ابن مسعود رضي الله عنه يرد على منكري السنة ويستدل بالقرآن على حجيتها !

[مصطفى طالب مصطفى]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:

فإنَّ آيات الكتاب الحكيم ذاخرة بالأوامر المتتالية باتباع النبي صلى الله عليه وسلم ووجوب طاعته والتحذير من معصيته ومخالفة أمره.

ولكن مُنكري السنَّة يكتفون بالقرآن الكريم دون السنة وهم في ذلك مخالفون للقرآن الكريم !

وإليكم هذه الرواية عن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حيث أنَّه ذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال[1]: لَعَنَ اللهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالنَّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ.

قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا: أُمُّ يَعْقُوبَ وَكَانَتْ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ
فَأَتَتْهُ فَقَالَتْ: مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ لَعَنْتَ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ، لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ
فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: وَمَا لِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وَهُوَ فِي كِتَابِ اللهِ
فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ لَوْحَيِ الْمُصْحَفِ فَمَا وَجَدْتُهُ
فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: 7]
فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: فَإِنِّي أَرَى شَيْئًا مِنْ هَذَا عَلَى امْرَأَتِكَ الْآنَ
قَالَ: اذْهَبِي فَانْظُرِي
قَالَ: فَدَخَلَتْ عَلَى امْرَأَةِ عَبْدِ اللهِ فَلَمْ تَرَ شَيْئًا
فَجَاءَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا،
فَقَالَ: أَمَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ نُجَامِعْهَا


ففي هذا الأثر يتجلى فقه الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه, فهو لم يتمثل لأمر النبي صلى الله عليه وسلم فقط بل جعل ذلك حُكمًا في كتاب الله عز وجل, وذلك أن القرآن الكريم أمر أمرًا عامًا بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم, قال تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا [النساء: 80]

وأُم يعقوب رضي الله عنها عندما سمعت هذا الكلام عن ابن مسعود ذهبت مُسرعةً تستفسر منه لأن كلامه لا يصدر إلا عن وَحي فكيف لابن مسعود رضي الله عنه أن يعلم أن الله لعن فلاناً وفلان ؟

فلما أتته تستفسر عمَّا سمعت عنه وضَّح لها مصدر كلامه بقوله:

1- أنَّه من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم
2- أنه في كتاب الله عزَّ وجلَّ

والمرأة بالطبع لا تنكر سُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم, وذلك أنَّها لم تعترض على ابن مسعود عندما قال "وَمَا لِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟" ولكنها أنكرت قول ابن مسعود رضي الله عنه أنَّه في كتاب الله, فقالت له أنَّها قرأت القرآن ولم تجد فيه هذا الكلام, فأوضح لها ابن مسعود رضي الله عنه قصده من أن هذا الكلام صحيح أنه غير موجود في الكتاب لكنه من مفردات ما أمر الله به من خلال الأمر بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم, وبذلك يؤكد أن السُّنَّة مصدر من مصادر التشريع الإسلامي !

ونستفيد من هذه القصَّة قِيمة منهجية أُخرى وهي التَثَّبُت قبل إصدار الأحكام, فإنها عندما سمعت عنه هذا الكلام لم تباشر فورًا الإنكار عليه بل ذهبت تستفسره, فربما يكون المنقول عنه خطأ ! فلا تظلمه, أو صواب فتعلم كيفية صوابه.

----------------------------
1 عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: صحيح البخاري (4886) باب: وما آتاكم الرسول فخذوه, صحيح مسلم (2125) باب: تحريم فعل الواصلة, واللفظ له.