ قبل قريش . حدثتْ حادثةٌ .. وبما أنه قالَ النبيُّ لعليّ :اكتبْ باسم الله الرَّحمن الرَّحيم . ( يكتبون الآن الصُّلح ) فقالَ سهيل : أعترضُ ، اكتبْ كما كانَ يكتبُ آباؤك باسمك اللهمَّ ، لا نعرفُ الرَّحمن الرَّحيم . فالتفتَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى عليّ قالَ :امحُها واكتبْ باسمكَ اللهمَّ . النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يريدُ أنْ يتمَّ هذا الصُّلْحُ حتى يتوقَّف نزيفُ الدِّماءِ . فقالَ : اكتبْ باسمك اللهمَّ . فكتبَ باسمكَ اللهمَّ . فقالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم :اكتبْ يا عليّ ، هذا ما صالحَ عليه محمَّد بنُ عبدِ الله رسولُ الله سهيلَ بنَ عمرو . فقالَ سهيل بن عمرو : أعترض . قالَ :تعترضُ على ماذا ؟ قالَ : لا تكتبْ رسولَ الله ، إذا كتبتَ رسولَ الله وأنا وقَّعتُ في الأسفلِ كأني أقِرُّ لكَ رسول الله ؛ وأنا لا أؤمن بك أنك رسولُ الله.. لا تكتبْ رسولَ الله ، اكتبْ اسمكَ واسمَ أبيك .. صُلْح بين محمَّد بنِ عبدِ الله وبين سهيلِ بنِ عمرو ، لا تكتبْ رسولَ الله ، لأني لا أوافقُ أنك رسولُ الله . لأنَّ سهيلاً كانَ كافراً في ذلك الوقتِ ، لم يُسلمْ بعدُ ، هو أسلمَ بعد ذلك ، ولكنْ في هذه المرحلةِ لم يكنْ قد أسلمَ . فقالَ : اكتبْ اسمَك واسمَ أبيك ولا تكتبْ رسولَ الله . فقالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم :نعم .. يا عليّ امحُ رسولَ الله . فقالَ : لا أمحوها ... لأنه يرى أنَّ هذا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، وكيف لسهيل بن عمرو أنْ يعترضَ على مثلِ هذا الأمرِ ؟؟!! قالَ : لا أمحوها .. فقالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم :امحُها.. قالَ : لا أمحوها .. هو لا يقولُ هذا عناداً للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ولكنه لا يقبلُ أنْ يُصدرَ سهيلُ بنُ عمرو أوامرَه أو شروطَه على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم . قالَ : لا أمحوها .. والنبيُّ صلواتُ ربِّي عليه أمِّيٌّ لا يقرأ ولا يكتبُ ولا يدري أيُّها رسول الله في المكتوب . فقالَ : يا عليّ ، ضعْ يدي عليها . أين هي رسول الله في هذا الكلام الذي كتبتَه ؟؟ أين كلمةُ رسول الله ؟؟ فوضعَ يدَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم عليها فمحاها بيدهِ صلَّى الله عليه وسلَّم .. هذا يدلُّنا على مكانةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في قلبِ عليّ مع أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقولُ له :امحُها وهو يقولُ : لا أمحوها . لا عناداً ولكنْ كما قلنا محبَّةً في النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وإقراراً وتصديقاً بأنه رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم . نأتي للكلام عن فضائلِ هذا الرَّجلِ رضيَ الله عنه ..كما قلنا إنَّ فضائلَ عليّ رضيَ الله عنه يمكنُ أنْ نقسمَها إلى ثلاثةِ أقسام ، إلى : *- فضائل خاصَّة .. هذه الفضائل الخاصَّة لها أمثلة كثيرة ولكنْ لا يسعُ المجالُ لذكرِها كلِّها وإنما سنختارُ : *-منْ أفضلِ هذه الأمورِ ما ذكرَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يوماً في خيبر ، إذْ خرجَ النبيُّ إلى خيبر ، ثم حاصرَ خيبر فترةً منَ الزَّمَنِ ، ولم يستطعْ أنْ يفتحَها صلَّى الله عليه وسلَّم ، هو ما زالَ محاصراً لهم فقالَ : "لأعطينَّ الرَّايةَ غداً رجلاً يحبُّ الله ورسولَه ويحبُّه الله ورسولُه " هذه الكلماتُ منَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم تزكية لهذا الرَّجلِ أنه صادق الايمان بحيثُ إنه يحبُّ الله ورسولَه ، وحيثُ إنه وليٌّ منْ أولياءِ الله يحبُّه الله ويحبُّه رسولُه ، فهو صلَّى الله عليه وسلَّم أثبتَ له الأمرين : إيماناً صادقاً ومكانةً عند الله تباركَ وتعال وعند رسولهِ . فلمَّا صلَّى النبيُّ الغداةَ ، أي الفجر .. أصبحَ كلُّ واحدٍ منَ الصَّحابةِ يُبرزُ نفسَه ، يريدُ أنْ يقولَ أنا هنا ، لعلِّي أنا المقصود . فصارَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ينظرُ في وجوه الصَّحابةِ ، كلُّ واحدٍ يُبرزُ نفسَه يقولُ أنا . حتى قالَ عمرُ : والله ما تمنَّيتُ الإمارةَ إلا في ذلك اليوم عندها قالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم :أين عليّ ؟؟!! ما أرى عليّاً بين النَّاسِ ؟؟؟!! ما صلَّى معنا الفجر ؟؟!! أين عليّ ؟؟!! فقالوا : يشكو عينيه ، وذلك أنه قد أصابَه رمدٌ في عينيه . فقالَ :عَلَيَّ به . نادُوه ...فأتي بعليّ . وهذه خيبر بعد صُلْح الحديبية بشهرين فقط .. في محرَّم ، وصُلْح الحديبية كانَ في ذي القعدة ، في بداية السَّنةِ السَّابعةِ كانَ فتحُ خيبر ، و في آخر السَّنةِ السَّادسةِ كانَ صُلْح الحديبية . قالَ صلَّى الله عليه وسلَّم : عَلَيَّ بعليّ . فأتي به أرمد يُقاد ( يعني لا يستطيعُ أنْ يرى .. يقودونه ) ، فوقفَ بين يدي النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، فتفلَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في عينيه فأبصرَ رضيَ الله عنه .. كأنه لم يكنْ أرمداً في يومٍ منَ الأيام ، ثم أعطاه الرَّايةَ صلَّى الله عليه وسلَّم . فأخذَ عليٌّ الرَّايةَ فَرِحاً بها بعد أنْ بُلِّغَ بما قالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم . فأخذَ الرَّايةَ .. فقالَ : يا رسولَ الله ، والله لأقاتلنَّهم حتى يَكونوا مِثلَنا. قالَ : يا عليّ ، لئنْ يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك منْ حُمر النَّعَم." حُمُر النَّعَم هي الإبل الحمراء ، وكانتْ عزيزةً على العربِ في ذلك الوقتِ . فأخذَ الرَّايةَ عليٌّ رضيَ الله عنه . أمَّا ماذا حدثَ في خيبر .. فهذا نُؤجِّلُه إلى حديثنا عن شجاعةِ عليّ رضيَ الله عنه وأرضاه .. المهم نريدُ الآنَ هنا مكانته عند النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وشهادة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم له بأنه يحبُّ الله ورسولَه ويحبُّه الله ورسولُه . *-الحادثة الثانية : خرجَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى تبوك وترك عليّاً في المدينةِ رضيَ الله عنه ليرعى شؤون أهلهِ في المدينةِ .. أزواج النبيّ .. أقارب النبيّ ..نساء النبيّ منْ أقاربه .. يرعى شؤونهنَّ جميعاً عليٌّ رضيَ الله عنه وأرضاه . وخرجَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى تبوك ، فتكلَّم بعضُ المنافقين وقالوا ما تركَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عليّاً إلا استثقالاً له.. يعني لا يريدُه معه .. مستثقله ، فبلغَ الكلامُ عليّاً رضيَ الله عنه فتضايقَ أنْ يقالَ له مثل هذا الكلام فتبعَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى خارج المدينة . لأنَّ هذا الجيشَ عسكرَ خارجَ المدينة ينتظرون المتأخِّرين حتى ينطلقوا ، فلحقَهم عليٌّ إلى خارج المدينة ، فأدركَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قالَ : يا رسولَ الله ، تتركُني مع النِّساء والصِّبية ؟؟!! يعني وأنا الفارسُ المغوار الشُّجاع المقاتل الحريص .. تتركُني مع النِّساء والصِّبية ؟؟!!! فقالَ له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم تطييباً لقلبهِ قالَ :يا عليّ ، أمَا ترضى أنْ تكونَ مني بمنزلةِ هارون منْ موسى إلا أنه لا نبيَّ بعدي ؟؟ أي إنَّ موسى صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه لما خرجَ إلى ميقاتِ ربِّه أبقى هارون أخاه ، ولم يكنْ في إبقائهِ لهارون منقصة على هارون صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه .. وكذلك أنا عندما أبقيك يا عليّ ليس في هذا منقصة عليك ، ولكنِ انتبه لا نبيَّ بعدي . لأنه قد يظنُّ البعضُ أنَّ النبيَّ إذا تركَ عليّاً وشبَّه تركَه له كتركِ موسى لهارون قد يظنُّ بعضُ الغُلاةِ أنَّ عليّاً نبيٌّ كما أنَّ هارون نبيٌّ .. فنبَّه النبيُّ إلى هذا صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه ، قالَ : " إلا أنه لا نبيَّ بعدي " وفي هذا يقولُ سعد بن أبي وقَّاص : ما أزالُ أحبُّ عليّاً رضيَ الله عنه لثلاثٍ سمعتهنَّ منْ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، وذكرَ منها لما أعطى الرَّايةَ في خيبر قالَ النبيُّ : " لأعطينَّ الرَّايةَ غداً رجلاً يحبُّ الله ورسولَه ويحبُّه الله ورسولُه " ، وذكرَ منها أنه لما خرجَ إلى تبوك قالَ لعليّ : " يا عليّ ، ألا ترضى أنْ تكونَ مني بمنزلةِ هارون منْ موسى إلا أنه لا نبيَّ بعدي " . " بمنزلة هارون منْ موسى" هكذا يقولُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن عليّ رضيَ الله عنه وأرضاه *- أمَّا الثالثة .. فإنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أمرَ خالدَ بنَ الوليد أنْ يذهبَ إلى اليمن ، حاصرَ أهلَ اليمن خالدُ بنُ الوليد لكنْ لم يُسلموا ، فبعدَ ذلك ظهرَ عليهم خالدُ بنُ الوليد ، فأرسلَ إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقالَ : يا رسولَ الله ، قد ظهرنا على أهلِ اليمن فأرسلْ لنا مَنْ يخمِّسُ الغنيمةَ . لأنَّ الغنيمةَ إذا غُنِمَتْ في الفتوحات تُقسم إلى خمسةِ أقسام .. أخماس .. أربعة أخماس تُوَزَّع على الجيش الذي فتحَ .. الذي شاركَ .. المقاتلين .. المجاهدين ، تُقسم عليهم أربعةُ أخماس ، يعني ثمانون في المئة ، ويبقى الخمس ، وهذا الخمسُ يرجعُ إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو الذي يقولُ الله تباركَ وتعالى فيه : " وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ... (41) " سورة الأنفال. فهذه الغنيمةُ وهي الخمس - العشرون بالمئة - تذهبُ إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، ويقسمُها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم على خمسةِ أخماس .. لله والرَّسول .. لذي القربى .. اليتامى .. المساكين .. ابن السبيل . هكذا تُقسم الغنيمةُ . فخالد بن الوليد قالَ : أرسلْ لنا مَنْ يخمِّسُ الغنيمةَ . فأرسلَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عليّاً رضيَ الله عنه . فجاءَ عليٌّ إليهم فخمَّسَ الغنيمةَ ، و جُمِعَتِ الغنائمُ كلُّها فقسمها عليٌّ خمسة أخماس ، ثم أربعة أخماس وزَّعها على الجنود الذين شاركوا في القتال وخُمُس أخذه عليٌّ رضيَ الله عنه ليردَّه إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم . ماذا حدثَ بعد ذلك ؟؟ حدثَ بعد ذلك أنَّ عليّاً بعد أنْ عزلَ الخُمُسَ الذي للرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم أخذَ جاريه منَ الخمس فدخلَ عليها عليٌّ رضيَ الله عنه ( أي جامعَها ) فتضايقَ بُرَيْدَةُ بنُ الحَصِيب وخالدُ بنُ الوليد وآخرون تضايقوا منْ هذا التصرُّف . يعني كأنهم يقولون في أنفسِهم المفروض أنَّ هذا الخُمُسَ تذهب به إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، والنبيُّ هو الذي يقسِّمه وليس أنت .. ليس لك الحقّ أنْ تتصرَّف في الخُمُس . المهم .. بُريدة رضيَ الله عنه خرجَ منَ اليمنِ إلى النبيِّ مباشرةً يشتكي عليّاً على هذا الفعلِ ، فدخلَ بُريدةُ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وعليٌّ ما زالَ في اليمنِ ، كانَ ذلك في السَّنةِ العاشرةِ منَ الهجرةِ ، والنبيُّ أمرَ عليًّا أنْ لا يرجعَ إلى المدينةِ وإنما الوعدُ في مكَّة ، لأنَّ النبيَّ يريدُ الحجَّ . فقالَ :أنا أخرجُ إلى الحجِّ منَ المدينةِ وأنتَ تخرجُ يا عليّ منَ اليمنِ ، والوعدُ في مكَّة . فبُريدةُ مباشرةً رجعَ إلى النبيِّ في المدينةِ يشتكي عليّاً فقالَ للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم : يا رسولَ الله ، إنَّ عليّاً فعلَ كيت وكيت . فالنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم كأنه لا يسمعُ .. ما ردَّ عليه ..كأنه لم يقبلْ هذه الشكوى . فبريدةُ رجعَ إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قالَ : يا رسولَ الله ، إنَّ عليّاً فعلَ كيت وكيت . فقالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لبريدة :يا بريدةُ أتبغضُ عليّاً ؟؟؟ قالَ : نعم . قالَ : " فأحبَّه .. فإنَّ له في الخُمُسِ أكثر منْ ذلك " . يعني إذا أنت متضايق أنه اخذ وصيفةً منَ الخمس فعليّ له أكثر منْ ذلك . " فإنَّ له في الخُمُس أكثر منْ ذلك .. مَنْ كنتُ مولاه فعليّ مولاه " يقولُ بُريدة : فما زلتُ أحبُّ عليّاً منْ ذلك اليوم . لأنه عرفَ مكانته وقدرَه عند النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم . عليٌّ رضيَ الله عنه خرجَ الآن منَ اليمن إلى مكَّة شرَّفها الله فأمرَ النَّاسَ أنْ يستعجلوا بالخروج إلى مكَّة وأعطاهم مجموعةً منَ الإبل يسيرون بها وقالَ لهم : لا تركبوا الإبلَ ، تمشون على الأرض ، رِجْلِي ..الإبل لا تركبوها . لأنَّ هذه الإبل ستكونُ هَدْياً في الحجّ . فنهاهم أنْ يركبوها ، ثم أمرَهم أنْ ينطلقوا وتأخَّر هو قليلاً ثم تبعَهم وأمرَ عليهم رجلاً .. فلمَّا لحقَ بهم عليٌّ وإذا قد ركبوا الإبلَ ، أذِنَ لهم المسؤولُ أنْ يركبوا الإبلَ . فلمَّا أتى عليٌّ ورأى أثرَ الرُّكوبِ على الإبلِ أمسكَ بالمسؤولِ وعاتبَه على هذا الفعلِ ، قالَ : قلتُ لك لا تأذنْ لهم بركوبِ الإبلِ ، فلماذا تأذنُ لهم ؟؟ وبدأ يعنِّفه رضيَ الله عنه ... فتضايقَ بعضُ النَّاسِ ، ما هذه الشِّدَّة ؟ ما هذه الغِلْظةُ ؟ فانتظروا النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم عندما وصلَ إلى مكَّة ، التقوا مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، فجاءَ أبو سعيد الخدري يشتكي إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قالَ : كانَ عليٌّ شديداً علينا.. كانَ فيه غِلْظَة علينا.. فعلَ كيت وكيت .. منعَنا منْ ركوبِ الإبلِ . وفي روايةٍ : أنه منعَهم منَ لِباس بعض الأردية . فقالَ : فعلَ كذا وكذا . فما كانَ منَ النبيِّ إلا أنْ قالَ : "قد علمتُ أنَّ عليّاً قد أحسنَ " أيضاً دافعَ عنه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وبيَّن مكانته عنده رضيَ الله عنه وأرضاه . فلمَّا أتمَّ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم الحجَّ ورجعَ إلى المدينةِ وهو في الطَّريقِ وقفَ في مكانٍ يُقالُ له الجُحْفَة ، وهذه الجحفة تبعدُ عن مكَّة قريب منْ مئتين وستين كيلو . وتبعدُ عن المدينةِ قريب منْ مئة وسبعين كيلو ، يعني تقريباً في الوسط أو أقرب إلى المدينة ، وكانَ منْ عادةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في هذه الرِّحلةِ - وهذه الرِّحلة مدَّتها تقريباً منْ سبعة إلى تسعة أيام - فكانتْ عادتُهم يمشون في اللَّيلِ ويرتاحون في النَّهارِ . في يومٍ منَ الأيام وهو تقريباً في الثَّامن عشر منْ ذي الحجَّة ، لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم انتهى منَ الحجِّ في الثَّالث عشر منْ ذي الحجَّة ، في الثَّامن عشر وصلَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى الجحفة ، في هذا اليوم قامَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وخطبَ في النَّاسِ ، ثم أرادَ أنْ ينبِّه إلى مكانةِ أهلِ بيتهِ صلَّى الله عليه وسلَّم فقالَ : " إني تاركٌ فيكم ثقلين أحدهما كتاب الله " ، ثم ذكرَ كتابَ الله ، وأمرَ بالتَّمسُّكِ به والمحافظةِ عليه ، وذكَّر به صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه . ثم قالَ : " وأهل بيتي ، أذكِّركم الله أهلَ بيتي ، أذكِّركم الله أهلَ بيتي ، أذكِّركم الله أهلَ بيتي ". ثم قالَ : " مَنْ كنتُ مولاهُ فعليٌّ مولاه " . يعني يا مَنِ اشتكيتُم عليّاً سواء بُريده ومَنْ كانَ معه في المدينة أو أبو سعيد ومَنْ كانَ معه في مكَّة ؛ أريدُكم أنْ تعرفوا مكانةَ عليٍّ عندي وعند الله " مَنْ كنتُ مولاهُ فعليٌّ مولاه " فعرفَ النَّاسُ مكانةَ عليٍّ وقَدْرَ عليٍّ عند رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وعند ذلك أقرُّوا له بذلك .. أي أقرُّوا له بالفضلِ والمكانةِ عند النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، وصاروا يحسبون له ألفَ حسابٍ في كلامِهم ومنطقِهم ورُؤيتهم له وغير ذلك منَ الأمورِ ، هذه بعضُ فضائل عليّ الخاصَّة . * - نأتي إلى فضائلهِ العامَّة مع أهلِ البيتِ *-أوَّلاً : قول النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم : " مَنْ كنتُ مولاهُ فعليٌّ مولاه " وعليٌّ منْ رؤوسِ أهلِ البيتِ إنْ لم يكنْ عليٌّ رأسَ أهلِ البيتِ في ذلك الوقت رضيَ الله عنه وأرضاه *-الحادثة الثانية: تقولُ أمُّنا عائشةُ رضيَ الله عنها وعن أبيها أنه في يومٍ منَ الأيام دخلَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عليَّ البيت ( في بيت عائشة ) فدعا عليّاً وفاطمةَ ، فجاؤوا إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، وكانَ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم كساء منْ شَعر - كِساء مثل البشت ..عباءه - فجعلَ عليّاً وفاطمةَ داخلَ الكِساءِ معه ( غطَّاهما بالكِساءِ ) ، ثم جاءَ الحسنُ فدخلَ في الكساءِ ، ثم جاءَ الحسينُ ودخلَ في الكساءِ - وكانَ الحسنُ والحسينُ في ذلك الوقتِ يمكن الحسن 5سنوات والحسين 4سنوات - فأدارَ النبيُّ الكساءَ عليهم ( على عليّ وفاطمة والحسن والحسين ) . يعني ضمَّهم النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إليه بالكساء ، ثم قرأ صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه ".... إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) " سورة الأحزاب . فكانتْ هذه كرامة لهؤلاء الأربعة إذْ أكرمَهم النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بهذا الدُّعاء الطَّيب المبارك ، ومعلومٌ أنَّ دعاءَ النبيِّ مستجابٌ صلَّى الله عليه وسلَّم فأكرمَهم بهذا الدُّعاء ثم قالَ : " اللهمَّ هؤلاء أهل بيتي ، اللهمَّ أذهبْ عنهم الرِّجس وطهِّرهم تطهيراً " ، وكانَ الأمرُ كما طلبَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، هذه حادثة . *-الحادثة الثالثة : وهي أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم جاءَه وفدٌ منْ نجران ( نصارى ) ، وصاروا يناقشون النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم في موضوع عيسى صلَّى الله عليه وسلَّم ، فأنزلَ الله جلَّ وعلا آياتٍ منْ سورةِ آلِ عمران وتكلَّم وبيَّن النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مَنْ هو عيسى :" إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ(33) " حتى ذكرَ قصَّة عيسى كاملةً صلَّى الله عليه وسلَّم . فعاندَ أهلُ نجران ..عاندوا النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم . قالوا : إنَّ هذا الكلامَ غيرُ صحيحٍ ولا نقبلُه . لأنهم يعتقدون في عيسى أنه ابنُ الله وأنه ثالثُ ثلاثةٍ ، فبيَّن لهم أنه عبدٌ رسولٌ .. عندها عارضوا وعاندوا فأنزلَ الله تباركَ وتعالى قولَه جلَّ وعلا :" فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ.. ( أي في عيسى ) " فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)"سورة آل عمران فقالَ أهلُ نجران : نعم نبتهلُ . والمباهلةُ هي الملاعنةُ ، يعني يأتي هذا الطَّرفُ بأقربِ النَّاسِ إليه ويأتي الطَّرفُ الثَّاني بأقربِ النَّاسِ إليه ثم يجتمعون في مكانٍ ويبدأ الطَّرف الأوَّل يقولُ : اللهمَّ إنْ كانَ الحقُّ معي وهذا الرَّجل على باطلٍ فاللهمَّ أظهرِ الحقَّ وأنزلْ عذابَك وسخطَك الآن عليه . و إنْ كانَ الحقُّ معه وكنتُ مبطلاً كاذباً فأنزلْ عذابَك عليَّ . هكذا يدعو على صاحبهِ ويدعو على نفسهِ ، ويأتي الآخر يفعل الشَّيءَ ذاته ، هذه تسمَّى المباهلة . عندها قالوا : نعم نباهلُك . فجاءَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم منَ الصَّباح وإذا به أتى بعليّ وفاطمة والحسن والحسين ، كأنه يقولُ : هؤلاء أقرب النَّاس إليَّ صلَّى الله عليه وسلَّم فأتى بهؤلاء الأربعة ، فلمَّا رأى وفدُ نجران أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم عازمٌ على المباهلةِ وقعَ الخوفُ في قلوبهم فقالوا : يا محمَّد ، لا نباهلُك .. ولكنْ أرسلْ معنا رجلاً أميناً يعلِّمنا أمورَ ديننا . فأرسلَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم معهم أبا عبيدة عامرَ بن الجرَّاح ، ولم يباهلوا النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم . والشَّاهدُ منْ هذا هو أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم لما قالَ الله له : " ... فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ... " أتى بهؤلاء الأربعة ( بعليّ وفاطمة والحسن والحسين ) رضيَ الله تباركَ وتعالى عنهم وأرضاهم . قد يقولُ قائلٌ : لماذا لم يأتِ ببناتهِ الأخريات ( رقية وأمّ كلثوم وزينب ) ؟؟؟ في هذا الوقتِ كنَّ قد تُوفِّين ، لأنَّ بنات النبيِّ وأبناء النبيِّ كلِّهم تُوُفُّوا في حياتهِ ما عدا فاطمة رضيَ الله عنها ، وهي تُوُفِّيَتْ بعد النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بستَّة أشهر . ولذلك يقولُ أهلُ العلم : مما رفعَ درجات فاطمة رضيَ الله عنها صبرها في ابتلائها لأنها ابتُليتْ بموتِ أبيها صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه ورضيَ عنها . فالشَّاهدُ منْ هذا أتى النبيُّ بهؤلاء الأربعة ليُظهرَ مكانتهم . ولذلك يقولُ سعدُ بنُ أبي وقَّاص : ولما جاءَ وفدُ نجران للمباهلة أتى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بعليّ وفاطمة والحسن والحسين . فأوقعَ هذا حبّاً لعليّ في قلوبِ أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .. إذْ عرفوا قدرَه ومكانتَه عند النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم * أمَّا الفضائلُ العامَّة التي يدخلُ فيها مع أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فمنها : *- انَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كانَ يوماً على حِراء ، فاهتزَّ جبلُ حِراء فقالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم : " اثبتْ حِراء ، فإنما عليك نبيّ أو صِدِّيق أو شهيد " ، وكانَ على جبل حِراء في ذلك الوقت الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم وأبو بكر وعمر وعثمان وعليّ وسعد وأبو عبيدة عامر بن الجرَّاح وطلحة بن عبيد الله ، فحكمَ عليهم النبيُّ أنهم إما نبيّ أو صِدِّيق أو شهيد . وفي حديثٍ آخر : "اثبتْ أحُد فإنما عليك نبيّ وصِدِّيق وشهيدان " ، وهذا الكلامُ كانَ في الرَّسول و أبي بكر وعمر وعثمان . هذا حديثٌ آخر وإنما هذا على حراء. كذلك منَ الفضائل العامَّة *- حديث سعيد بن زيد رضيَ الله عنه قالَ : سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقولُ : "عشرة في الجنة ، أبو بكر في الجنة ، وعمر في الجنة ، وعليّ في الجنة ، وعثمان في الجنة ، وطلحة في الجنة ، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة ، وسعد بن مالك في الجنة - الذي هو سعد بن أبي وقاص- وأبو عبيدة في الجنة والزبير في الجنة " ثم قال: وإنْ شئتم سمَّيت لكم العاشر . قالوا : مَنْيا سعيد؟ قالَ : صاحبُكم . يعني النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قالَ : " وسعيد بن زيد في الجنة " فهؤلاء العشرة المبشَّرون في الجنة هم خيرُ أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم على الإطلاق .. أفضل عشرة منْ أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم هؤلاء العشرة الذين ذُكروا في حديثٍ واحدٍ وأخبرَ عنهم النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنهم منْ أهلِ الجنة . ثم إذا جمعتَ مع هذا أحاديث النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم التي جاءتْ في فضائلِ الصَّحابةِ عامَّة كقوله : " خير النَّاس قرني " أو قول النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم : " النُّجوم أمنةٌ للسَّماء فإذا ذهبتِ النُّجومُ أتى السَّماءَ ما تُوعد ، و أنا أمنةٌ لأصحابي فإذا ذهبتُ أتى أصحابي ما يُوعدون ، و أصحابي أمنةٌ لأمتي فإذا ذهبَ أصحابي أتى أمتي ما تُوعدُ ". هذا عليٌّ رضيَ الله عنه وأرضاه ... ونختمُ كلامَنا عن عليٍّ رضيَ الله عنه في هذه الجلسةِ - ونؤجِّل ما بقيَ إلى الجلسةِ القادمةِ - بكُنيةٍ طيِّبةٍ كانَ يحبُّها عليٌّ رضيَ الله عنه وهي كُنية " أبو تراب " ، وذلك أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم دخل يوماً إلى بيتِ عليّ فلم يجده في البيتِ وجدَ فاطمةَ فقالَ لها :أين عليّ ؟؟ أين زوجُك ؟؟ فقالتْ : غضبَ عليَّ وخرجَ . أي حصلَ بيننا احتكاك - بين الزَّوج وزوجته - ثم خرجَ ، فسكتَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لأنَّ هذا أمر طبيعيّ يحصلُ بين الأزواج ، فسكتَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ثم خرجَ يبحثُ عن عليّ ، فوجدَ عليّاً نائماً في المسجدِ وقد جمعَ تراباً وجعلَه وسادةً ونامَ على التُّرابِ .. فجاءَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يُوقظُه فقالَ له : " قم أبا التراب ، قم أبا التراب ". يعني انظر كيف يتلطَّف معه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو قد أغضبَ ابنته ، لكن النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يعرفُ كيف يتصرَّف صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه ، ليس كما حال كثير منَ الآباء اليوم . فالمهم ... النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقولُ له : " قم أبا التراب ، قم أبا التراب ". يقولُ عليٌّ رضيَ الله عنه : فكانتْ هذه أحبّ الكنى إليَّ لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم هو الذي لقَّبني بها . كانَ هذا أحبّ ألقاب عليّ إليه لأنَّ النبيَّ هو الذي لقَّبه بقولهِ : " قم أبا تراب ، قم أبا تراب " . هذه نبذةٌ مختصرةٌ معتصرةٌ عن عليٍّ رضيَ الله عنه وأرضاه ، والله أعلى و أعلم ، وصلَّى الله وسلَّم وباركَ على نبيِّنا محمَّد . فاعلة خير و نازك و عبق شبكة المنهج تحت إشراف الشيخ //: عثمان بن محمَّد الخميس حفظه الله الحلقة السَّابعة من سلسلة آل البيت والصَّحابة رضوان الله عليهم عليّ بن أبي طالب رضيَ الله عنه الجزء الأوَّل السَّلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه إنَّ الحمدَ لله ، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ، ونعوذُ بالله منْ شُرورِ أنفسِنا ومنْ سيِّئاتِ أعمالِنا ، مَنْ يهدهِ الله فهو المهتدي ومَنْ يُضللْه فلنْ تجدَ له وليّاً مُرشداً وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له وأشهدُ أنَّ محمَّداً عبدُه ورسولُه ، أمَّا بعد : فإنَّ حديثَنا في هذه اللَّيلةِ متَّصلٌ بأحاديثَ سابقةٍ تكلَّمنا فيها عن آلِ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وصحبهِ ، ثم انطلقنا إلى تراجم أهلِ البيتِ وأصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، وبدأنا بسيرةِ الصِّدِّيقِ رضيَ الله تباركَ وتعالى عنه وأرضاه ، وفي هذه اللَّيلةِ نأخذُ سيرةَ رجلٍ منْ آلِ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، بل نأخذُ سيرةَ أفضل أهلِ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بعد رسولِ الله صلواتُ ربي وسلامُه عليه . إنَّ حديثَنا عن العالِم الرَّبَّاني .. إنَّ حديثَنا عن الزَّاهد .. إنَّ حديثَنا عن العالِم الإمام عليّ بن أبي طالب رضيَ الله تباركَ وتعالى عنه وأرضاه . عليّ رضيَ الله عنه وأرضاه هو وأخوه جعفر وأخوه عقيل يُعتبرون أوَّل رجالٍ منْ بني هاشم ، أمُّهم هاشميَّة ، فبنُو هاشم كانوا يتزوَّجون منْ غيرِ بني هاشم و يُزوِّجون غيرَ بني هاشم ، حتى تزوَّج أبو طالب بنتَ عمِّه فاطمةَ بنتَ أسد فكانَ أوَّل هاشميّ يتزوَّج هاشميَّة فهو أبو طالب بن عبد المطَّلب بن هاشم ، وهي فاطمة بنت أسد بن هاشم فتزوَّجها أبو طالب ، فأنجبت له عقيلاً وجعفر وعليّاً ، وقد ذكرَ بعضُ أهلِ السِّير أنَّ بين كلِّ واحدٍ منهم والآخر عشر سنواتٍ ، فعقيل هو الأكبر ، ثم جاءَ بعده جعفر بعشر سنواتٍ ، ثم جاءَ بعده عليّ بعشر سنواتٍ .. والله تعالى أعلم . لكنْ على كلِّ حالٍ إنَّ حديثَنا هو عن عليّ بن أبي طالب ، وهو هاشميٌّ وأمُّه هاشميَّة ، فجمعَ الشَّرفَ منْ حيثُ أبوه ومنْ حيثُ أمّه رضيَ الله عنه وعن أمِّه وذلك أنَّ أمَّه أسلمتْ وهي فاطمة بنت أسد رضي الله عنها . تميَّز عليٌّ رضيَ الله عنه بأنه تربَّى في بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم منذ نعومةِ أظفاره . وذلك أنَّ أبا طالب قد أحسنَ إلى النبيِّ صلََّى الله عليه وسلَّم ؛ إذْ ربَّاه في صغره ، كما هو معلوم أنَّ والدَ النبيِّ عبد الله تُوُفِّيَ والنبيُّ حملٌ في بطنِ أمِّه فولدَ يتيماً صلَّى الله عليه وسلَّم ، فاعتنتْ به أمُّه ، وفي السَّادسةِ منْ عُمُرهِ تُوُفِّيَتْ أمُّه صلواتُ ربي وسلامُه عليه ، فاعتنى به جدُّه عبد المطَّلب ، ولما بلغَ الثَّامنةَ منْ عُمُرهِ تُوُفِّيَ عبدُ المطَّلب ، فكفلَه عمُّه أبو طالب ، فنشأ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في كَنَفِ عمِّه أبي طالب حتى بلغَ سِنَّ الرِّجالِ . ثم بعد ذلك يسَّر الله له وتزوَّج ، تزوَّج خديجةَ بنتَ خويلد . وفي يومٍ منَ الأيام جلسَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مع عمِّه العبَّاس فقالَ :له يا عمّ ، أنتَ ترى حالةَ أبي طالب . - حيثُ إنَّ أبا طالب كانَ فقيراً - قالَ :أنتَ ترى حالةَ أبي طالب ، فما رأيك أنْ نعرضَ عليه أنْ نأخذَ بعضَ ولدهِ نكفيهِ مُؤْنتهم ؟؟ فقالَ العبَّاس : نِعْمَ الرَّأيُ . فذهبَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وعمّه العبَّاس إلى أبي طالب فقالا له : أعطِنا بعضَ ولدكَ نكفلُه لكَ ونكفيك مُؤْنته . فسكتَ أبو طالب قليلاً ثم قالَ : إنْ تركتم لي عقيلاً فخذوا مَنْ شئتم . المهمّ دعوا عقيلاً . فقالَ العبَّاس : فإني آخذٌ جعفراً . وقالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم : فإني آخذٌ عليّاً . فأخذَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عليّاً وهو صغيرٌ قريبٌ منَ الخامسةِ منْ عُمُرهِ أو السَّادسةِ ، فتربَّى عليٌّ في بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فكانَ كواحدٍ منْ أولاده . عندما بلغَ عليٌّ الثَّامنةَ منْ عُمرهِ وقيلَ العاشرةَ منْ عُمرهِ بُعِثَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم .. لما بُعِثَ صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه عرضَ الإسلامَ على النَّاسِ يدعوهم إلى الله تباركَ وتعالى وكانَ عَرْضُهُ مقتصراً على الخاصَّة ، وهذه الفترةُ تسمَّى فترة النبَّوة قبلَ فترةِ الرِّسالةِ ، فصارَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يعرضُ الإسلامَ على الخاصَّة . فكانَ ممنْ عرضَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عليه الإسلامَ عليّ بن أبي طالب . جاءَه النبيُّ وقالَ :يا عليُّ ، أعرضُ عليك هذا الإسلامَ و لكنْ لا تستعجلْ حتى تستشير أباك . فَذُكِرَ أنَّ عليّاً أتى أباه وعرضَ عليه الأمرَ فأذنَ له أنْ يتابعَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، عندها أسلمَ عليٌّ رضيَ الله عنه . ولذلك يُقال عن عليّ هو أوَّل مَنْ أسلمَ منَ الصِّبيان ( يعني منَ الصِّغار الذين لم يبلغوا الحلم ) . وكانتْ خديجةُ رضيَ الله عنها هي أوَّل مَنْ أسلمَ منَ النَّاسِ كلِّهم ، بل منَ الإنسِ والجنِّ رضيَ الله عنها .. أوَّل مَنْ أسلمَ وتابعَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم خديجة . ثم أسلمَ أبو بكر فكانَ أوَّل مَنْ أسلمَ منَ الرِّجالِ . وأسلمَ زيد بنُ حارثة وكانَ أوَّل مَنْ أسلمَ منَ الموالي . وأسلمَ بلال بنُ رباح فكانَ أوَّل مَنْ أسلمَ منَ العبيد . فكانَ هؤلاء الخمسة " خديجة و أبو بكر وعليّ وبلال و زيد " هؤلاء أوَّل مَنْ أسلمَ وتابعَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم . بعدما أسلمَ عليٌّ رضيَ الله عنه منَ الطَّبيعيِّ لصِغَر سِنِّه لم يكنْ له ذاك الأثر في الدَّعوةِ إلى الله في مكَّة ، ولكنَّه كانَ مُتابعاً للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم . وكانَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يُحبُّه حبّاً شديداً ، حتى جاءَ وقتُ هجرةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، وذلك بعد ثلاث عشرة سنة منَ البِعثة ( يعني عندما بلغَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم الثالثة والخمسين منْ عُمُره ) أُذِنَ له بالهجرةِ . وكانَ عليٌّ في ذلك الوقتِ قد ناهزَ الواحد والعشرين منْ عُمرهِ ؛ فناداه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وقالَ له :يا عليّ إنَّ الله قد أذنَ لي بالهجرةِ فإني مهاجرٌ . فقالَ : الصُّحبة يا رسولَ الله ؟؟ أصاحبُك في الهجرة ؟؟ قالَ :لا .. ولكنْ هذه أماناتُ قريش تردُّها إليهم . وهذا يدلُّ على أخلاقِ هذا النبيِّ الكريم صلَّى الله عليه وسلَّم كيف أنَّ قريشاً اتهمته بالجنون والكذبِ والسِّحر والكهانةِ والشِّعر وغير ذلك وآذتْ مَنْ آذتْ منْ أصحابهِ ، بل آذته هو صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه ، ومع هذا لا يهاجرُ حتى يردّ الأمانات إلى أهلها ، فأعطى الأمانات إلى عليّ بن أبي طالب . قالَ : " تبقى أنتَ حتى تردّ الأمانات إلى أهلها ". *- هذه الأولى .. *- والثانية ..قالَ : " يا عليّ ، إني مهاجرٌ ليلاً وهم قد أرادوا قتلي ؛ فأريدُك أنْ تنامَ في فِراشي حتى يظنّ القومُ أني في الفِراش وأخرج ليلا ". قالَ : أفعلُ . فقبلَ عليٌّ الأمرين .. قبلَ أنْ يستلمَ الأماناتِ ليردَّها إلى أهلِها ، وقبلَ أنْ ينامَ في فِراشِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم حتى يُلبسَ على قريش في هجرةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، و كانَ الأمرُ كذلك . وخرجَ النبيُّ مهاجراً صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه ، وظلَّ عليٌّ رضيَ الله عنه في فِراشهِ ، فكانوا كلَّما نظروا منْ كُوَّة البابِ وجدوا مَنْ يظنُّون أنه النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، وظلُّوا كذلك حتى قطعَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم شوطاً في رحلتهِ ، فلمَّا أصبحَ النَّاسُ دخلوا عليه يريدون قتلَه و إذا هو عليّ بن أبي طالب !! قالوا : أين صاحبُك ؟؟!! قالَ : لا أدري . ثم جلسَ عليٌّ رضيَ الله عنه في مكَّة يردُّ الأماناتِ إلى أهلِها حتى إذا فرغَ منْ ذلك كلِّه تبعَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهاجرَ حيثُ هاجرَ النبيُّ صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه . هاجرَ عليٌّ .. وصلَ المدينةَ . وفي السَّنةِ الثَّانيةِ منَ الهجرةِ ناداه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وزوَّجه ابنتَه فاطمةَ . وقد ذُكِرَ أنَّ أبا بكر وعمر رضيَ الله عنهما عرضا على عليّ ذلك .. لماذا لا تتزوَّج ابنةَ عمِّك بنت النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فاطمة رضوانُ الله عليها ؟؟!! فقالَ رضيَ الله عنه : ولكنْ لا مالَ عندي . فقالَ له عثمانُ رضيَ الله عنه : مهرُك عليَّ.. فاقدمْ . وفعلاً تقدَّم عليٌّ إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وطلبَ يدَ فاطمة بنتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم سيِّدة نساءِ العالمين .. خير بنات النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، فزوَّجه صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه . تزوَّج عليٌّ سيِّدةَ نساءِ العالمين .. تزوَّج بنتَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، فأكرمَ الله هذه الأسرةَ المباركةَ بأربعةِ أولادٍ ؛ ذكرين و أنثيين " الحسن ثم الحسين ثم أم كلثوم ثم زينب " أربعة أولاد أنجبتهم فاطمةُ لعليّ رضيَ الله تباركَ وتعالى عنهما ، واستمرَّ هذا الزَّواجُ المباركُ زواج عليّ منْ فاطمة . أنجبتْ أوَّل ما أنجبتْ حسناً ، فجاءَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لما ولدتْ فاطمةُ فأخذَه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قالَ :ما أسميتموه ؟؟ فقالَ عليٌّ : أسميتُه أسداً . فقالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم :بل هو حسن . وفي روايةٍ أنه قالَ : أسميتُه حربا . فقالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم :بل هو حسن . لا أسد ولا حرب ، حسن .. فسمَّاه النبيُّ حسناً . وذلك أنَّ عليّاً رضيَ الله عنه كانَ اسمُه أسداً ، أوَّل ما وُلِدَ لم يكنْ أبو طالب موجوداً فسمَّته أمُّه فاطمةُ بنتُ أسد على اسم أبيها فقالتْ : أسد . فلمَّا جاءَ أبو طالب قالَ : أين ولدي ؟؟ قالتْ : هذا ولدُك . قالتْ : سمَّيته. قالَ : وماذا أسميتهِ ؟؟ قالتْ : أسداً على اسم أبي . قالَ : بل هو عليّ . ولذلك عليّ رضيَ الله عنه سيأتينا إنْ شاءَ الله تعالى عندما يقاتلُ مرحباً اليهوديّ يقولُ : أنا الذي سمَّتني أمي حيدرة يعني : أسد ..حيدرة هو الأسد فالشَّاهدُ منْ هذا فسمَّاه النبيُّ حسناً ، فلما ولدتْ فاطمةُ الحسين جاءَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى عليّ قالَ :ما أسميتَه ؟ قالَ : أسد . وفي رواية : حرب . فقالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم : " لا ، بل هو حسين " . فسمَّاه حسيناً صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه . فهذان الحسن والحسين هما أوَّل حفيدين أو سِبطين للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم منِ ابنتهِ فاطمة ، وذلك أنَّ زينبَ تزوَّجها أبو العاص بنُ الربيع لكنْ لم تُنجبْ له إلا متأخِّرة ، وكذلك رقيَّة تزوَّجها عثمانُ فلم تُنجبْ له ، ثم تزوَّج بعدها أمَّ كلثوم في السَّنةِ الثَّالثةِ منَ الهجرةِ أو في آخر السَّنةِ الثَّانيةِ منَ الهجرةِ فأنجبتْ له ولداً وماتَ . لكن ذرِّية النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم صارتْ منْ ظهرِ عليّ ، وهؤلاء يُنسبون إلى النبيِّ فيقالُ : حسن ابن النبيِّ .. أنا سِبطُ النبيِّ .. أنا ابنُ بنتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، وإلى اليوم هذه تُعتبرُ أشرف أسرةٍ على وجهِ الأرض ؛ وهي التي تنتسبُ إلى عليّ بن أبي طالب منْ حيثُ الأبِ إلى فاطمة منْ حيثُ الأم . عاشَ عليٌّ رضيَ الله عنه مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم العشر سنوات التي كانتْ في المدينةِ ، خلالَ هذه الفترةِ وهي العشر سنوات وقعتْ أحداثٌ كثيرةٌ جداً ظهرَ فيها فضلُ عليٍّ رضيَ الله عنه ومكانته عند النبيِّ صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه . عندما نتكلَّم عن عليّ بن أبي طالب رضيَ الله عنه سنتكلَّم عنه منْ خلالِ مباحثَ : *- المبحث الأوَّل : سنتكلَّم عن مكانتهِ عند النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم *- المبحث الثَّاني : سنتكلَّم عن فضائل عليّ رضيَ الله عنه ، وفضائلُ عليّ تنقسمُ إلى ثلاثةِ أقسام إلى : *- فضائل خاصَّة به . *- فضائل مشتركة مع آلِ البيتِ . *- فضائل مشتركة مع أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم . ثم نتكلَّم بعد ذلك عن حياةِ عليٍّ رضيَ الله عنه سواء في زمنِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ومواقفهِ أو بعد وفاةِ النبيِّ إلى وفاتهِ رضيَ الله عنه في أربعين منَ الهجرة . أوَّلاً مكانة عليّ منَ النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم . كانَ عليٌّ رضيَ الله عنه منْ أقربِ النَّاس إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، وهو أقربُ النَّاس نسباً للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بعد العبَّاس . فالعبَّاسُ عمُّ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو أقربُ منْ عليّ ، عليّ ابنُ عمِّه هو وجعفر وعبد الله بن العبَّاس والفضل بن العبَّاس هؤلاء في درجةٍ واحدةٍ منْ حيثُ القرابة مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ؛ يلتقون مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في عبد المطَّلب ، أقرب منه فاطمة حيث إنها بِنتُه مع زينب و أمّ كلثوم ورقية ، أقرب منه الحسن والحسين حيثُ إنهما سِبطا النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم . لكنْ منْ حيثُ آلِ البيتِ بشكل عام هو أفضلُهم ، هو أفضلُ منَ العبَّاس وأفضلُ منْ جعفر ، وأفضلُ منْ عقيل ؛ حتى الحسن والحسين هو أفضلُ منهم رضيَ الله تباركَ تعالى عليهم ، فهو أفضلُ آلِ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مكانتُه عند النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ومكانةُ النبيِّ عنده أمَّا مكانتُه فتظهرُ منْ خلالِ إبراز النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لذلك الأمر منْ خلالِ ما سنذكرُه منْ فضائلهِ ، وأمَّا مكانةُ النبيِّ عنده فكانَ محبّاً للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بشكلٍ لا يمكنُ أنْ نصفَه بكلماتنا هذه القصيرة في مثلِ هذا الوقتِ القصيرِ . يدلُّنا على ذلك أمرٌ ألا وهو في أحُد كيف إنه لما قصدَ المشركون قتلَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم كيف وقفَ عليٌّ رضيَ الله عنه مدافعاً عن النبيِّ ؛ وكذا الأمر في حُنين ، وهذا سيأتي في وقتهِ إنْ شاءَ الله تعالى ، ولكنْ نذكرُ الآنَ مسألةً واحدةً في الحديبية . *- لما خرجَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى العُمرةِ في السَّنةِ السَّادسةِ منَ الهجرةِ ثم منعته قريش ؛ وكانَ أنْ حدثَ صلحُ الحديبية ، فكانَ كاتبُ الصُّلْحِ هو عليّ بن أبي طالب رضيَ الله عنه ، هو الذي كتبَ الصُّلْحَ بين النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وبين سهيل بن عمرو منْ قبل قريش . حدثتْ حادثةٌ .. وبما أنه قالَ النبيُّ لعليّ :اكتبْ باسم الله الرَّحمن الرَّحيم . ( يكتبون الآن الصُّلح ) فقالَ سهيل : أعترضُ ، اكتبْ كما كانَ يكتبُ آباؤك باسمك اللهمَّ ، لا نعرفُ الرَّحمن الرَّحيم . فالتفتَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى عليّ قالَ :امحُها واكتبْ باسمكَ اللهمَّ . النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يريدُ أنْ يتمَّ هذا الصُّلْحُ حتى يتوقَّف نزيفُ الدِّماءِ . فقالَ : اكتبْ باسمك اللهمَّ . فكتبَ باسمكَ اللهمَّ . فقالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم :اكتبْ يا عليّ ، هذا ما صالحَ عليه محمَّد بنُ عبدِ الله رسولُ الله سهيلَ بنَ عمرو . فقالَ سهيل بن عمرو : أعترض . قالَ :تعترضُ على ماذا ؟ قالَ : لا تكتبْ رسولَ الله ، إذا كتبتَ رسولَ الله وأنا وقَّعتُ في الأسفلِ كأني أقِرُّ لكَ رسول الله ؛ وأنا لا أؤمن بك أنك رسولُ الله.. لا تكتبْ رسولَ الله ، اكتبْ اسمكَ واسمَ أبيك .. صُلْح بين محمَّد بنِ عبدِ الله وبين سهيلِ بنِ عمرو ، لا تكتبْ رسولَ الله ، لأني لا أوافقُ أنك رسولُ الله . لأنَّ سهيلاً كانَ كافراً في ذلك الوقتِ ، لم يُسلمْ بعدُ ، هو أسلمَ بعد ذلك ، ولكنْ في هذه المرحلةِ لم يكنْ قد أسلمَ . فقالَ : اكتبْ اسمَك واسمَ أبيك ولا تكتبْ رسولَ الله . فقالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم :نعم .. يا عليّ امحُ رسولَ الله . فقالَ : لا أمحوها ... لأنه يرى أنَّ هذا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، وكيف لسهيل بن عمرو أنْ يعترضَ على مثلِ هذا الأمرِ ؟؟!! قالَ : لا أمحوها .. فقالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم :امحُها.. قالَ : لا أمحوها .. هو لا يقولُ هذا عناداً للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ولكنه لا يقبلُ أنْ يُصدرَ سهيلُ بنُ عمرو أوامرَه أو شروطَه على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم . قالَ : لا أمحوها .. والنبيُّ صلواتُ ربِّي عليه أمِّيٌّ لا يقرأ ولا يكتبُ ولا يدري أيُّها رسول الله في المكتوب . فقالَ : يا عليّ ، ضعْ يدي عليها . أين هي رسول الله في هذا الكلام الذي كتبتَه ؟؟ أين كلمةُ رسول الله ؟؟ فوضعَ يدَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم عليها فمحاها بيدهِ صلَّى الله عليه وسلَّم .. هذا يدلُّنا على مكانةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في قلبِ عليّ مع أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقولُ له :امحُها وهو يقولُ : لا أمحوها . لا عناداً ولكنْ كما قلنا محبَّةً في النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وإقراراً وتصديقاً بأنه رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم . نأتي للكلام عن فضائلِ هذا الرَّجلِ رضيَ الله عنه ..كما قلنا إنَّ فضائلَ عليّ رضيَ الله عنه يمكنُ أنْ نقسمَها إلى ثلاثةِ أقسام ، إلى : *- فضائل خاصَّة .. هذه الفضائل الخاصَّة لها أمثلة كثيرة ولكنْ لا يسعُ المجالُ لذكرِها كلِّها وإنما سنختارُ : *-منْ أفضلِ هذه الأمورِ ما ذكرَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يوماً في خيبر ، إذْ خرجَ النبيُّ إلى خيبر ، ثم حاصرَ خيبر فترةً منَ الزَّمَنِ ، ولم يستطعْ أنْ يفتحَها صلَّى الله عليه وسلَّم ، هو ما زالَ محاصراً لهم فقالَ : "لأعطينَّ الرَّايةَ غداً رجلاً يحبُّ الله ورسولَه ويحبُّه الله ورسولُه " هذه الكلماتُ منَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم تزكية لهذا الرَّجلِ أنه صادق الايمان بحيثُ إنه يحبُّ الله ورسولَه ، وحيثُ إنه وليٌّ منْ أولياءِ الله يحبُّه الله ويحبُّه رسولُه ، فهو صلَّى الله عليه وسلَّم أثبتَ له الأمرين : إيماناً صادقاً ومكانةً عند الله تباركَ وتعال وعند رسولهِ . فلمَّا صلَّى النبيُّ الغداةَ ، أي الفجر .. أصبحَ كلُّ واحدٍ منَ الصَّحابةِ يُبرزُ نفسَه ، يريدُ أنْ يقولَ أنا هنا ، لعلِّي أنا المقصود . فصارَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ينظرُ في وجوه الصَّحابةِ ، كلُّ واحدٍ يُبرزُ نفسَه يقولُ أنا . حتى قالَ عمرُ : والله ما تمنَّيتُ الإمارةَ إلا في ذلك اليوم عندها قالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم :أين عليّ ؟؟!! ما أرى عليّاً بين النَّاسِ ؟؟؟!! ما صلَّى معنا الفجر ؟؟!! أين عليّ ؟؟!! فقالوا : يشكو عينيه ، وذلك أنه قد أصابَه رمدٌ في عينيه . فقالَ :عَلَيَّ به . نادُوه ...فأتي بعليّ . وهذه خيبر بعد صُلْح الحديبية بشهرين فقط .. في محرَّم ، وصُلْح الحديبية كانَ في ذي القعدة ، في بداية السَّنةِ السَّابعةِ كانَ فتحُ خيبر ، و في آخر السَّنةِ السَّادسةِ كانَ صُلْح الحديبية . قالَ صلَّى الله عليه وسلَّم : عَلَيَّ بعليّ . فأتي به أرمد يُقاد ( يعني لا يستطيعُ أنْ يرى .. يقودونه ) ، فوقفَ بين يدي النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، فتفلَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في عينيه فأبصرَ رضيَ الله عنه .. كأنه لم يكنْ أرمداً في يومٍ منَ الأيام ، ثم أعطاه الرَّايةَ صلَّى الله عليه وسلَّم . فأخذَ عليٌّ الرَّايةَ فَرِحاً بها بعد أنْ بُلِّغَ بما قالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم . فأخذَ الرَّايةَ .. فقالَ : يا رسولَ الله ، والله لأقاتلنَّهم حتى يَكونوا مِثلَنا. قالَ : يا عليّ ، لئنْ يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك منْ حُمر النَّعَم." حُمُر النَّعَم هي الإبل الحمراء ، وكانتْ عزيزةً على العربِ في ذلك الوقتِ . فأخذَ الرَّايةَ عليٌّ رضيَ الله عنه . أمَّا ماذا حدثَ في خيبر .. فهذا نُؤجِّلُه إلى حديثنا عن شجاعةِ عليّ رضيَ الله عنه وأرضاه .. المهم نريدُ الآنَ هنا مكانته عند النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وشهادة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم له بأنه يحبُّ الله ورسولَه ويحبُّه الله ورسولُه . *-الحادثة الثانية : خرجَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى تبوك وترك عليّاً في المدينةِ رضيَ الله عنه ليرعى شؤون أهلهِ في المدينةِ .. أزواج النبيّ .. أقارب النبيّ ..نساء النبيّ منْ أقاربه .. يرعى شؤونهنَّ جميعاً عليٌّ رضيَ الله عنه وأرضاه . وخرجَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى تبوك ، فتكلَّم بعضُ المنافقين وقالوا ما تركَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عليّاً إلا استثقالاً له.. يعني لا يريدُه معه .. مستثقله ، فبلغَ الكلامُ عليّاً رضيَ الله عنه فتضايقَ أنْ يقالَ له مثل هذا الكلام فتبعَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى خارج المدينة . لأنَّ هذا الجيشَ عسكرَ خارجَ المدينة ينتظرون المتأخِّرين حتى ينطلقوا ، فلحقَهم عليٌّ إلى خارج المدينة ، فأدركَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قالَ : يا رسولَ الله ، تتركُني مع النِّساء والصِّبية ؟؟!! يعني وأنا الفارسُ المغوار الشُّجاع المقاتل الحريص .. تتركُني مع النِّساء والصِّبية ؟؟!!! فقالَ له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم تطييباً لقلبهِ قالَ :يا عليّ ، أمَا ترضى أنْ تكونَ مني بمنزلةِ هارون منْ موسى إلا أنه لا نبيَّ بعدي ؟؟ أي إنَّ موسى صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه لما خرجَ إلى ميقاتِ ربِّه أبقى هارون أخاه ، ولم يكنْ في إبقائهِ لهارون منقصة على هارون صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه .. وكذلك أنا عندما أبقيك يا عليّ ليس في هذا منقصة عليك ، ولكنِ انتبه لا نبيَّ بعدي . لأنه قد يظنُّ البعضُ أنَّ النبيَّ إذا تركَ عليّاً وشبَّه تركَه له كتركِ موسى لهارون قد يظنُّ بعضُ الغُلاةِ أنَّ عليّاً نبيٌّ كما أنَّ هارون نبيٌّ .. فنبَّه النبيُّ إلى هذا صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه ، قالَ : " إلا أنه لا نبيَّ بعدي " وفي هذا يقولُ سعد بن أبي وقَّاص : ما أزالُ أحبُّ عليّاً رضيَ الله عنه لثلاثٍ سمعتهنَّ منْ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، وذكرَ منها لما أعطى الرَّايةَ في خيبر قالَ النبيُّ : " لأعطينَّ الرَّايةَ غداً رجلاً يحبُّ الله ورسولَه ويحبُّه الله ورسولُه " ، وذكرَ منها أنه لما خرجَ إلى تبوك قالَ لعليّ : " يا عليّ ، ألا ترضى أنْ تكونَ مني بمنزلةِ هارون منْ موسى إلا أنه لا نبيَّ بعدي " . " بمنزلة هارون منْ موسى" هكذا يقولُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن عليّ رضيَ الله عنه وأرضاه *- أمَّا الثالثة .. فإنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أمرَ خالدَ بنَ الوليد أنْ يذهبَ إلى اليمن ، حاصرَ أهلَ اليمن خالدُ بنُ الوليد لكنْ لم يُسلموا ، فبعدَ ذلك ظهرَ عليهم خالدُ بنُ الوليد ، فأرسلَ إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقالَ : يا رسولَ الله ، قد ظهرنا على أهلِ اليمن فأرسلْ لنا مَنْ يخمِّسُ الغنيمةَ . لأنَّ الغنيمةَ إذا غُنِمَتْ في الفتوحات تُقسم إلى خمسةِ أقسام .. أخماس .. أربعة أخماس تُوَزَّع على الجيش الذي فتحَ .. الذي شاركَ .. المقاتلين .. المجاهدين ، تُقسم عليهم أربعةُ أخماس ، يعني ثمانون في المئة ، ويبقى الخمس ، وهذا الخمسُ يرجعُ إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو الذي يقولُ الله تباركَ وتعالى فيه : " وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ... (41) " سورة الأنفال. فهذه الغنيمةُ وهي الخمس - العشرون بالمئة - تذهبُ إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، ويقسمُها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم على خمسةِ أخماس .. لله والرَّسول .. لذي القربى .. اليتامى .. المساكين .. ابن السبيل . هكذا تُقسم الغنيمةُ . فخالد بن الوليد قالَ : أرسلْ لنا مَنْ يخمِّسُ الغنيمةَ . فأرسلَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عليّاً رضيَ الله عنه . فجاءَ عليٌّ إليهم فخمَّسَ الغنيمةَ ، و جُمِعَتِ الغنائمُ كلُّها فقسمها عليٌّ خمسة أخماس ، ثم أربعة أخماس وزَّعها على الجنود الذين شاركوا في القتال وخُمُس أخذه عليٌّ رضيَ الله عنه ليردَّه إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم . ماذا حدثَ بعد ذلك ؟؟ حدثَ بعد ذلك أنَّ عليّاً بعد أنْ عزلَ الخُمُسَ الذي للرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم أخذَ جاريه منَ الخمس فدخلَ عليها عليٌّ رضيَ الله عنه ( أي جامعَها ) فتضايقَ بُرَيْدَةُ بنُ الحَصِيب وخالدُ بنُ الوليد وآخرون تضايقوا منْ هذا التصرُّف . يعني كأنهم يقولون في أنفسِهم المفروض أنَّ هذا الخُمُسَ تذهب به إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، والنبيُّ هو الذي يقسِّمه وليس أنت .. ليس لك الحقّ أنْ تتصرَّف في الخُمُس . المهم .. بُريدة رضيَ الله عنه خرجَ منَ اليمنِ إلى النبيِّ مباشرةً يشتكي عليّاً على هذا الفعلِ ، فدخلَ بُريدةُ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وعليٌّ ما زالَ في اليمنِ ، كانَ ذلك في السَّنةِ العاشرةِ منَ الهجرةِ ، والنبيُّ أمرَ عليًّا أنْ لا يرجعَ إلى المدينةِ وإنما الوعدُ في مكَّة ، لأنَّ النبيَّ يريدُ الحجَّ . فقالَ :أنا أخرجُ إلى الحجِّ منَ المدينةِ وأنتَ تخرجُ يا عليّ منَ اليمنِ ، والوعدُ في مكَّة . فبُريدةُ مباشرةً رجعَ إلى النبيِّ في المدينةِ يشتكي عليّاً فقالَ للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم : يا رسولَ الله ، إنَّ عليّاً فعلَ كيت وكيت . فالنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم كأنه لا يسمعُ .. ما ردَّ عليه ..كأنه لم يقبلْ هذه الشكوى . فبريدةُ رجعَ إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قالَ : يا رسولَ الله ، إنَّ عليّاً فعلَ كيت وكيت . فقالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لبريدة :يا بريدةُ أتبغضُ عليّاً ؟؟؟ قالَ : نعم . قالَ : " فأحبَّه .. فإنَّ له في الخُمُسِ أكثر منْ ذلك " . يعني إذا أنت متضايق أنه اخذ وصيفةً منَ الخمس فعليّ له أكثر منْ ذلك . " فإنَّ له في الخُمُس أكثر منْ ذلك .. مَنْ كنتُ مولاه فعليّ مولاه " يقولُ بُريدة : فما زلتُ أحبُّ عليّاً منْ ذلك اليوم . لأنه عرفَ مكانته وقدرَه عند النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم . عليٌّ رضيَ الله عنه خرجَ الآن منَ اليمن إلى مكَّة شرَّفها الله فأمرَ النَّاسَ أنْ يستعجلوا بالخروج إلى مكَّة وأعطاهم مجموعةً منَ الإبل يسيرون بها وقالَ لهم : لا تركبوا الإبلَ ، تمشون على الأرض ، رِجْلِي ..الإبل لا تركبوها . لأنَّ هذه الإبل ستكونُ هَدْياً في الحجّ . فنهاهم أنْ يركبوها ، ثم أمرَهم أنْ ينطلقوا وتأخَّر هو قليلاً ثم تبعَهم وأمرَ عليهم رجلاً .. فلمَّا لحقَ بهم عليٌّ وإذا قد ركبوا الإبلَ ، أذِنَ لهم المسؤولُ أنْ يركبوا الإبلَ . فلمَّا أتى عليٌّ ورأى أثرَ الرُّكوبِ على الإبلِ أمسكَ بالمسؤولِ وعاتبَه على هذا الفعلِ ، قالَ : قلتُ لك لا تأذنْ لهم بركوبِ الإبلِ ، فلماذا تأذنُ لهم ؟؟ وبدأ يعنِّفه رضيَ الله عنه ... فتضايقَ بعضُ النَّاسِ ، ما هذه الشِّدَّة ؟ ما هذه الغِلْظةُ ؟ فانتظروا النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم عندما وصلَ إلى مكَّة ، التقوا مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، فجاءَ أبو سعيد الخدري يشتكي إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قالَ : كانَ عليٌّ شديداً علينا.. كانَ فيه غِلْظَة علينا.. فعلَ كيت وكيت .. منعَنا منْ ركوبِ الإبلِ . وفي روايةٍ : أنه منعَهم منَ لِباس بعض الأردية . فقالَ : فعلَ كذا وكذا . فما كانَ منَ النبيِّ إلا أنْ قالَ : "قد علمتُ أنَّ عليّاً قد أحسنَ " أيضاً دافعَ عنه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وبيَّن مكانته عنده رضيَ الله عنه وأرضاه . فلمَّا أتمَّ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم الحجَّ ورجعَ إلى المدينةِ وهو في الطَّريقِ وقفَ في مكانٍ يُقالُ له الجُحْفَة ، وهذه الجحفة تبعدُ عن مكَّة قريب منْ مئتين وستين كيلو . وتبعدُ عن المدينةِ قريب منْ مئة وسبعين كيلو ، يعني تقريباً في الوسط أو أقرب إلى المدينة ، وكانَ منْ عادةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في هذه الرِّحلةِ - وهذه الرِّحلة مدَّتها تقريباً منْ سبعة إلى تسعة أيام - فكانتْ عادتُهم يمشون في اللَّيلِ ويرتاحون في النَّهارِ . في يومٍ منَ الأيام وهو تقريباً في الثَّامن عشر منْ ذي الحجَّة ، لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم انتهى منَ الحجِّ في الثَّالث عشر منْ ذي الحجَّة ، في الثَّامن عشر وصلَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى الجحفة ، في هذا اليوم قامَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وخطبَ في النَّاسِ ، ثم أرادَ أنْ ينبِّه إلى مكانةِ أهلِ بيتهِ صلَّى الله عليه وسلَّم فقالَ : " إني تاركٌ فيكم ثقلين أحدهما كتاب الله " ، ثم ذكرَ كتابَ الله ، وأمرَ بالتَّمسُّكِ به والمحافظةِ عليه ، وذكَّر به صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه . ثم قالَ : " وأهل بيتي ، أذكِّركم الله أهلَ بيتي ، أذكِّركم الله أهلَ بيتي ، أذكِّركم الله أهلَ بيتي ". ثم قالَ : " مَنْ كنتُ مولاهُ فعليٌّ مولاه " . يعني يا مَنِ اشتكيتُم عليّاً سواء بُريده ومَنْ كانَ معه في المدينة أو أبو سعيد ومَنْ كانَ معه في مكَّة ؛ أريدُكم أنْ تعرفوا مكانةَ عليٍّ عندي وعند الله " مَنْ كنتُ مولاهُ فعليٌّ مولاه " فعرفَ النَّاسُ مكانةَ عليٍّ وقَدْرَ عليٍّ عند رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وعند ذلك أقرُّوا له بذلك .. أي أقرُّوا له بالفضلِ والمكانةِ عند النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، وصاروا يحسبون له ألفَ حسابٍ في كلامِهم ومنطقِهم ورُؤيتهم له وغير ذلك منَ الأمورِ ، هذه بعضُ فضائل عليّ الخاصَّة . * - نأتي إلى فضائلهِ العامَّة مع أهلِ البيتِ *-أوَّلاً : قول النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم : " مَنْ كنتُ مولاهُ فعليٌّ مولاه " وعليٌّ منْ رؤوسِ أهلِ البيتِ إنْ لم يكنْ عليٌّ رأسَ أهلِ البيتِ في ذلك الوقت رضيَ الله عنه وأرضاه *-الحادثة الثانية: تقولُ أمُّنا عائشةُ رضيَ الله عنها وعن أبيها أنه في يومٍ منَ الأيام دخلَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عليَّ البيت ( في بيت عائشة ) فدعا عليّاً وفاطمةَ ، فجاؤوا إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، وكانَ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم كساء منْ شَعر - كِساء مثل البشت ..عباءه - فجعلَ عليّاً وفاطمةَ داخلَ الكِساءِ معه ( غطَّاهما بالكِساءِ ) ، ثم جاءَ الحسنُ فدخلَ في الكساءِ ، ثم جاءَ الحسينُ ودخلَ في الكساءِ - وكانَ الحسنُ والحسينُ في ذلك الوقتِ يمكن الحسن 5سنوات والحسين 4سنوات - فأدارَ النبيُّ الكساءَ عليهم ( على عليّ وفاطمة والحسن والحسين ) . يعني ضمَّهم النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إليه بالكساء ، ثم قرأ صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه ".... إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) " سورة الأحزاب . فكانتْ هذه كرامة لهؤلاء الأربعة إذْ أكرمَهم النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بهذا الدُّعاء الطَّيب المبارك ، ومعلومٌ أنَّ دعاءَ النبيِّ مستجابٌ صلَّى الله عليه وسلَّم فأكرمَهم بهذا الدُّعاء ثم قالَ : " اللهمَّ هؤلاء أهل بيتي ، اللهمَّ أذهبْ عنهم الرِّجس وطهِّرهم تطهيراً " ، وكانَ الأمرُ كما طلبَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، هذه حادثة . *-الحادثة الثالثة : وهي أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم جاءَه وفدٌ منْ نجران ( نصارى ) ، وصاروا يناقشون النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم في موضوع عيسى صلَّى الله عليه وسلَّم ، فأنزلَ الله جلَّ وعلا آياتٍ منْ سورةِ آلِ عمران وتكلَّم وبيَّن النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مَنْ هو عيسى :" إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ(33) " حتى ذكرَ قصَّة عيسى كاملةً صلَّى الله عليه وسلَّم . فعاندَ أهلُ نجران ..عاندوا النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم . قالوا : إنَّ هذا الكلامَ غيرُ صحيحٍ ولا نقبلُه . لأنهم يعتقدون في عيسى أنه ابنُ الله وأنه ثالثُ ثلاثةٍ ، فبيَّن لهم أنه عبدٌ رسولٌ .. عندها عارضوا وعاندوا فأنزلَ الله تباركَ وتعالى قولَه جلَّ وعلا :" فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ.. ( أي في عيسى ) " فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)"سورة آل عمران فقالَ أهلُ نجران : نعم نبتهلُ . والمباهلةُ هي الملاعنةُ ، يعني يأتي هذا الطَّرفُ بأقربِ النَّاسِ إليه ويأتي الطَّرفُ الثَّاني بأقربِ النَّاسِ إليه ثم يجتمعون في مكانٍ ويبدأ الطَّرف الأوَّل يقولُ : اللهمَّ إنْ كانَ الحقُّ معي وهذا الرَّجل على باطلٍ فاللهمَّ أظهرِ الحقَّ وأنزلْ عذابَك وسخطَك الآن عليه . و إنْ كانَ الحقُّ معه وكنتُ مبطلاً كاذباً فأنزلْ عذابَك عليَّ . هكذا يدعو على صاحبهِ ويدعو على نفسهِ ، ويأتي الآخر يفعل الشَّيءَ ذاته ، هذه تسمَّى المباهلة . عندها قالوا : نعم نباهلُك . فجاءَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم منَ الصَّباح وإذا به أتى بعليّ وفاطمة والحسن والحسين ، كأنه يقولُ : هؤلاء أقرب النَّاس إليَّ صلَّى الله عليه وسلَّم فأتى بهؤلاء الأربعة ، فلمَّا رأى وفدُ نجران أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم عازمٌ على المباهلةِ وقعَ الخوفُ في قلوبهم فقالوا : يا محمَّد ، لا نباهلُك .. ولكنْ أرسلْ معنا رجلاً أميناً يعلِّمنا أمورَ ديننا . فأرسلَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم معهم أبا عبيدة عامرَ بن الجرَّاح ، ولم يباهلوا النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم . والشَّاهدُ منْ هذا هو أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم لما قالَ الله له : " ... فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ... " أتى بهؤلاء الأربعة ( بعليّ وفاطمة والحسن والحسين ) رضيَ الله تباركَ وتعالى عنهم وأرضاهم . قد يقولُ قائلٌ : لماذا لم يأتِ ببناتهِ الأخريات ( رقية وأمّ كلثوم وزينب ) ؟؟؟ في هذا الوقتِ كنَّ قد تُوفِّين ، لأنَّ بنات النبيِّ وأبناء النبيِّ كلِّهم تُوُفُّوا في حياتهِ ما عدا فاطمة رضيَ الله عنها ، وهي تُوُفِّيَتْ بعد النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بستَّة أشهر . ولذلك يقولُ أهلُ العلم : مما رفعَ درجات فاطمة رضيَ الله عنها صبرها في ابتلائها لأنها ابتُليتْ بموتِ أبيها صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه ورضيَ عنها . فالشَّاهدُ منْ هذا أتى النبيُّ بهؤلاء الأربعة ليُظهرَ مكانتهم . ولذلك يقولُ سعدُ بنُ أبي وقَّاص : ولما جاءَ وفدُ نجران للمباهلة أتى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بعليّ وفاطمة والحسن والحسين . فأوقعَ هذا حبّاً لعليّ في قلوبِ أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .. إذْ عرفوا قدرَه ومكانتَه عند النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم * أمَّا الفضائلُ العامَّة التي يدخلُ فيها مع أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فمنها : *- انَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كانَ يوماً على حِراء ، فاهتزَّ جبلُ حِراء فقالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم : " اثبتْ حِراء ، فإنما عليك نبيّ أو صِدِّيق أو شهيد " ، وكانَ على جبل حِراء في ذلك الوقت الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم وأبو بكر وعمر وعثمان وعليّ وسعد وأبو عبيدة عامر بن الجرَّاح وطلحة بن عبيد الله ، فحكمَ عليهم النبيُّ أنهم إما نبيّ أو صِدِّيق أو شهيد . وفي حديثٍ آخر : "اثبتْ أحُد فإنما عليك نبيّ وصِدِّيق وشهيدان " ، وهذا الكلامُ كانَ في الرَّسول و أبي بكر وعمر وعثمان . هذا حديثٌ آخر وإنما هذا على حراء. كذلك منَ الفضائل العامَّة *- حديث سعيد بن زيد رضيَ الله عنه قالَ : سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقولُ : "عشرة في الجنة ، أبو بكر في الجنة ، وعمر في الجنة ، وعليّ في الجنة ، وعثمان في الجنة ، وطلحة في الجنة ، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة ، وسعد بن مالك في الجنة - الذي هو سعد بن أبي وقاص- وأبو عبيدة في الجنة والزبير في الجنة " ثم قال: وإنْ شئتم سمَّيت لكم العاشر . قالوا : مَنْيا سعيد؟ قالَ : صاحبُكم . يعني النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قالَ : " وسعيد بن زيد في الجنة " فهؤلاء العشرة المبشَّرون في الجنة هم خيرُ أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم على الإطلاق .. أفضل عشرة منْ أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم هؤلاء العشرة الذين ذُكروا في حديثٍ واحدٍ وأخبرَ عنهم النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنهم منْ أهلِ الجنة . ثم إذا جمعتَ مع هذا أحاديث النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم التي جاءتْ في فضائلِ الصَّحابةِ عامَّة كقوله : " خير النَّاس قرني " أو قول النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم : " النُّجوم أمنةٌ للسَّماء فإذا ذهبتِ النُّجومُ أتى السَّماءَ ما تُوعد ، و أنا أمنةٌ لأصحابي فإذا ذهبتُ أتى أصحابي ما يُوعدون ، و أصحابي أمنةٌ لأمتي فإذا ذهبَ أصحابي أتى أمتي ما تُوعدُ ". هذا عليٌّ رضيَ الله عنه وأرضاه ... ونختمُ كلامَنا عن عليٍّ رضيَ الله عنه في هذه الجلسةِ - ونؤجِّل ما بقيَ إلى الجلسةِ القادمةِ - بكُنيةٍ طيِّبةٍ كانَ يحبُّها عليٌّ رضيَ الله عنه وهي كُنية " أبو تراب " ، وذلك أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم دخل يوماً إلى بيتِ عليّ فلم يجده في البيتِ وجدَ فاطمةَ فقالَ لها :أين عليّ ؟؟ أين زوجُك ؟؟ فقالتْ : غضبَ عليَّ وخرجَ . أي حصلَ بيننا احتكاك - بين الزَّوج وزوجته - ثم خرجَ ، فسكتَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لأنَّ هذا أمر طبيعيّ يحصلُ بين الأزواج ، فسكتَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ثم خرجَ يبحثُ عن عليّ ، فوجدَ عليّاً نائماً في المسجدِ وقد جمعَ تراباً وجعلَه وسادةً ونامَ على التُّرابِ .. فجاءَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يُوقظُه فقالَ له : " قم أبا التراب ، قم أبا التراب ". يعني انظر كيف يتلطَّف معه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو قد أغضبَ ابنته ، لكن النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يعرفُ كيف يتصرَّف صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه ، ليس كما حال كثير منَ الآباء اليوم . فالمهم ... النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقولُ له : " قم أبا التراب ، قم أبا التراب ". يقولُ عليٌّ رضيَ الله عنه : فكانتْ هذه أحبّ الكنى إليَّ لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم هو الذي لقَّبني بها . كانَ هذا أحبّ ألقاب عليّ إليه لأنَّ النبيَّ هو الذي لقَّبه بقولهِ : " قم أبا تراب ، قم أبا تراب " . هذه نبذةٌ مختصرةٌ معتصرةٌ عن عليٍّ رضيَ الله عنه وأرضاه ، والله أعلى و أعلم ، وصلَّى الله وسلَّم وباركَ على نبيِّنا محمَّد . |
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية (Tags) |
آل البيت, الأصحاب, الله, الحلقة, السابعة, الصحابة, تفريغ, رضي, سلسلة, على, عنه |
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | الأقسام الرئيسية | مشاركات | المشاركة الاخيرة |
تفريغ الحلقة الحادية عشرة والأخيرة:سلسلة آل البيت والصحابة: الحسن بن علي رضي الله عنه | مصطفى طالب مصطفى | قصص هادفة | 0 | 05-29-2015 04:14 PM |
تفريغ الحلقة العاشرة: سلسلة آل البيت والصحابة: فاطمة سيدة نساء العالمين رضي الله عنها | مصطفى طالب مصطفى | قصص هادفة | 0 | 05-29-2015 04:10 PM |
تفريغ الحلقة التاسعة: سلسلة آل البيت والصحابة: عائشة رضي الله عنها | مصطفى طالب مصطفى | قصص هادفة | 0 | 05-29-2015 04:03 PM |
تفريغ الحلقة الثامنة: سلسلة آل البيت والصحابة: علي رضي الله عنه الجزء الثاني | مصطفى طالب مصطفى | قصص هادفة | 0 | 05-29-2015 03:58 PM |
تفريغ الحلقة الخامسة: سلسلة آل البيت والصحابة: أبو بكر الجزء 1 | مصطفى طالب مصطفى | قصص هادفة | 0 | 05-29-2015 03:45 PM |
للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب |
دليل السياح |
تقنية تك |
بروفيشنال برامج |
موقع . كوم |
شو ون شو |
أفضل كورس سيو أونلاين بالعربي |
المشرق كلين |
الضمان |
Technology News |
خدمات منزلية بالسعودية |
فور رياض |
الحياة لك |
كوبون ملكي |
اعرف دوت كوم |
طبيبك |
شركة المدينة الذهبية للخدمات المنزلية
|